ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس مائة وواحد : : كتاب الوصايا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 1 صفر 1435هـ | عدد الزيارات: 1927 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الوصية مشروعة دائما إذا كان للإنسان شيء يوصي فيه وينبغي له البدار بها وذلك لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين

فهذا يدل على أنه يشرع البدار بالوصية إذا كان عنده شيء يحب أن يوصي فيه وأكثر ما يجوز الثلث فقط وإن أوصى بالربع أو بالخمس أو بأقل فلا بأس لكن أكثر من الثلث لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سعد رضي الله عنه "الثلث والثلث كثير" رواه البخاري

وقال ابن عباس رضي الله عنهما لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "الثلث والثلث كثير" وأوصى الصديق رضي الله عنه بالخمس فإذا أوصى الإنسان بالربع أو بالخمس كان أفضل من الثلث ولا سيما إذا كان المال كثيرا وإن أوصى بالثلث فلا بأس

وتكتب الوصية حسب الصيغة التالية: أنا الموصي أدناه أوصي بأنني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور أوصي من تركت من أهلي وذريتي وسائر أقاربي بتقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله والتواصي بالحق والصبر عليه وأوصيهم بمثل ما أوصى به إبراهيم عليه السلام بنيه ويعقوب "يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" ( البقرة آية 132)

ثم يذكر ما يحب أن يوصي به من ثلث ماله أو أقل من ذلك أو مال معين لا يزيد على الثلث ويبين مصارفه الشرعية ويذكر الوكيل على ذلك

والوصية ليست واجبة بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" رواه البخاري ومسلم

لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق تثبتها لأهلها وجب عليه أن يوصي بها حتى لا تضيع حقوق الناس وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدين عدلين وأن يحررها من يوثق بتحريره من أهل العلم حتى يعتمد عليها ولا ينبغي أن يكتفي بخطه فقط لأنه قد يشتبه على المسئولين وقد لا يتيسر من يعرفه من الثقات

ويستحب للمسلم إذا كان له سعة من المال أن يوصي بالثلث فأقل في وجوه الخير لقول النبي صلى الله عليه وسلم المذكور آنفاً

تفسر وصية الجنف بأنواع منها: أن يوصي بأكثر من الثلث فيجوز للورثة عدم إنفاذ الزيادة على الثلث

ومنها: أن يوصي لبعض الورثة دون بعض فلا تنفذ هذه الوصية إلا برضا بقية الورثة المكلفين المرشدين
ومنها: أن يوصي لبعض الورثة بأكثر من وصيته للوارث الآخر وحكمها حكم التي قبلها ومثل ذلك لو وقف في مرض الموت وقفا يتضمن أكثر من الثلث أو على بعض الورثة دون بعض في أصح أقوال العلماء والحجة في ذلك على منع الزيادة على الثلث ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما أراد أن يتصدق بماله أو نصفه في مرضه قال له النبي صلى الله عليه وسلم "الثلث والثلث كثير" رواه البخاري

والحجة على المسائل الأخيرة قول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" رواه الترمذي

وإذا أوصى ولم يحدد مصرفه فنرى أن يشترى به عقار تصرف غلته في مساعدة الفقراء والمساكين من الأقارب وغيرهم ويصرف منها ما تيسر في تعمير المساجد والمشاركة فيها

ومن أراد أن يوصي فيوصي بالشيء الذي يناسب يوصي بالثلث بالربع بالخمس في وجوه البر وأعمال الخير إذا كان من ذريته محتاج يعطى من الغلة حتى لا يقع النزاع ويوصي بالثلث بالربع بالخمس في وجه البر وأعمال الخير وإذا جعل في أضحية فلا بأس وإذا قال من احتاج من ذريتي يعطى قدر حاجته فلا بأس أو من أقاربي حتى لا يقع النزاع يكون الشيء واضحا على بصيرة للناظر الذي يتولى الوقف حتى يفرق غلته على الوجه الذي بينه في الوصية على وجه واضح ليس فيه شبهة إذا قال في غلة مثل ما قال الزبير بن العوام وابن عمر رضي الله عنهما وجماعة في وصيتهم للمحتاج من الذرية إذا قال المحتاج من الذرية يعطى من غلة الوقف كذا وكذا هذا لا بأس به.

إذا مات المسلم لا يلزم الورثة أن يخرجوا له شيئا من ماله ولكن متى فعلوا فأخرجوا له شيئا مشاعا معينا كالثلث أو الربع أو نحو ذلك أو أخرجوا دراهم معلومة يتصدق بها عنه أو يشترى له بها عقار يكون وقفا لوجه الله سبحانه وتعالى تصرف غلته في وجوه البر وأعمال الخير فهم مأجورون في ذلك وهذا من البر بوالدهم ولكن إنما يصح ذلك من المرشدين أما القاصرون والبالغ غير الرشيد فلا يجوز لوليهم أن يخرج من نصيبهم شيئا

أما حكم الوصية بأقل من الثلث فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما سأله سعد وهو مريض هل يتصدق بثلثي ماله ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "لا ، فقال سعد فالشطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا فقال سعد فالثلث فقال عليه الصلاة والسلام الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" متفق على صحته

وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الثلث والثلث كثير" وأوصى الصديق رضي الله عنه بالخمس فعلم مما ذكرنا أن الثلث هو الحد الأعلى للوصية والصدقة في المرض

أما الوصية بأقل من ذلك فلا حد له فيجوز للموصي أن يوصي بما يرى من ماله بشرط أن لا يزيد عن الثلث وإذا أوصى بأقل من الثلث كالربع والخمس والسدس ونحو ذلك فهو أفضل ولا سيما إذا كان ماله كثيرا والأفضل أن تكون الوصية في وجوه البر كالفقراء والمساكين وأبناء السبيل والمجاهدين في سبيل الله وتعمير المساجد والمدارس الإسلامية والصدقة على الأقارب ونحو ذلك من وجوه الخير وإذا عين أضحية له ولمن شاء من أهل بيته في وصيته فلا بأس بذلك لكونها من القربات الشرعية ومن ذلك الوصية بمساعدة المحتاجين للزواج العاجزين عن مؤونته والغارمين العاجزين عن قضاء ديونهم وما أشبه ذلك

س: رجل قتل رجلاً فكتب وصيته ومنها صيام شهرين وحج وعتق رقبة ؟

ج: إذا كان الصيام ثابتا في ذمة القاتل عن نذر أو كفارة فإنه يصام عنه سواء أوصى بذلك أو لم يوص ووصيته بالحج والعتق يجب أن تنفذ من الثلث إذا تحملها الثلث وفي الإمكان إذا كتب إلينا الوصي من جهة العتق أن نشتري له رقبة من إحدى الدول ونعتقها لأنه يوجد فيها عبيد بالتوارث والقيمة في الغالب حوالي عشرة آلاف ريال تزيد قليلا أو تنقص قليلا

وليس لأحد أن يوصي لأحد الورثة بشيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث" رواه الترمذي

فهذا الذي أوصى بأن تكون فلته لزوجته بعد موته فهذا الوصية غير صحيحة إلا بإذن الورثة المرشدين فإذا سمحوا لها بالسكن في الفلة بعد موتك سقط حقهم ويبقى حق غير المرشدين وحق من لم يسمح من المرشدين

فلا يجوز للمسلم أن يخص بعض ورثته بشيء زيادة عن حقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" فالواجب قسم التركة بينهما على قسمة الله وإن كان معهما ورثة فكل يعطى حقه

وإذا حُجز المال في بنك وأصبح فيه زيادة ربوية فنرى أخذ الزيادة وصرفها في وجوه الخير وتنفيذ ما أوصى به الموصي حسب ما أوصى إذا كانت الوصية شرعية ليس فيها ما يخالف الشرع وإذا كان في الورثة فقراء فلا مانع من مساعدتهم من الزيادة الربوية من دون إخبارهم بذلك لأن الفقراء من المصارف الشرعية للأموال التي ليس لها مالك شرعي أو جهل مالكها

والوصية بإقامة الولائم بعد الموت بدعة ومن عمل الجاهلية وهكذا عمل أهل الميت للولائم المذكورة ولو بدون وصية منكر لا يجوز لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة" خرجه الإمام أحمد بإسناد حسن ولأن ذلك خلاف ما شرعه الله من إسعاف أهل الميت بصنعة الطعام لهم لكونهم مشغولين بالمصيبة لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال لأهله "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم" رواه أحمد

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه

هذا وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-2-1هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة