الدرس 65 باب الشفاعة 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 5 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1705 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد


قوله :" باب الشفاعة " أي بيان ما أثبته القرآن منها وما نفاه ، وحقيقة ما دلَّ القرآن على إثباته . والشفاعة نوعان:

شفاعة منفية في القرآن ، وهي الشفاعة للكافر والمشرك ، قال تعالى : من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة " البقرة 254 ، وقال تعالى " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " المدثر 48 ، وقال " واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولاهم ينصرون " البقرة 48.

النوع الثاني : الشفاعة التي أثبتها القرآن ، وهي خالصة لأهل الإخلاص ، وقيَّدها تعالى بأمرين :

الأول : إذنه للشافع أن يشفع ، قال تعالى : " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " .(البقرة 255 )

الأمر الثاني : رضاه عمَّن أذن للشافع أن يشفع له ، قال تعالى " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " (الأنبياء 28)، فالإذن بالشفاعة له بعد الرضا،

و الشفاعة يقصد بها أمران :
الأمر الأول : إكرام الشافع
الأمر الثاني : نفع المشفوع له
والشفاعة لغة: اسم من شفع يشفع، إذا جعل الشيء اثنين، والشفع ضد الوتر، قال تعالى:" وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ " (الفجر3)

واصطلاحا: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة

مثال جلب المنفعة: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة بدخولها
مثال دفع المضرة: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن استحق النار أن لا يدخلها
وذكر الشيخ المصنف رحمه الله في هذا الباب عدة آيات .
الآية الأولى: قوله تعالى " وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ" (الأنعام 51)

الإنذار: هو الإعلام المتضمن للتخويف، أما مجرد الخبر: فليس بإنذار، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والضمير في "به" يعود للقرآن

قوله يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا ، أي يخافون مما يقع لهم من سوء العذاب في ذلك الحشر

والحشر الجمع، فمعنى يحشرون أي يجمعون حتى ينتهوا إلى الله
قوله لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ "وليٌّ" أي: ناصر ينصرهم "وَلا شَفِيعٌ"

أي: شافع يتوسط لهم، وهذا محل الشاهد

ففي هذه الآية نفي الشفاعة من دون الله أي من دون إذنه، ومفهومها أنها ثابتة بإذنه، وهذا هو المقصود

الشفاعة من دونه مستحيلة، وبإذنه جائزة وممكنة

أما عند الملوك فجائزة بإذنهم وبغير إذنهم، فيمكن لمن كان قريبا من السلطان أن يشفع بدون أن يستأذن

الآية الثانية: قوله تعالى قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً (الزمر 44)

قوله لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ مبتدأ وخبر، وقدم الخبر للحصر.

والمعنى: لله وحده الشفاعة كلها، لا يوجد شيء منها خارج عن إذن الله وإرادته فأفادت الآية في قوله : "جميعا " أن هناك أنواعا للشفاعة
وقد قسم أهل العلم رحمهم الله الشفاعة إلى قسمين رئيسيين، هما :
القسم الأول: الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم وهي أنواع
النوع الأول: الشفاعة العظمى، وهي من المقام المحمود الذي وعده الله فإن الناس يلحقهم يوم القيامة في ذلك الموقف العظيم من الغم والكرب ما لا يطيقون، " فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلَا تَرَوْنَ إلى ما أَنْتُمْ فِيهِ، إلى ما بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ إلى مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ، فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَأْتُونَهُ فيَقولونَ: يا آدَمُ أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى ما نَحْنُ فيه وما بَلَغَنَا؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، ونَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَما تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ، أَلَا تَرَى إلى ما بَلَغَنَا، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَأْتُونِي فأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فيُقَالُ يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَهْ ." أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة .

الثاني : شفاعته صلى الله عليه وسلم لدخول المؤمنين الجنة :

ويشير إلى ذلك قوله تعالى حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (الزمر 73)

فقال "وفتحت " فهناك شيء محذوف، أي وحصل ما حصل من الشفاعة، وفتحت الأبواب،

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :آتي بابَ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ فأسْتفْتِحُ، فيَقولُ الخازِنُ: مَن أنْتَ؟ فأقُولُ: مُحَمَّدٌ، فيَقولُ: بكَ أُمِرْتُ لا أفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ.أخرجه مسلم

أما النار فقال فيها حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (الزمر 71)

الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب أن يخفف عنه العذاب وهذه مستثناة من قوله تعالى فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (المدثر 48)

وقوله تعالى يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (طه 109)

وذلك لما كان لأبي طالب من نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم ودفاع عنه، وهو لم يخرج من النار، لكن خفف عنه حتى صار والعياذ بالله في ضحضاح من نار، يقول العباس بن عبد المطلب :" يَا رَسولَ اللَّهِ، هلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بشيءٍ، فإنَّه كانَ يَحُوطُكَ ويَغْضَبُ لَكَ؟ قالَ: نَعَمْ، هو في ضَحْضَاحٍ مِن نَارٍ، لَوْلَا أنَا لَكانَ في الدَّرَكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ." أخرجه البخاري ، وهذه الشفاعة خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم لا أحد يشفع في كافر أبدا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم تقبل الشفاعة كاملة، وإنما هي تخفيف فقط
القسم الثاني: الشفاعة العامة له صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين

وهي أنواع
النوع الأول: الشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وهذه قد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما مِن رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ علَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لا يُشْرِكُونَ باللَّهِ شيئًا، إلَّا شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ" أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عباس


النوع الثاني: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين، وهذه تؤخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال صلى الله عليه وسلم في أبي سلمة " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يا رَبَّ العَالَمِينَ، وَافْسَحْ له في قَبْرِهِ، وَنَوِّرْ له فِيهِ.[وفي رواية]: نَحْوَهُ، غيرَ أنَّهُ قالَ: وَاخْلُفْهُ في تَرِكَتِهِ، وَقالَ: اللَّهُمَّ أَوْسِعْ له في قَبْرِهِ، وَلَمْ يَقُلْ: افْسَحْ له. " من حديث أم سلمه الذي رواه مسلم

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-3-4هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر