الدرس الخمسون : الدعوة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 20 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2338 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجوز لشاب أو مجموعة من الشباب المسلم الملتزم بتعاليم دينه أن يجلس بقصد ونية الدعوة في حفلة فيها رجال ونساء سواء كان يوجد امرأة واحدة أو أكثر إذا كان يرجو بدعوته أن يغير المنكر في هذا المجتمع وكان لديه من وسائل الدعوة ما يساعد على ذلك وإلا وجب عليه اعتزالهم .

حديث " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم الحاكم فأخطأ فله أجر واحد " ، هذا الحديث يعم القاضي الذي يفصل في الخصومات والمجتهد الذي يستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية إذا كان كل منهما تتوافر فيه شروط الاجتهاد التي نصَّ عليها أهل العلم في كتب الأصول ، وهكذا الدعاة إلى الله الذين تتوافر فيهم شروط الاجتهاد وعليهم أن يسيروا في دعوتهم على ما ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله " ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلحِكمَةِ وَٱلمَوۡعِظَةِ ٱلحَسَنَةِۖ " النحل 125 .

إذا رأيت من مسلم مخالفة شرعية فعليك بنصحه وإهداء الكتب المفيدة إليه لأن هذا من التعاون على البر والتقوى ، وإذا دعتك نفسك إلى فعل الخير فبادر إليه وأخلص النية واغتنم ساعة انشراحها للخير واحمد الله على أن يسره لك ، وإذا دعتك نفسك الأمارة إلى الشر فامتنع واستعيذ بالله من الشيطان واقطع الخطرات الداعية إلى الشر وانقلها إلى شيء نافع تشغلها به عن التفكير في الشر وابتعد عن الأسباب المفضية إلى الشر وادع الله عز وجل أن يحفظك من الشر جميعه فإن الله قريب ممن دعاه .

يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن على الصحيح من أقوال أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلاً امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن وكان ذلك صداقها ، وكذا يجوز أخذ الأجر الذي تمنحه الجهات المختصة للأئمة والمؤذنين والدعاة ومدرسي العلوم الشرعية .

إذا أُشكل عليك شيء من أمور دينك فإن عليك سؤال أهل العلم كما قال الله تعالى " فَسألُوٓاْ أَهلَ ٱلذِّكرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعلَمُونَ " الأنبياء 7 ، فإن أفتاك من تثق بعلمه وتقواه فيجب عليك الالتزام بتلك الفتوى ، ولا يجوز للإنسان أن يسأل عدداً من العلماء لكي يختار من فتاويهم الأسهل له أو ما يوافق هواه ورأيه .

عبد الله الهرري الحبشي رجل سوء من رؤوس البدعة والضلال في هذا العصر وقد جنَّد نفسه وأتباعه لهدم عقيدة المسلمين التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وقد ظهر في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري ، وعبد الله الحبشي الذي نزح من الحبشة إلى الشام بضلالته وتنقل بين دياره حتى استقر به المقام في لبنان وهم يجوزون الاستغاثة والاستعاذة والاستعانة بالأموات ودعائهم من دون الله تعالى وهذا شرك أكبر بنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين .

والقرآن عندهم ليس كلام الله حقيقة ويرون وجوب تأويل النصوص الواردة في القرآن والسنة ، ومن عقائدهم الباطلة نفي علو الله سبحانه على خلقه ، ويتكلمون في بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يليق ، ومن ذلك تفسيقهم معاوية رضي الله عنه وهم بذلك يشابهون الرافضة قبَّحهم الله ، والواجب على المسلمين الإمساك عمَّا شجر بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وحفظ ألسنتهم مع اعتقاد فضلهم ومزية صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسبُّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " رواه البخاري ومسلم .

يجب على المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح لكل مسلم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن قال الله تعالى " كُنتُمۡ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَتَنهَوۡنَ عَنِ ٱلمُنكَرِ " آل عمران 110 .

مسألة : هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على كل عالم أم فرض كفاية ؟

والجواب : الحكم في ذلك يختلف باختلاف قلة العلماء وكثرتهم وتفاوتهم في العلم والمنزلة فقد يحتاج الناس إلى بيان الحكم الشرعي ولا يوجد بينهم من العلماء إلا واحد فيجب عليه وجوباً عينياً أن يجيب السائل ويرشد الحيران ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وقد يكون بينهم عدد كثير من العلماء لكن لا يقوى على البيان والإرشاد أو الأمر والنهي منهم إلا واحد إما لسعة علمه أو لقوة مركزه أو لفصاحته وحسن بيانه فيجب عليه عيناً أن يقوم بالبيان والنصح والأمر والنهي وقد يكون في البلد كثير من العلماء وكل منهم يقوى على الأمر والنهي والبيان فيجب عليهم البيان وجوباً كفائياً فإن قام أحدهم بما وجب سقط عن الباقين وإن لم يقم بذلك أحد أثموا جميعاً .

أما قوله تعالى " وَلتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلخَيرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَيَنهَوۡنَ عَنِ ٱلمُنكَرِۚ " آل عمران 104 ، فهو أمر لجميع أمة الإجابة أن يكون من بينها جماعة مهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صالحة لذلك علماً وثقافة وعملاً وخلقاً متصدية لهذا الشأن قائمة به على وجه يكفي في البلاغ والموعظة وتصلح به أحوال الأمة فإذا قام بذلك جماعة سقط الواجب عن الباقين وإلا أثم الجميع كما هو الشأن في فروض الكفاية ، أما تنظيم ذلك وطريق التطبيق وكيفية التنفيذ فمرجعه إلى أولياء الأمور من العلماء والحكام .

وقال صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ، جاء في هذا الحديث مراتب تغيير المنكر وأنها ثلاث درجات : التغيير باليد للقادر عليه كالحكام والرجل مع ولده وزوجته ، فإن لم يتمكن المكلف من التغيير باليد فبلسانه كالعلماء ومن في حكمهم ، وإذا لم يتمكن من التغيير باللسان فينتقل إلى التغيير بالقلب ، والتغيير بالقلب يكون بكراهة فعل المنكر وكراهة المنكر نفسه والتغيير بالقلب من عمل القلب ، وعمل القلب إذا كان خالصاً صواباً يُثاب عليه الشخص ، ومن تمام الإنكار بالقلب مغادرة المكان الذي فيه المنكر .

فعلى المسلم أن يقوم بتغيير المنكر قدر استطاعته لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ، ولقوله تعالى " فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱستَطَعتُمۡ " التغابن 16 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ، وعليه أن يصبر على الأذى فإنه من لوازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فمن فعل ما وجب عليه قدر استطاعته فهو مأجور ومن عجز عن شيء مما أُمر به فهو معذور غير آثم .

ويجب على المسلمين أن يكون منهم جماعة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وفي تحقيق ذلك صلاح الناس واستقامة أحوالهم ، وتكون هذه الأمة كما أثنى الله عليها بقوله " كُنتُمۡ خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلمَعرُوفِ وَتَنهَوۡنَ عَنِ ٱلمُنكَرِ " آل عمران 110 ، وعلى القائم بذلك أن يعظ قساة القلوب بما تلين به أفئدتهم وتطمئن به أنفسهم وتُقبل على طاعة الله وعبادته وأن يجادلوا من لديه شبهة بالتي هي أحسن حتى يتبصر ويتبين له الحق فيهتدي إلى الصراط المستقيم .

والمسلمون في ذلك درجات منهم من يدعو إلى المعروف ويتعاهد التنفيذ بيده كالحاكم ونائبه ، والخاص كالأب ومن يقوم مقامه ، ومنهم من يدعو إلى الخير وينهى عن المنكر بلسانه كالعلماء ومن في حكمهم ، ومنهم من لا نفوذ له ولا سلطان ولا قوة بيان فعليه أن ينكر المنكر بقلبه .

أما قوله تعالى " لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهتَدَيتُمۡۚ " المائدة 105 ، فليس في الآية ما يدل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكناً ، فالآية بمنطوقها تأمر العبد بأن يصلح نفسه ويفعل الخير بجهده ، ومن إصلاح النفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا قام بما وجب عليه فلا يضره من ضلَّ بعده إذا عمل بما أمره الله به ، روى الإمام أحمد بسند صحيح عن قيس قال : " قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية " يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهتَدَيتُمۡۚ " المائدة 105 ، وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأو المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه " ، ومعلوم أن العبد لا يكون مهتدياً الهداية الكاملة حتى يؤدي ما أوجب الله عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة .

وإذا نام عندك ضيف فيجب عليك إيقاظه لصلاة الفجر لأن هذا من باب الأمر بالمعروف ، فإن لم يمتثل فالواجب إخراجه من البيت لأن ذلك من تمام إنكار المنكر .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

18 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر