الدرس الرابع والثلاثون: من شروط الصلاة ستر العورة 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 29 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 3819 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله كفى والصلاة على المصطفى وبعد

ما مقدار عورة المرأة في الصلاة

ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكفاف والقدمان وقال إن النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كن في البيوت يلبسنا القمص وليس لكل امرأة ثوبان ولهذا إذا أصاب دم الحيض الثوب غسلته وصلت فيه فتكون القدمان والكفان ليستا عورة في الصلاة لا في النظر

أما رأي الأئمة الأربعة

الإمام مالك والشافعي وإحدى الروايتين لأحمد كلها عورة في الصلاة عدا وجهها وكفيها

والرواية الثانية لأحمد وهي المشهورة فكلها عورة إلا وجهها خاصة

وذهب أبو حنيفة إلى أن قدمها ليست بعورة أي أنها تكشف في الصلاة الوجه والكفين والقدمين

إذاً خلاصة القول أن أكثر العلماء كلها عورة خلا الوجه واليدين هذا ما ذكره القرطبي في بداية المجتهد ص 234

أما رأي مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز فيقول الواجب على المرأة الحرة المكلفة ستر جميع بدنها في الصلاة ما عدا الوجه والكفين لأنها عورة كلها فإن صلت وقد بدأ شيء من عورتها كالساق والقدم والرأس أو بعضه لم تصح صلاتها لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار " رواه أحمد وأهل السنن إلا النسائي بإسناد صحيح والمراد بالحائض البالغة

ولقوله صلى الله عليه وسلم "المرأة عورة" ولما روى أبو داود رحمه الله عن أم سلمه رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة تصلي في درع وخمار بغير إزار فقال إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها " أ.هـ

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في البلوغ وصحح الأئمة وقفه على أم سلمه رضي الله عنها فإن كان عندها أجنبي وجب عليها ستر وجهها وكفيها .أ.هــ

قلت ما دام أن تغطية القدمين موقوف على أم سلمه وليس مرفوعاً للرسول صلى الله عليه وسلم فالذي يترجح عندي ما أفتى به ابن تيمية ومال إليه ابن عثيمين وقال به أبو حنيفة أيضا أن للمرأة كشف الوجه والكفين والقدمين في الصلاة

ملحوظة: الدرع هو القميص السابغ الذي يصل القدمين والخمار ما يلف على الرأس

بقي في المسألة عورة الرجل في الصلاة ذهب مالك والشافعي وإحدى الروايتين لأحمد وأبو حنيفة أن حد العورة ما بين السرة إلى الركبة

وقال الشافعي تبطل باليسير من ذلك والكثير وقال أحمد إن كان يسيراً لم تبطل وهو الصحيح واليسير ما يعد في الغالب يسيراً وأوجب أحمد ستر المنكبين في الفرض وعنه في النفل روايتان . انظر بداية المجتهد وذكر ابن قدامه في كتابه المغني إن انكشف من العورة يسير لم تبطل صلاته نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي تبطل وسنفصل ذلك وقال ابن المنذر يجب أن يضع المصلي على عاتقه شيئاً من اللباس إن كان قادراً على ذلك وحكي عن أبي جعفر أن الصلاة لا تجزئ ممن لم يخمر منكبيه

وقال أكثر الفقهاء لا يجب ذلك ولا يشترط لصحة الصلاة وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي لأنهما ليسا بعورة فأشبها بقية البدن

ويقول ابن قدامه ولا يجب ستر المنكبين جميعها بل يجزئ ستر بعضها وكذلك ابن تيمية

ويقول مفتي المملكة عن ستر العاتقين

إن كان عاجزاً فلا شيء عليه لقوله سبحانه "فاتقوا الله ما استطعتم " ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما "إن كان الثوب واسعاً فالتحف به وإن كان ضيقاً فاتزر به " أما مع القدرة على ستر العاتقين أو أحدهما فالواجب عليه سترها أو أحدهما في أصح قولي العلماء فإن ترك ذلك لم تصح صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" متفق على صحته، وقول شيخي ابن باز قوي وهو المترجح عندي

نعود إلى درس اليوم لنكمل بقية الشروط: ستر العورة

مسألة: ما الحكم إذا انكشف بعض عورته ؟

الجواب

أولاً: إذا كان عمداً بطلت صلاته قليلاً كان أو كثيراً طال الزمن أو قصر

ثانياً: إذا كان غير عمد وكان يسيراً فالصلاة لا تبطل نص على ذلك أحمد وأبو حنيفة

ثالثاً: إذا كان غير عمد وكان فاحشاً لكن الزمن قليل لا تبطل

رابعاً: إذا كان غير عمد وكان فاحشاً لكن الزمان كثير تبطل

مثاله: إنسان صلى في سروال وبعد صلاته وجد أن هناك فتحة كبيرة تحاذي السؤة ولكن لم يعلم بها إلا بعد أن سلم فصلاته غير صحيحة ويعيد . أ.هـ

مسألة : ما الحكم إذا صلى في ثوب نجس ؟

الجواب: إن كان الثوب متنجس بنجاسة يعفى عنها فلا حرج عليه أن يصلي فيه مثل الدم اليسير فإن الدم اليسير النجس يعفى عنه إلا إذا كان خارجاً من السبيل

ثانيا: إن صلى في ثوب نجس يعلم النجاسة فلا تصح صلاته لأنه خالف أمر الله ورسوله فوجب عليه إعادة الصلاة

ثالثا: إذا كان جاهلاً أو ناسياً أو عادماً فلا إعادة عليه قال بعض العلماء لا إعادة عليه واستدلوا بقوله تعالى "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " وقال الله تعالى قد فعلت " الآية عامة وتعتبر من أكبر وأعظم قواعد الإسلام لأن الذي علمنا هذا الدعاء هو الله عز وجل وأوجب على نفسه عز وجل أن يفعل فقال قد فعلت كما صح في الحديث الذي رواه مسلم

إذا هذا الرجل الذي صلى في ثوب نجس وهو لا يدري بالنجاسة إلا بعد فراغه مخطئ لا خاطئ ولو كان يعلم بالنجاسة لقلنا خاطئ ولكنه الآن مخطئ جاهل فلا إعادة بمقتضى هذه القاعدة العظيمة التي تعتبر أساساً في الدين الإٍسلامي

وهناك دليل خاص بالمسألة وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبره جبريل بأن في نعليه أذى خلعهما واستمر في صلاته ولو كان الثوب النجس المجهول نجاسته تبطل به الصلاة لأعادها من أولها

النسيان: بأن نسي أن يكون فيه نجاسة أو نسي أن يغسلها فالصحيح أنه لا إعادة عليه

الدليل قوله تعالى "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" ودليل آخر ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه " أخرجه البخاري

والأكل والشرب في الصيام فعل محذور والصلاة في ثوب نجس فعل محذور أيضاً

فلما سقط حكمه بالنسيان في باب الصيام نقيس عليه حكمه بالنسيان في باب الصلاة

وإذا كان عادماً ليس عنده غير هذا الثوب النجس ما الحكم ؟

الجواب: يصلي به ولا إعادة لأن الستر واجب وحمله للنجاسة حينئذ للضرورة لأنه ليس عنده ما يزيل به هذه النجاسة وليس عنده ما يكون بدلاً عن هذا الثوب فيكون مضطراً إلى لبسه وإلى ملامسة النجاسة وقد قال تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج" وأسقطنا عنه حكم الإعادة لأن الله تعالى لا يوجب على عباده عبادة مرتين أبداً

ومن حبس في محل نجس ولم يتمكن من الخروج إلى محل طاهر فإنه يصلي فيه ولا إعادة لأنه مكره على المكث في هذا المكان والإكراه حكمه مرفوع عن هذه

والفرق بينه وبين من صلى في ثوب نجس أن من صلى في ثوب نجس ليس مكرهاً على الصلاة فيه ولذلك لو أكره على الصلاة في ثوب نجس فإنه يصلي فيه ولا إعادة ولكن كيف يصلي من حبس في مكان نجس ؟

الجواب: إن كانت النجاسة يابسة صل كالعادة وإن كانت رطبة صلى قاعداً على قدميه بالإيماء وإلا واقفا إن لم يتمكن من القعود أي إذا خشي على ساقيه من التلوث صلى قائماً فيومئ بالركوع والسجود ما أمكنه ذلك

ومن وجد كفاية عورته سترها وإلا فالفرجين فإن لم يكفها فالدبر لأن القبل إذا انضم إليه ستره

ويجب على المصلي تحصيل السترة بكل طريقة ليس فيها ضرر عليه ولا غضاضة والغضاضة تحصل إذا استعرت من إنسان منان

وقال بعض أهل العلم في طريقة صلاة العاري إن كان حوله أحد صلى قاعداً وإن لم يكن حوله أحد أو في ظلمة أو حوله شخص لا يبصر فإنه يصلي قائماً لأنه لا عذر له لأنه يجمع بين حق الله وحق النفس فإن حق الله إذا لم يكن حوله أحد يراه أن يصلي قائماً لأنه قادر وبين حق النفس إذا كان حوله أحد يخجل ولا يستطيع أن يقوم

ويكون إمام العراة وسطهم إذا كان ذلك أستر له وإلا تقدمهم إن كان أستر له

ويصلون قعوداً على المذهب استحباباً ويومئون بالركوع والسجود استحباباً أيضاً

ويستثنى من ذلك ما إذا كانوا في ظلمة أو لا يبصرون إمامهم فإن إمامهم يتقدم عليهم كالعادة لأن المحظور زال

ويصلي كل نوع على حده أي الرجال والنساء كل في مكان فإن شق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم عكسوا وذلك في حال ضيق المكان والمراد بالاستدبار يكون ظهور النساء إلى القبلة

وإن وجد سترة قريبة في أثناء الصلاة ستر وبنى وإلا ابتدأ أي يقطع الصلاة ويبتدئ من جديد

مثال القريبة: جاء إليه رجل وهو يصلي وقال خذ استر نفسك فهنا نقول يأخذها ويستتر

مثال البعيدة: رأى ورقة يطير بها الهواء تستره لكنها علقت بشجرة بعيدة عنه

نقول له اقطع صلاتك واذهب وخذ هذه السترة واستتر بها وابتدئ الصلاة

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -28

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر