الدرس68 باب قول الله تعال إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 6 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1831 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمدُ لله رَبِّ العالمين والصلاةُ والسَّلامُ على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدُ:

قال المصنف رحمه الله، باب قول الله تعالى :"إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ "(القصص 56)"، المعنى : باب بيان أن الهداية التي مضمونها الرضا بالحق ، وقبوله لا يملكها أحد إلا الله، فلا يملكها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا غيرهما، فالهداية المنفية عن غير الله هي هداية التوفيق، أما الهداية التي بمعنى البلاغ والبيان والإرشاد والدعوة فهذه بيد الرسل وأتباعهم من العلماء والدعاة، قال تعالى " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "(الشوري52)، يعني ترشد وتدل.

قول المصنف:" وفي الصحيح عن ابن المسيب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاةُ جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل، فقال له " يا عم قل لا إله إلا الله كلمةً أحاجّ لك بها عند الله فقالا له أترغب عن ملة عبد المطلب فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله جل وعلا:" مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى (التوبة: 113) وأنزل الله في أبي طالب إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ".

قوله " في الصحيح " أي في صحيحَي البخاري ومسلم.

ورد الحديث في صحيح البخاري بلفظ :" عن ابن المُسيَّب عن ابيه أنَّ أبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، دَخَلَ عليه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعِنْدَهُ أبو جَهْلٍ، فَقَالَ: أيْ عَمِّ، قُلْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ، حتَّى قَالَ آخِرَ شيءٍ كَلَّمَهُمْ بهِ: علَى مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، ما لَمْ أُنْهَ عنْه فَنَزَلَتْ: {ما كانَ للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ } (التوبة: 113). ونَزَلَتْ: " إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ " [القصص: 56] ، وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:" قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِعَمِّهِ: قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أشْهَدُ لكَ بها يَومَ القِيامَةِ، قالَ: لَوْلا أنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يقولونَ: إنَّما حَمَلَهُ علَى ذلكَ الجَزَعُ لأَقْرَرْتُ بها عَيْنَكَ، فأنْزَلَ اللَّهُ: {إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشاءُ} [القصص: 56]."

قوله :" عن ابن المُسيَّب" هو سعيد بن المسيَّب بن حَزْن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي ،ولد سنة (15هـ) في المدينة المنورة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل ، وقال ابن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علما منه " ، مات وله من العمر تسعة وسبعون سنة.

(وأبوه) المسيَّب صحابيٌ بقي إلى خلافة عثمان رضي الله عنه وكذلك جدُّه حزْنُ صحابي أستشهد ياليمامة

قوله " أنَّ أبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ "، أي حضرت علامات الوفاة .


قوله "قل لا إله إلا الله" يعني انطق بهذه الكلمة معتقداً لها بقلبك.

وأبو طالب هو: عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

وهو عمُّ الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، كَفَلَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم بعد موت جده عبد المطلب ، وبقي أبو طالب حول الرسول قبل البعثة وبعدها يدافع عنه ويحميه إلى سنة ثمان من البعثة.

واللذان عنده هما عبد الله بن أبي أمية المخزومي ، وأبو جهل عمرو بن هشام ، أمَّا عبدُ الله بنُ أبي أمية المخزومي فقد مَنَّ اللهُ عليه بالإسلام فأسلم يوم الفتح، وأمَّا أبو جهل عمرو بن هشام قبَّحه الله فقد قتل في غزوة بدر كافراً.

وأبو طالب واللذان عنده يعرفون هذه الكلمة ويعرفون معناها ولهذا بادر بالإنكار.
قوله "أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ "أي أشهدُ لكَ بها عند الله.
قوله فَقَالَ أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ

قوله " ترغب "

أي أترغب ؟ بحذف همزة الاستفهام ، وهذا جائز بعد القول ، ، فالاستفهام للإنكار عليه ؛ لأنهما عرفا أنه إذا قالها أي كلمة الإخلاص وحد، وملة عبد المطلب الشرك، وذكرا له ما تهيج به نعرته، وهي ملة عبد المطلب حتى لا يخرج عن ملة آبائه
قوله " على ملة عبد المطلب " أي دين عبد المطلب.

قوله "فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرنَّ لك ما لَمْ أُنْهَ عنْه " ، وجملة "لأستغفرنَّ لك" مؤكدة بثلاث مؤكدات: القسم، واللام، ونون التوكيد الثقيلة. وأصله : أي والله لأستغفرنَّ لك

والاستغفار: طلب المغفرة، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه شيء من القلق، حيث قال: " ما لَمْ أُنْهَ عنْه " فوقع الأمر كما توقع ونهي عنه.

فأنزل الله عز وجل مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى
قوله " أن يستغفروا " أي: يطلبوا المغفرة للمشركين قوله " وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى "أي: حتى ولو كانوا أقارب لهم.

فالله منعه من طلب المغفرة للمشركين ؛ لأن هؤلاء المشركين ليسوا أهلا للمغفرة

إذا دعوت الله أن يفعل ما لا يليق فهو اعتداء في الدعاء
وأنزل الله في شأن أبي طالب قوله إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي لا توفِق من أحببت للهداية

إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ أي يهدي هداية التوفيق من يشاء واعلم أن كل فعل يضاف إلى مشيئة الله تعالى فهو مقرون بالحكمة أي من اقتضت حكمته أن يهديه فإنه يهتدي، ومن اقتضت حكمته أن يضله أضله.

قول المصنف: " فيه مسائل" :

"المسألة الأولى : تفسير قوله :" إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ " الآية "، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى عمَّه وهو في علامات الموت من أجل الدعوة .

"المسألة الثانية : تفسير قوله :"مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ " الآية (التوبة 113)"، وقد سبق تفسيرها .

"الثالثة: وهي المسألة الكبرى : تفسير قوله:"قل لا إله إلا الله"بخلاف ما عليه من يدعي العلم" فإن من قالها يقبل منه، ويحكم بإسلامه مالم يظهر منه ما يناقض هذه الكلمة من قول أو فعل .

"الرابعة : أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا قال للرجل: قل لا إله إلا الله. ؛ لذا كانوا حريصين على الحيلولة بينه وبين النطق بهذه الكلمة.

"الخامسه :جِدُّه ومبالغته في إسلام عمه."حرصه صلى الله عليه وسلم ، وكونه يتحمل أن يحاج بالكلمة عند الله.

"السادسة : الرد على من زعم إسلام أبي طالب وأسلافه " كالرافضة .

"السابعه : كونُه ، صلى الله عليه وسلم ، استغفر له فلم يغفر له بل نُهي عن ذلك ففيه تحريم الاستغفار للمشركين والترحم عليهم " ولو كانوا أولي قربى. " (التوبة 113)

"الثامنة : مضرة أصحاب السوء على الإنسان فإن رفقة السوء قد تؤدي بالإنسان إلى الضياع والهلاك، فقد حرص جليسا السوء أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية من منع أبي طالب من نطق كلمة الحق .

" التاسعة : مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر." هذا إن كانوا على غير حق.

"العاشرة : الشبهة للمبطلين في ذلك ؛ لاستدلال أبي جهل بذلك"،شبهة المبطلين في تعظيم الأسلاف هي استدلال أبي جهل في قوله :" ترغب عن ملة عبد المطلب ؟!".

"الحادية عشرة :الشاهد بكون الأعمال بالخواتيم ؛لأنه لو قالها لنفعته"، فلو قالها لختم الله له بالسعادة ولبدلت سيئاتُه حسنات.

"الثانية عشرة :التأمل في كِبَر هذه الشبهة في قلوب الضالين؛ لأنَّ في القصة أنَّهم لم يجادلوه إلَّا بها مع مبالغتِه، صلى الله عليه وسلم ، وتكريره ، فلأجل عظمتها ووضوحها عندهم اقتصروا عليها"، هذه الشبهة هي تعظيم الأسلاف والأكابر.

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434-3-5هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة