الدرس الخامس والثلاثون: من شروط الصلاة استقبال القبلة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 29 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2611 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

تحدثنا في الدروس السابقة عن ستر العورة وآخر ما تحدثنا فيه من الأمور المهمة هل الفخذ عورة ؟

وفصلنا القول في ذلك وملخص ذلك أن الفخذ عورة على قول الجمهور مالك والشافعي وأبو حنيفة وإحدى الروايتين لأحمد حيث الرواية الثانية العورة السؤتين

ليس بعورة على قول ابن حزم

عورة مخففة على قول ابن القيم حيث المغلظة السؤتين

ما كان محاذياً للسؤتين فهو عورة وما بعد فلا على قول ابن عثيمين

حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط نص على ذلك البخاري وهو ما نميل إليه

فقوله أسند أنه ساق رواية أنس بالسند المتصل

قال البخاري حدثنا...... قال أنس: حسر النبي صلى الله عليه وسلم عن فخذه، فهنا السند قوي

أما الرواية جرهد فهذا نصها

ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم "الفخذ عورة" قول يروى فيه تمويه أو روى

فهنا الحديث ذكره البخاري معلقاً حينما قال ويروى حيث علقها البخاري في صحيحه بل إن البخاري ضعفه في كتاب التاريخ للاضطراب في إسناده ذكر ذلك ابن حجر في الفتح والحديث بمجموع طرقه يرقى إلى الحسن . انظر كتاب العمدة ص 78 ويقول الألباني في مختصر صحيح البخاري وفي أسانيده كلها مقال ولكن بعضها يقوي بعضاً ص 107 ويقول في كتابه إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل ص298 غير أن مجموع هذه الأسانيد تعطي للحديث قوة فيرقى بها إلى درجة الصحيح

المسألة الثانية: هل قول الصحابي حجة ؟

الجواب: المسألة مختلف فيها والذي يظهر لي أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي حيث نص على ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ

بشرط ألا يخالف النص ولا قول صحابي آخر أما قول الصحابي فلا يكون حجة إلا من عرف عنه الفقه في الدين كابن عمر بشرط ألا يخالف قول صحابي آخر وعندئذ يؤخذ بالأقوى دليل ولا يخالف نص

مناسبة هذا السؤال

حديث أم سلمه الذي يستدل به شيخنا عبد العزيز على وجوب وستر القدمين في الصلاة والذي يرى أنه موقوف عليها وهذا نصه: عن أم سلمه أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار قال إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها " رواه أبو داود

وذكر جماعة وقوفه على أم سلمه

قال الألباني في تخريجه لكتاب مشكاة المصابيح ص 238 قلت وهذا هو الصواب موقوف على أنه لا يصح إسناده لا مرفوعاً ولا موقوفاً كما حققته في ضعيف السنن وبالرجوع إلى كتاب ضعيف سنن أبي داود للألباني قال فيه ص 60 ضعيف انظر المشكاة رقم 763 قال أبو داود روى هذا الحديث مالك بن أنس وبكر بن مضر إلى أن قال عن أم سلمه لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم قصروا به على أم سلمه رضي الله عنها فالألباني يضعف نسبته للرسول ويرى أنه لأم سلمة

وقد ذكرنا في الدرس السابق عورة المرأة في الصلاة وقلنا أن الجمهور والشيخ عبد العزيز يرون المرأة تغطي جميع جسمها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين إذا لم تكن أمام رجل أجنبي

أما أبو حنيفة وابن تيمية وابن عثيمين يرون كشف الوجه واليدين والقدمين في الصلاة

وذكرنا رأي الجمهور على أن ستر أحد العاتقين في الصلاة سنة غير أن الإمام أحمد في أحد روايتيه وابن باز يوجبان ذلك وهو الصحيح حيث نص المصطفى على ذلك

نعود إلى استقبال القبلة وهو الشرط الثامن

والمراد بالقبلة الكعبة وسميت قبله لأن الناس يستقبلونها بوجوههم ويئمونها ويقصدونها وهو من شروط الصلاة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع

أما الكتاب فقوله تعالى "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" وأما السنة فكثيرة منها قوله للمسيء في صلاته " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " أخرجه البخاري

والإجماع: أجمع المسلمون على وجوب استقبال القبلة في الصلاة

والحكمة من ذلك هي أن يتجه الإنسان ببدنه إلى معظم بأمر الله وهو البيت كما يتجه بقلبه إلى ربه في السماء فهنا اتجاهان اتجاه قلبي واتجاه بدني الاتجاه القلبي إلى الله عز وجل والاتجاه البدني إلى بيته الذي أمر الاتجاه إليه وتعظيمه ولا ريب أن في إيجاب استقبال القبلة من مظهر اجتماع الأمة الإسلامية ما لا يخفى على الناس لو لا هذا لكان الناس يصلون في مسجد واحد أحدهم يصلي إلى الجنوب والثاني إلى الشمال والثالث إلى الشرق والرابع إلى الغرب

وقد تتعذر الصفوف في الجماعة لكن إذا كانوا إلى اتجاه واحد صار ذلك من أكبر أسباب الائتلاف

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ولكن الكعبة بينه وبين بيت المقدس فأين يكون مكانه من المسجد ؟

بين الركن اليماني والحجر الأسود لتكون الكعبة بينه وبين بيت المقدس

ولما هاجر إلى المدينة بقي بأمر الله عز وجل يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً وبعض السابع عشر ثم بعد ذلك أمر بالتوجه إلى الكعبة . أخرجه البخاري في الآحاد ومسلم في المساجد باب تحويل القبلة عن البراء بن عازب رضي الله عنه

ولا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة لأنه شرط والقاعدة أنه إذا تخلف الشرط تخلف المشروط

والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال صلى الله عليه وسلم: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد

ومن استقبل غير القبلة فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون عمله مردود

ويستثنى من ذلك العاجز مثل أن يكون مريضاً لا يستطيع الحركة وليس عنده أحد يوجهه إلى القبلة

والدليل قوله تعالى "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" سورة البقرة

وقوله تعالى " والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا تكلف نفساً إلا وسعها " سورة الأعراف

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

الحالة الثانية: حال اشتداد الحرب فيسقط استقبال القبلة مثل لو كانت الحرب فيها كر وفر ومثل لو هرب الإنسان من عدو أو من سيل أو من حريق أو من زلازل أو ما أشبه ذلك

الحالة الثالثة: المتنفل فقد ثبت في الصحيحين وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة . أخرجه البخاري

ولا تجوز الفريضة للراكب السائر إلا في الحال التي يتعذر فيها استقبال القبلة أي لا تجوز الفريضة في اتجاه غير القبلة

والأفضل أن يبتدئ الصلاة متجهاً إلى القبلة ثم يتجه حيث كان وجهه هذا في النافلة أما الفريضة فيجب إلا إذا تعذر عليه استقبال القبلة

ويلحق بالراكب الماشي لحمل الناس على كثرة النوافل قال ذلك الشيخ محمد بن عثيمين وقال ويجب أن يصيب عين الكعبة بكل بدنه فلو فرض أن جانب الوجه الأيمن مساو للكعبة والجانب الأيسر خارج عن الكعبة لم يصح فلا بد أن يكون اتجاهه كله إلى عين الكعبة هذا إذا كان أمام الكعبة

ولو أخبره ثقة سواء أخبره عن يقين أو عن اجتهاد فإنه يعمل بقوله كما نعمل بقول الثقة بالاجتهاد في مسائل الدين الحلال والحرام

ومما يستدل به على القبلة المحاريب

واتخاذ المحراب مستحب

ومما يستدل به على القبلة القطب وهو نجم خفي جداً قال تعالى "وبالنجم هم يهتدون " ويستدل أيضاً بالشمس والقمر ويجوز اتباع أحدهما الآخر مع اختلافهما في جهة القبلة والثالث يتبع أوثقهما

ومن صلى باجتهاد فصلاته صحيحه سواء أخطأ أو أًصاب وسواء في الحضر أو في السفر

وإن صلى بغير اجتهاد ولا تقليد إن وجد من يقلده فإن أخطأ أعاد وإن أصاب لم يعد

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -28

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر