الدرس الحادي والخمسون : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 22 ذو القعدة 1434هـ | عدد الزيارات: 2873 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يستمر النصح لمرتكب المنكر حتى يظن أنه لا يجدي الاكتفاء به فينتقل معه إلى عقوبته عليه وذلك بالرفع إلى ولي الأمر أو من يقوم مقامه في تأديب المنحرفين والعصاة .

وعمل الناس للمنكر لا يبرر ارتكابه ، فقد قال سبحانه وتعالى " وَإِن تُطِعۡ أَكثَرَ مَن فِي ٱلأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ " الأنعام 116 ، وإنما التحليل والتحريم يؤخذان من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا من فعل الناس لأن الناس يخطئون ويصيبون .

إذا امتنع رجل عن الصلاة والصوم ونُصح ورفض الصلاة والصوم فتبلغ جهات الاختصاص بذلك لمعالجته من قِبَلِها وهذا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى .

سب دين الإسلام كفر وعلى من اطلع على ذلك أن ينكر المنكر وينصح لمن حصل منه ذلك عسى أن يقبل النصيحة ويمسك عن المنكر ، ويتأكد ذلك بالنسبة للقريب ، ولا يجوز بناء المساجد على القبور ، ولا دفن الأموات فيها ولا يجوز الصلاة في هذه المساجد .

أسباب انتشار الفساد الأخلاقي اليومي مخالفة أوامر الله ونواهيه من الرعاة والرعية كلٌ بحسب مسئوليته ، والأسباب الكفيلة لعلاجها القضاء على هذه المخالفات بتطبيق الجزاء الرادع على الرعية وتقوى الله جل وعلا من كلٍ من الراعي والرعية .

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المسلمين عامة وعلى الآباء مع أولادهم خاصة سواء كان الأولاد صغاراً أم كباراً ، وعليهم أن يتعاونوا مع أهل الحسبة على تحقيق العمل بالشرع والأخذ على أيدي السفهاء ويأطروهم على الحق أطراً ليستقيموا على الجادة ويعم الخير ويسلم المجتمع من الشر والفساد .

إذا كان التحاقك بالأكاديمية البحرية بالإسكندرية لابد معه من شرب الخمر أو ارتكاب محرمات أخرى حرم عليك الالتحاق بها إيثاراً لحق الله ومحافظة على العمل بأحكام الإسلام واجتناباً لما يغضب الله من فعل المنكرات .

أنواع العلم وكليات الدراسة النافعة المشروعة كثيرة وطرق الكسب الحلال من تجارة ووظائف واسعة النطاق والله سبحانه يقول " وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجاً * وَيَرۡزُقهُ مِنۡ حَيثُ لَا يَحتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا " الطلاق 2 ، 3 .

إذا كان حضورك حفلات تقام في أماكن العمل المعامل الدراسية ويحتسون فيها البيرة والخمور وإن كنت لا تقر بها فيحرم عليك الحضور معهم في هذا الاحتفال وأمثاله إذا لم تقْوَ على تغيير المنكر لما في ذلك من المشاركة لهم في ارتكابه أو السكوت عن تغييره على الأقل وكلاهما محرم ، وإذا ثبت شربهم مسكراً فاعتزلهم في السكنى ما استطعت إن لم يستجيبوا لنصيحتك إياهم ويتركوا ذلك المنكر ، وإن لم تستطع ترك المسكن فاجتنب مجالستهم والحديث معهم ومؤاكلتهم إلا لضرورة وإلا أثمت .

لا يجوز الإتيان إلى الأماكن التي انتشرت فيها المنكرات ، وفي المتع التي أحلها الله لنا غنية عما حرَّم سبحانه علينا .

في الإسكندرية بمصر وعلى البحر هناك آلاف من النساء العاريات مع الاختلاط لذا لا يجوز للمسلم أن يذهب إلى تلك المجتمعات خشية الفتنة واجتناباً لمواطنها إلا أن يكون ممن يقوى على إزالة ما فيها من المنكرات لما له من سلطة ومعرفة بالشرع وقوة على البيان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

من يأكل المخدرات إذا كنت تقوى على إنكار المنكر عليهم وترجو استجابتهم لك فاجلس معهم من أجل نصحهم ونهيهم عن المنكر وأمرهم بالمعروف عسى أن يُجري الله الخير على يديك فإن استجابوا فالحمد لله وإلا فاعتزلهم .

مخالطة أهل المعاصي دون أمر بالمعروف ونهي عن المنكر بل للتسلية والأنس بهم فمحرم وموجب لغضب الله ولعنته قال تعالى " لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعتَدُونَ * كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئسَ مَا كَانُواْ يَفعَلُونَ " التوبة 78 ، 79 .

يجوز الجلوس مع الذين لا يصلون لينصحهم ويرشدهم إلى أداء الصلوات المفروضة في جماعة لا ليتسلى بالجلوس معهم ويأنس لحديثهم ، وإلا حرم الجلوس معهم .

الرسالة بين مسلم ومسلمة في التذكير بالله وفي عبر وعظات وفي دلالة على الحق وفي النصح والإرشاد إلى الخير أو في أمور دنيوية مباحة ونحو ذلك لا تعتبر خلوة بأجنبية ولا في حكمها من جهة المنع ، أما إذا كانت الرسائل بينهما مشتملة على غزل ومداعبات ولهو وغرام ونحو ذلك من لهو الحديث والمغريات بالشر ومثيرات الفتن فهي حرام ولو لم تُسَمَّ خلوة لكنها في حكمها بل ربما كانت أشد منها في الإفضاء إلى الفتنة وارتكاب الفاحشة .

ذهاب النساء للأسواق إذا كان لها من يعولها أو يكفيها مؤونة قضاء حاجاتها فلا يجوز لها أن تذهب إلى هذه الأسواق وإلا رُخِِّص لها في الذهاب إليها لقضاء ما يلزم للضرورة مع الحذر مما حرَّم الله .

من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية حفظ النسل والأعراض من أجل ذلك كله حرَّم الله الزنا وأوجب الحد جلداً ورجماً وحرَّم وسائله والذرائع التي قد تفضي إليه من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه ونظرة آثمة وعين خائنة وسفر امرأة بلا محرم وخروجها من بيتها متعطرة متبرجة كاسية عارية تستميل بذلك قلوب الشباب وتستهوي نفوسهم وتفتنهم في دينهم ، ومن ذلك حديث الرجل الخادع مع المرأة وخضوعها له بالقول إغراءً له وتغريراً به وإثارة لشهوته وليقع في حبالها سواء كان ذلك عند لقاء في طريق أم حين محادثة هاتفية أم مراسلة كتابية أم غير ذلك ، من أجل هذا حرَّم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم وهنَّ الطاهرات أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأن يخضعن بالقول فيطمع فيهنَّ من في قلبه مرض وأمرهنَّ أن يقلن قولاً معروفاً ، قال الله تعالى " يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيتُنَّۚ فَلَا تَخضَعنَ بِٱلقَوۡلِ فَيَطمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلنَ قَوۡلاً مَّعرُوفاً * وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰۖ " الأحزاب 32 ، 33 .

فعلى الفتيان المسلمين أن يتقوا الله ويحفظوا فروجهم ويغضوا أبصارهم ويكفُّوا ألسنتهم وأقلامهم عن الرفث وفحش القول ومغازلة الفتيات ومخادعتهن ، وعلى الفتيات المسلمات مثل ذلك وأن يلزمن العفاف ولا يخرجن متبرجات كاسيات عاريات فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " رواه مسلم .

إن الفتيان والفتيات إذا أطاعوا الله ورسوله وترفَّعوا عن الدنايا وتنزَّهوا عن مداخل الفتن ومواطن الريبة كان ذلك أزكى لهم وأطهر لقلوبهم وأرفع لشؤونهم وأحفظ لمجتمعهم .

ويمكن إقناع المتبرجة من النساء بأن إسلامها الذي تدين به يأمرها بالحجاب والتستر وعدم الاختلاط بالرجال الأجانب وعدم الخضوع بالقول ويُبين لها ما في المحافظة من المصالح والمنافع وما يترتب على التبرج من المفاسد العظيمة التي لا تخفى وتكون الدعوة بالتي هي أحسن لعل الله أن يهديها ، وأما صلاتها فصحيحة إذا كانت ساترة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين .

التحذير من عمل الفساق ومرتكبي الكبائر واجب فإذا خشي المسلم على إخوانه من عمل أولئك وجب نصحهم وكشف أحوال الفساق حتى لا يقع أحد في شراكهم ، ويجب أيضاً مناصحة الفساق ومرتكبي الكبائر لعل الله يهديهم ، قال صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم .

وبالله التوفيق

وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

20 - 11 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر