الدرس 167: باب الرهن 6

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 10 جمادى الآخرة 1439هـ | عدد الزيارات: 1200 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (ويقبل قولُ الراهن في قدر الدين) أي: لما حل الدين أتى الراهن بخمسة آلاف ريال، وقال للمرتهن: هذا دينك أعطني الرهن، فقال: الدين ليس بخمسة آلاف ريال، الدين عشرة آلاف ريال، فقال الراهن: بل هو خمسة آلاف ريال، يقول المؤلف (يقبل قول الراهن) وهذا مقيد بما إذا لم يكن للمرتهن بينة، أما إذا كان للمرتهن بينة، فالقول قول من شهدت له البينة

كذلك أيضا يقبل قول الراهن مع يمينه، فلا بد أن يحلف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) أخرجه البخاري

قوله (والرهن) إذا قال المرتهن: رهنتني شيئين، وقال الراهن: بل رهنتك شيئاً واحدا، فالقول قول الراهن، لأن الأصل عدم الزيادة

مثال ذلك: قال المرتهن: رهنتني البيت والسيارة، وقال الراهن، بل رهنتك السيارة فقط، فالقول قول الراهن، فيكون البيت طلقاً لا رهنا

قوله (ورده) أي: يقبل قول الراهن في رد الرهن، فلو ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن، وقال الراهن: لم ترده، فالقول قول الراهن، لأن الأصل عدم الرد، وبقاء ما كان على ما كان، والرهن الآن بيد المرتهن

فمن كان القول قوله فلا بد من اليمين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اليمين على من أنكر) أخرجه البيهقي، وقال الحافظ في البلوغ إسناده صحيح وأصله في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه)

قوله (وكونه عصيرا لا خمرا) يعني يقبل قول الراهن في كونه عصيرا لا خمرا، وهذا في عقد شُرط فيه الرهن، بأن قال المرتهن: بعتك هذه البضاعة على أن ترهنني هذا العصير، فأرهنه إياه، ثم رجع المرتهن وقال: إن العصير كان خمراً، فلا يصح الرهن، وللبائع الفسخ، والأصل السلامة وعدم التخمر، فالأصل عصير

فكلام المؤلف يحتاج إلى قيد، وهو عقد شرط فيه الرهن، فرهن عصيرا ثم ادعى المرتهن أنه كان خمراً من أجل أن يفسد الرهن، ثم يكون له الخيار في عقد البيع

قوله (وإن أقر أنه مُلك غيره) أقر: يعود على الراهن، فأقر أنه ملك غيره، قُبل على نفسه، ولم يُقبل على المرتهن، وهذا من الحكمة

مثاله: رجل رهن مزرعة لشخص استدان منه مليون ريال، ثم بعد أسبوع رجع الراهن وقال: المزرعة ليست لي، هي لفلان وهذا صك تملكه لها، فالقول قول الراهن من وجه، لا على حق المرتهن، فنقبل إقراره ولا نحكم بمقتضاه حتى ينفك الرهن، وتبقى المزرعة مرهونة، حتى ينفك الرهن، حتى لا يبطل حق المرتهن، لأنه حق سابق على هذا الإقرار فيقدم عليه، وهذا عين الحكمة

وإذا لم يوف الدين فيباع الرهن ويرجع المُقر له على الراهن الذي أتلفه، إذا بقي على إقراره أنه لغيره

قوله (أو أنه جنى) أي: الرهن

قوله (قُبل) الضمير يعود على إقرار الراهن

قوله (على نفسه) يقبل الرهن على نفسه لا على المرتهن

قوله (وحكم بإقراره بعد فكه) أي: بمقتضى إقراره بعد فكه

مثاله: رجل رهن عبدا، وبعد أن تم عقد الرهن قال: إن هذا العبد قد جنى على فلان، إما بالنفس أو بما دونها أو بالمال، والعبد إذا جنى تتعلق الجناية برقبته، فيقال لسيده: إما أن تسلم قيمة الجناية، وإما أن تسلم العبد في مقابلة الجناية، وإما أن تبيع العبد وتسلم ثمنه للمجني عليه

فهو أراد أن يبطل حق المرتهن بهذا الإقرار، وإقراره مقبول من جهة المجني عليه وهو أن العبد جنى عليه، ومن جهة حق المرتهن، غير مقبول، فيبقى العبد الآن رهنا، حتى ينفك الرهن ثم يُوفى المجني عليه حقه

قوله (إلا أن يصدقه المرتهن) أي: يصدق المرتهن الراهن في دعوى أنه ملك غيره أو أنه جنى، والمرتهن تقديره من الإعراب: فاعل، فإذا قال المرتهن: نعم هو ملك غيرك، حينئذ يبطل الرهن، لأن المرتهن أقر بأن الرهن غير صحيح، إذ أن الراهن رهن ما لا يملك

وكذلك إذا قال المرتهن: نعم العبد جنى، عندئذ الجناية مقتضاها تعلَّق برقبته، فلا بد أن يسلم العبد لسيده

قوله (فصل: وللمرتهن أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب بقدر نفقته) للمرتهن الذي له الدين أن ينتفع بما ذُكر أن يركب ما يركب ويحلب ما يحلب بقدر نفقته، فإذا كان الرهن مما يُركب من الحيوان من جمل أو فرس، فله أن يركبه بقدر النفقة، سواء ركبه في داخل البلد أو في سفر، بشرط ألا يكون عليه في السفر ضرر، وإلا فلا

فيقال مثلاً: هذا الخيل الذي يركبه المرتهن لو استأجره لمدة شهر، لكانت الأجرة ألف ريال، والنفقة قدرها ألف ريال، حينئذ تساوت النفقة والأجرة، فليس له شيء ولا عليه، لأنه ركب بقدر النفقة

وإذا كانت أجرته أكثر من النفقة، فعليه أن يدفع ما زاد عليها وإلا كان ظالماً للراهن

وإذا كان دينه قرضاً صار دينه قرضاً جر نفعاً

ولو كانت نفقته ألف وأجرته خمسمائة، فيرجع على الراهن بما زاد عليه، وكذلك يقال فيما يحلب كالشاة والبقرة

مثاله: إنسان رهن بقرة وصار المرتهن يحلبها، فله أن يحلبها بقدر النفقة، فإذا كان ثمن حليبها مائة في ثلاثة أيام، ونفقتها مائة في ثلاثة أيام، فلا له ولا عليه، وهكذا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الظهر يُركب بنفقته إذا كان مرهوناً، ولبن الدَّر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يَركب ويشرب النفقة) رواه البخاري

فالركوب والحلب يكون بقدر النفقة، لأن الحيوان يحتاج إلى نفقة في الطعام، والشراب، والظل، والتدفئة في أيام الشتاء، وما سوى ذلك، فليس للمرتهن أن ينتفع به أبداً، فلا يسكن الدار المرهونة، ولا يستعمل السيارة ولا يقرأ في الكتاب ولا يكتب بالقلم بل يبقيه لصاحبه، لأن الأصل في مال الغير أنه محترم لا يجوز الانتفاع به، ولأنه لا يحتاج إلى نفقة

قوله (بلا إذن) أي: بلا إذن من الراهن، اكتفاء بإذن الشارع، حيث قال صلى الله عليه وسلم (الظهر يُركب، ولبن الدر يُشرب) وإذن الشارع مقدم على كل إذن، فإذا لم يأذن به الشارع وأذن به المالك، فلا يُنفذ، لقول المؤلف (بلا إذن)

قوله (وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه لم يرجع وإن تعذر رجع) أي: إن أنفق المرتهن على الرهن بغير إذن الراهن

مثال ذلك: احتاج البيت المرهون إلى تعمير فعمره بأن أصلح باباً سقط، وعليه إن كان الراهن قد أذن له رجع عليه، بأن قال له: إن خرب شيء من البيت فأصلحه، فيرجع إليه، فإذا عمل ذلك صار وكيلاً فيرجع عليه، ويُقبل قوله بقدر ما أنفق بيمينه، إلا أن يدعي شيئاً يكذبه الحس فلا، فإذا قال: أنفقت على كل باب تسعمائة ريال، والنفقة المعتادة مائة ريال في مثل هذا العمل، فلا يُقبل قوله، وإن كان شيئاً قريباً فيقبل قوله بيمينه

وإذا أنفق بنية الرجوع رجع

وإذا أنفق بنية التبرع لم يرجع

وإذا أنفق ولم ينو لا رجوعاً ولا تبرعاً يرجع على ما قاله الماتن، لأن الأصل أن ما أنفقه على ملك غيره فله الرجوع، إلا إذا عارض ذلك نية التبرع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

09-06-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة