الدرس 133 الجزء الرابع بيان معنى كلمة لا إله إلا الله

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 27 شوال 1445هـ | عدد الزيارات: 65 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد:

كلمة التوحيد هي أصل الدين وأساس الملة وهي التي فرَّق الله بها بين المسلم والكافر وهي التي دعت إليها الرسل جميعا وأنزلت من أجلها الكتب وخلق الله من أجلها الثقلان الجن والإنس ، فقد دعا إليها أبونا آدم عليه السلام وسار عليها هو وذريته إلى عهد نوح ثم وقع الشرك في قوم نوح فأرسل الله إليهم نوحاً عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله ويقول لهم ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) (الأعراف 59).

وهكذا دعا هود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وغيرهم من الرسل أممهم إلى كلمة التوحيد والإخلاص لله تعالى وترك عبادة ما سواه ، وآخرهم وخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى قومه بهذه الكلمة فقال لهم: " يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " (قلت صححه شعيب أرناؤوط في تخريج سنن الدارقطني بلفظ:" يا أيُّها الناسُ، قولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، تُفلِحوا، ")فاستنكرها المشركون وقالوا{أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} (ص 5) ، لأنهم قد اعتادوا عبادة الأصنام والأوثان وغير ذلك فاستنكروا هذه الكلمة وسموا النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا ومجنونا بجهلهم وضلالهم وعنادهم وهم يعلمون أنه أصدق الناس وأعقلهم .

فكل من لم يحقق هذه الكلمة ويعرف معناها ويعمل بها فليس بمسلم ، فالمسلم هو الذي يوحد الله ويخصه بالعبادة دون كل ما سواه فيصلي له ويصوم له ويدعوه وحده ويستغيث به وينذر ويذبح له إلى غير ذلك من العبادات ، قال تعالى:{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } (الإسراء 23) ، يعني أمر وأوصى ألا تعبدوا إلا إياه وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي أنه لا معبود بحق إلا الله .

وكلمة التوحيد نفي وإثبات ، نفي للإلهية عن غير الله وإثباتها بحق لله وحده سبحانه وتعالى ، قال تعالى { ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل } (الحج 62 ).

ويجب إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له ، قال تعالى :{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } (البينة 5) ، وقال تعالى { فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون } (غافر 14) ، إلى غير ذلك من آيات كثيرات تدل على أنه سبحانه هو المستحق للعبادة .

ومعلوم أن عبادة غير الله موجودة فقد عُبدت الأصنام والأوثان من دون الله وعُبد فرعون من دون الله وعُبدت الملائكة من دون الله وكل ذلك قد وقع ولكنه باطل وهو خلاف الحق والمعبود بالحق هو الله سبحانه وتعالى .

والرسل جميعا من أولهم إلى آخرهم تبرءوا من عبادة غير الله ومن المعبودين من دون الله الذين رضوا بالعبادة لهم ودعوا إليها ولهذا قال سبحانه عن إبراهيم أنه قال لأبيه وقومه { إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } (الزخرف 28) ، وقال تعالى{ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده } (الممتحنة 4) ، فالله هو الذي فطر العباد وأوجدهم من العدم فهو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى .

وحقيقة كلمة التوحيد البراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها والإيمان بأن العبادة بحق لله وحده وهذا معنى قوله جل وعلا { فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } (البقرة 256) .

ومعنى {يكفر بالطاغوت} ينكر عبادة الطاغوت ويتبرأ منها .

والطاغوت اسم لكل ما عُبد من دون الله فكل معبود من دون الله يسمى طاغوتا، فالأصنام والأشجار والأحجار والكواكب المعبودة من دون الله كلها طواغيت وهكذا من عُبد وهو راضٍ كفرعون ونمرود وأشباههما يقال له طاغوت، وهكذا الشياطين طواغيت لأنهم يدعون إلى الشرك .

وأما من عُبد من دون الله ولم يرض بذلك كالأنبياء والصالحين والملائكة فهم ليسوا طواغيت لأنهم لم يرضوا بذلك وأنكروا عبادة غير الله وتبرءوا منها وبينوا أنها باطلة .

ومعنى قوله { ويؤمن بالله } يعني يؤمن بأن الله هو المعبود بالحق المستحق للعبادة وأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم رب كل شيء ومليكه العالم بكل شيء والقاهر فوق عباده وهو فوق العرش سبحانه وتعالى ، فلا يتم الإيمان ولا يصح إلا بالبراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها والإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى .

وكان الناس في عهد آدم ومن بعده إلى عشرة قرون كلهم على توحيد الله كما قال ابن عباس رضي الله عنهما ، ثم وقع الشرك في قوم نوح فعبدوا مع الله ودَّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، كما ذكر الله ذلك في سورة نوح فأرسل الله إليهم نوحا عليه السلام يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم عقابه فاستمروا في طغيانهم وكفرهم وضلالهم ولم يؤمن منهم إلا القليل فأهلكهم الله بالطوفان وهو الماء العام الذي ملأ الأرض وعلا فوق الجبال وأغرق الله به من كفر بالله وعصى رسوله نوح ولم ينج إلا من كان مع نوح في السفينة كما قال تعالى { فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها ءاية للعالمين } (العنكبوت 15) ، وهذا عقابهم في الدنيا ، ولهم عقاب آخر في الآخرة وهو العذاب في النار يوم القيامة نسأل الله العافية.

ثم جاءت عاد بعد ذلك وأرسل الله إليهم هوداً عليه السلام فسلكوا مسلك من قبلهم من قوم نوح في العناد والكفر بالله والضلال فأرسل الله عليهم الريح العقيم فأهلكهم عن آخرهم ولم ينج منهم إلا من آمن بهود وهم القليل .

ثم جاء بعدهم قوم صالح وهم ثمود فسلكوا مسلك من قبلهم من الأمتين أمة نوح وأمة هود فعصوا الرسل واستكبروا عن الحق فأخذهم الله بعقاب الصيحة والرجفة حتى هلكوا عن آخرهم ولم ينج منهم إلا من آمن بنبيه صالح عليه السلام .

ثم جاء بعدهم الأمم الأخرى أمة إبراهيم وأمة لوط وشعيب وأمة إسحاق ويعقوب ويوسف .

ثم جاء بعدهم موسى وهارون وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء كلهم دعوا الناس إلى توحيد الله ، قال الله تعالى: { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " (النحل 36) ، وقال تعالى :{ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (الأنبياء 25) .

وكل الأنبياء أدوا ما عليهم من البلاغ والبيان فقد بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة وبينوا لهم معنى هذه الكلمة " لا إله إلا الله " وبينوا أن الواجب إخلاص العبادة لله وحده وأنه هو المستحق للعبادة دون كل ما سواه ، وأن الأشجار والأحجار والأصنام والكواكب والجن والإنس وغيرهم من المخلوقات كلهم لا يصلحون للعبادة لأن العبادة يجب أن تصرف لله وحده .

وفرعون لما بغى وطغى وعاند موسى وخرج لقتله ساقه الله جل وعلا للبحر وأغرقه ومن معه في لحظة واحدة ، وهذا عذاب معجل وهو الغرق وبعده عذاب النار ، نسأل الله العافية والسلامة.

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى عبادة الله وبشر بالجنة من آمن وحذر بالنار من كفر فآمن من آمن وهم القليل في مكة ثم بسبب الأذى له ولأصحابه أمره الله بالهجرة إلى المدينة فهاجر إليها ومن آمن معه ممن استطاع الهجرة فصارت المدينة دار الهجرة .

كل ذلك من أجل كلمة لا إله إلا الله ، الرسل تدعو إليها ومحمد خاتمهم عليه الصلاة والسلام يدعو إلى ذلك ، يدعو إلى الإيمان بها واعتقاد معناها وتعطيل الآلهة التي عبدوها من دون الله وإنكارها وإخلاص العبادة لله وحده .

وبالله التوفيق

٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر