الدرس 67 باب الشفاعة 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 6 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1704 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

ذكر المؤلف رحمه الله قول ابن تيمية فقال: قال أبو العباس " نفى الله عما سواه كلَّ ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونا لله ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى (الأنبياء 28) فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولا ثم يقال له"ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وقُلْ يُسْمَعْ وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ".

جاء الحديث في صحيح البخاري :" يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ "، وفي مسلم باختلاف يسير.

" أبو العباس " هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ، المولود سنة إحدى وستين وستمائة، صاحب المصنفات، شهرتُه وإمامتُه في علوم الإسلام وتفنُنَه تُغني عن الإطناب في وصفه ، قال الذهبي : لم يأت قبله بخمسمائة سنة مثله ، لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر مثله ، وما رأى بعينيه مثل نفسه ، رحمه الله ، وقال ابن دقيق العيد :" لما اجتمعتُ بابن تيمية رأيتُ رجلاً كلُّ العلوم بين عينيه، يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء ، وبالجملة فما أتى بعد عصر الإمام أحمد له نظير ، وكانت وفاته سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة من الهـجرة، وله من العمر سبعٌ وستونَ وعشرةُ أشهرٍ.
قال المصنف: " قال أبو العباس ابن تيمية :" نفى الله عما سواه كلَّ ما يتعلق به المشركون" أي من الاعتقاد في غير الله من الملك والشركة فيه ، والمعاونة والشفاعة .

قوله:" فنفى أن يكون لغيره ملك "، وذلك في قوله تعالى:" لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ " (سبأ 22) ،

قوله:" أو قسط منه،" أي من الملك، والقسط هو النصيب من الشيء.

قوله :" أو يكون عونا لله"، وذلك في قوله :"وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ" (سبأ22) ،

قوله: "فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن" فالله سبحانه وتعالى نفى أن تنفعهم أصنامهم، بل قال إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (الأنبياء98- 99) فكيف تكون شافعة بل هي في النار وعابدوها.

قوله: " وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ " ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الناس جاها عند الله لا يشفع إلا بعد أن يحمد الله ويثني عليه، فيحمد الله بمحامد عظيمة يفتحها الله عليه لم يكن يعلمها من قبل، ويخرُّ له ساجدا، فكيف بهذه الأصنام هل يمكن أن تشفع لأصحابها

ثم يقال للرسول صلى الله عليه وسلم (ارفع رأسك) أي من السجود

قوله "وسل تعطَ " أي سل ما بدا لك تعطَ، مجزوم بحذف حرف العلة جوابا لـ(سل) وأصله : (تعطى)
قوله " واشفع تشفع " وحينئذ يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في الخلائق أن يقضى بينهم
قول المصنف "وقال له أبو هريرة رضي الله عنه: من أسعد الناس بشفاعتك قال : من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه " .

جاء الحديث في صحيح البخاري بلفظ" قِيلَ يا رَسولَ اللَّهِ مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هُرَيْرَةَ أنْ لا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ، أوْ نَفْسِهِ. "

قول الراوي "مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ "هذا السؤال من أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لقَدْ ظَنَنْتُ يا أبَا هُرَيْرَةَ أنْ لا يَسْأَلُنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ "أخرجه البخاري ، وفي هذا دليل على أن من وسائل تحصيل العلم السؤال .

قوله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه "، جعل أعظم الأسباب التي تنال بها شفاعته تجريد التوحيد، عكس ما عند المشركين من أن الشفاعة تنال باتخاذهم شفعاء من دون الله.

وأعظم شفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم عليهم الصلاة والسلام حتى تنتهي إليه فيقول: أنا لها، في الحديث المتفق عليه، واللفظ للبخاري "فَيَأْتُونِي، فأقُولُ: أنَا لَهَا، فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، ويُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أحْمَدُهُ بهَا لا تَحْضُرُنِي الآنَ، فأحْمَدُهُ بتِلْكَ المَحَامِدِ، وأَخِرُّ له سَاجِدًا، فيَقولُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي"

قول المصنف :" فيه مسائل :"

"الأولى : تفسير الآيات "، وهي خمس ، وسبق تفسيرها.

"الثانية : صفة الشفاعة المنفية ."وهي ماكان فيها شرك.

"الثالثة : صفة الشفاعة المثبتة . وهي شفاعة أهل التوحيد بشرط إذن الله ورضاه عن الشافع والمشفوع له.

" الرابعة : ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود "، وهي الشفاعة في أهل الموقف أن يقضى بينهم.

" الخامسة : صفة ما يفعله صلى الله عليه وسلم أنه لا يبدأ بالشفاعة بل يسجد فإذا أُذن له شفع " كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهذا يدل على عظمة الرب ، جلَّ وعلا.

" السادسة : من أسعد الناس بها "، وهم أهل التوحيد والإخلاص .

" السابعة : أنها لا تكون لمن أشرك بالله "، لقوله تعالى:"فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ " (المدثر48)"

" الثامنة بيان حقيقتها ."، وهي أن الله تعالى يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة من أذن له في الشفاعة .

وبالله التوفيق.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434-3-5هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر