الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
قوله : "باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه .
" مَن " هنا للتبعيض أي أن هذا بعض الشرك ، وليس كل الشرك .
والشرك اسم جنس يشمل الأصغر والأكبر، ولبس هذه الأشياء قد يكون أصغر وقد يكون أكبر بحسب اعتقاد لابسها ، ولبس هذه الأشياء من الشرك؛ لأن كل من أثبت سببا لم يجعله الله سببا شرعيا ولا قدريا فقد جعل نفسه شريكا مع الله .
فمثلا قراءة الفاتحة سبب شرعي للشفاء ، وأكل المسهل سبب حسي لانطلاق البطن، وهو قدري، لأنه يعلم بالتجارب .
قوله " لبس الحلقة والخيط " الحلقة من حديد أو ذهب أو فضة أو ما أشبه ذلك، والخيط معروف .
قوله "ونحوهما" كالمرصعات، وكمن يصنع شكلا معينا من نحاس أو غيره لدفع البلاء، أو يعلق على نفسه شيئا من الخرز.
قوله " لرفع البلاء أو دفعه " الفرق بينهما أن الرفع بعد نزول البلاء، والدفع قبل نزول البلاء.ومن هنا ابتدأ المصنف في تفسير التوحيد ، وشهادة أن لا إله إلا الله، بذكر شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك الأكبر والأصغر، فإن الضد لا يعرف إلا بضده، فمن لا يعرف الشرك لا يعرف التوحيد.
قول المصنف:" وقول الله تعالى " قل أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ " الزمر 38 .
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين " أفرأيتم " أي أخبروني عن "مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ"،أي تعبدونهم وتسألونهم : من الأنداد والأصنام والآلهة المسميات بأسماء الإناث ."إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ".بمرض ، أو فقر، أو بلاء ، أو شدة."هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ "أي لا يقدرون على ذلك أصلا."أوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ " أي بصحة وخير وكشف بلاء."هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ" الاستفهام يراد به النفي ، أي: هذه الآلهة التي تدعون من دون الله لا تستطيع شيئا من الأمر، قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا، لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها ، وإنما كاوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند الله، لا لأنهم يكشفون الضر ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحد.
وبالله التوفيق
24 - 2 - 1434هـ