الدرس الرابع والعشرون مكروهات الصلاة 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 30 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1681 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قوله "يكره في الصلاة التفاته" أي يكره للمصلي أن يلتفت لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها

واختلاس أي سرقة ونهب يختلسه الشيطان من صلاة العبد

والالتفات حركة لا مبرر لها والأصل كراهة الحركات في الصلاة ولأن في الالتفات اعراضاً عن الله عز وجل فإن الله سبحانه وتعالى إذا قام الإنسان يصلي فالله تعالى قبل وجهه ولكن إذا كان لحاجة فلا بأس فمن الحاجة "ما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم حين أرسل عيناً تترقب العدو فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ويلتفت نحو الشعب الذي يأتي منه هذا العين" أخرجه أبو داود وصححه الحاكم ووافقه الذهبي

والعين هو الجاسوس

ومن ذلك لو كانت المرأة عندها صبيها وتخشى عليه فصارت تلتفت إليه فإن هذا من الحاجة ولا بأس به لأنه عمل يسير يحتاج إليه الإنسان ثم اعلم أن الالتفات نوعان

الأول : التفات حسي بالبدن

ثانياً : التفات معنوي بالقلب

فالالتفات بالبدن معروف أما الالتفات المعنوي القلبي فهذا هو العلة التي لا يخلو أحد منها وما أصعب معالجتها وما أقل السالم منها وياليته التفات جزئي ولكنه التفات من أول الصلاة إلى آخرها وينطبق عليه أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم "لما شكى إليه الرجل هذه الحال قال له ذاك شيطان يقال له خنزب فإن أحسست به فاتفل عن يسارك ثلاث مرات وتعوذ بالله منه" أخرجه مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه

قوله "و رفع بصره إلى السماء" وهو يصلي سواء في حال القراءة أو في حال ركوعه أو في حال الرفع من الركوع أو في أي حال من الأحوال بدليل وتعليل أما الدليل فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لينتهين أو لتخطفن أبصارهم" أخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه ، أي إما أن ينتهوا وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة وهي أن تخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم واشتد قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك والدليل أقوى من المدلول لأن الدليل يقتضي أن يكون رفع البصر إلى السماء محرماً ومن المعلوم أن التحذير عن الشيء بذكر عقوبة يدل على أنه حرام كما قال صلى الله عليه وسلم "أَما يَخْشَى أحَدُكُمْ أوْ لا يَخْشَى أحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ، أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ" أخرجه البخاري عن أبي هريرة فهذا دليل على تحريم مسابقة الإمام وكذا رفع البصر إلى السماء أيضا

قوله "وتغميض عينيه" أي أنه مكروه وعلل ذلك بأنه فعل اليهود في صلاتهم ونحن منهيون عن التشبه بالكفار من اليهود وغيرهم لا سيما في الشرائع لأن شرائعهم منسوخة أبطلها الله بشرع محمد صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن نتشبه بهم

قوله "وإقعاؤه" أي يكره للمصلي إقعاؤه في الجلوس لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب" أخرجه أحمد وحسنه الألباني والإقعاء له صور

أولاً : أن يفرش قدميه أي يجعل ظهورهما نحو الأرض ثم يجلس على عقبيه وهذا مكروه لما يلي

أ. لأنه يشبه من بعض الوجوه إقعاء الكلب

ب. أنه متعب فلا يستقر الإنسان في حال جلوسه على هذا الوجه

ثانياً : أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه

الثالثة وهي أقربها مطابقة لإقعاء الكلب أن ينصب فخذيه وساقية ويجلس على عقبيه لا سيما إذا اعتمد بيديه على الأرض

قوله "وإفتراش ذراعيه ساجدا" أي يكره أن يفترش ذراعية حال السجود ولو افترشهما جالساً فهو أشد كراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اعتدلوا في السجود ولا يبسط ذراعيه كالكلب" أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه لأن الإنسان لا ينبغي أن يتشبه بالحيوان فإن الله لم يذكر تشبيه الإنسان بالحيوان إلا في مقام الذم كما قال تعالى "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا" الجمعة (5) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يتكلم والإمام يخطب "كمثل الحمار يحمل اسفارا" أخرجه الإمام أحمد وقال ابن حجر في بلوغ المرام رواه أحمد بإسناد لا بأس به

قوله"وعبثه" أي وعبث المصلي مكروه لأن العبث فيه مفاسد

المفسدة الأولى : انشغال القلب فإن حركة البدن تكون بحركة القلب ولا يمكن أن تكون حركة البدن بغير حركة القلب فإذا تحرك البدن لزم من ذلك أن يكون القلب متحركاً وفي هذا انشغال عن الصلاة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حينما نظر إلى الخميصه نظرة واحدة "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي" أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها

فيؤخذ من هذا الحديث تجنب كل ما يلهي عن الصلاة

المفسد الثاني : أنه على اسمه عبث ولغو وهو ينافي الجدية المطلوبة من الإنسان في حال الصلاة

المفسدة الثالثة : وهي الحركة بالجوارح وهذه الحركة دخيلة على الصلاة لأن الصلاة لها حركات معينه من قيام وقعود وركوع وسجود

قوله "وتخصره" ويكره وضع يده على خاصرته

والخاصرة هي المستدق من البطن الذي فوق الورك أي وسط الإنسان فإنه مكروه

لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يصلي الرجل متخصراً" أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه

أي واضعاً يديه على خاصرته وقد جاء تعليل ذلك في حديث عائشة بأنه فعل اليهود رواه البخاري

فكان اليهود يفعلون هذا في صلاتهم ولأنه في الغالب يأتي في حال انقباض الإنسان وكأنه يفكر في شيء

قوله "وتروحه" أي أن يروح على نفسه بالمروحة مأخوذة من الريح والمروحة تصنع من خوص النخل يخصف ويوضع لها عود ثم يتروح بها الإنسان وهذا مكروه لأنه نوع من العبث والحركة ومشغل للإنسان عن صلاته لكن إن دعت الحاجة إلى ذلك بأن كان كثير اللحم وأصابه غم وحر شديد وروح عن نفسه بالمروحة من أجل أن تخف عليه وطأة انحباسه في الصلاة فإن ذلك لا بأس به لأن القاعدة عند الفقاء أن المكروه يباح للحاجة

أما التروح الذي هو المراوحه بين القدمين بحيث يعتمد على رجل أحياناً وعلى رجل أخرى أحياناً فهذا لا بأس به لا سيما إذا طال وقوف الإنسان لكن بدون أن يقدم إحدى الرجلين على الثانية بل تكون الرجلان متساويتين وبدون كثرة

قوله "وفرقعة أصابعه" ويكره أيضاً فرقعة أصابعه أي غمزها حتى تفرقع ويكون لها صوت لأن ذلك من العبث وفيه أيضاً تشويش على من كان حوله إذا كان يصلي في جماعة

قوله "وتشبيكها" ويكره التشبيك بين الأصابع وهو إدخال بعضها في بعض في حال صلاته وقد ورد النهي عن ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاته حتى يرجع فلا يفعل هكذا وشبك بين أصابعه" أخرجه الدارمي والحاكم وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وقال الألباني في الإرواء فهو كما قالا

فإذا كان قاصداً المسجد للصلاة منهياً عن التشبيك بين الأصابع فمن كان في الصلاة فأولى بالنهي وأما بعد الصلاة فلا يكره شيء من ذلك

لا الفرقعة ولا التشبيك لأن التشبيك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وذلك في حديث ذي اليدين "حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه إحدى صلاتي العشي فسلم من ركعتين ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها وشبك بين أصابعه" الحديث في الصحيحين

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434/3/28 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر