الدرس الرابع والثلاثون باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 23 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 1920 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قول المصنف:" وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " مَن قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مَن دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ ، وَحِسَابُهُ علَى اللَّهِ ".

المراد بقول المصنف:"وفي الصحيح" أي صحيح مسلم. عن أبي مالك عن أبيه طارق الأشجعي ، وأبو مالك : اسمه سعد بن طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، تابعي كوفي ثقة ، وأبوه طارق بن أشيم صحابي له أحاديث ، قال مسلم:"لم يرو عنه غير ابنه" ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأهل السنن الأربعة، مات في حدود سنة أربعين ومائة.

قوله صلى الله عليه وسلم :" مَن قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " أي لا معبود بحقٍّ إلا الله .
قوله صلى الله عليه وسلم " وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مَن دُونِ اللهِ " أي أنكر عبادة غير الله، وكفر بها، واعتقد بطلانها.

قوله صلى الله عليه وسلم :"حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ "، يعني صار مسلما يحرم ماله ودمه، ويلزمه القيام بشرائع الإسلام.

قوله:"وَحِسَابُهُ علَى اللَّهِ"، أي إلى الله تبارك وتعالى، هو الذي يتولى حسابه، فإن كان صادقا في إيمانه وتوحيده صار سعيدا في الدنيا والآخرة، وله الجنة إذا أدَّى حق الله، وأدَّى ما يلزمه من حق : لا إله إلا الله،ولا بدَّ مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قال ذلك نفاقا ورياءً لا عن إيمان فإنه يكون له حكم المنافقين، ويكون في الدرك الأسفل من النار.

قول المصنف:"وشرح هذه الترجمة وما بعدها من الأبواب"، يعني أن ما يأتي بعد هذه الترجمة من الأبواب شرح للتوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله أن لا يعبد إلا الله ، ولا يعتقد النفع والضر إلا من الله ، وأن يكفر بما يعبد من دون الله، وما بعد هذا من الأبواب بيان لأنواع من العبادات والاعتقادات التي يجب إخلاصها لله تعالى.

قول المصنف:"فيه مسائل".

" فيه أكبر المسائل وأهمها، وهي تفسير التوحيد وتفسير الشهادة، وبينها بأمور واضحة، منها آية الإسراء، بين فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر "

قوله:"فيه أكبر المسائل وأهمها، وهي تفسير التوحيد"، وتفسير التوحيد لا بد فيه من أمرين: الأول : نفي ألوهية سوى الله:

الثاني: إثبات الألوهية لله وحده.

قوله:"وتفسير الشهادة"، وهي التعبير عما تيقنه الإنسان بقلبه.

قوله:"منها آية الإسراء"، وهي قوله تعالى :" أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا" (الإسراء 57)،" بَيَّنَ فيها الردَّ على المشركين الذين يدْعون الصالحين، ففيها بيانُ أن هذا هو الشركُ الأكبرُ"؛ لأن الدعاء من العبادة ، قال تعالى :"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ "(غافر 60)،

يقول المصنف:" ومنها آية (براءة) بَيَّنَ فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله"، وهذا شرك الطاعة ، وهو بتوحيد الربوبية ألصق من توحيد الألوهية، لأن الحكم شرعيا كان أو كونيا إلى الله تعالى، فهو من تمام ربوبيته .

قوله:"وبين بأنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلهًا واحدا مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية لا دعاؤهم إياهم".

المصنف رحمه الله جعل شرك الطاعة من الشرك الأكبر، وسنفصل ذلك لاحقا في بابه.

قوله:"ومنها قول الخليل عليه السلام للكفار:(إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ )"(الزخرف 26، 27) ، فاستثنى من المعبودين ربَّه".

فدل هذا على أن التوحيد لا بد فيه من نفي وإثبات البراءة مما سوى الله وإخلاص العبادة لله وحده.

قوله:"وذكر سبحانه أن هذه البراءة، وهذه الموالاة من تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:28] "

وهي : لا إله إلا الله، فكان معنى القول:"إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي" هو معنى قول: لا إله إلا الله .

قوله:"ومنها آية البقرة في الكفار الذي قال الله فيهم " وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" (البقرة 167)

فجعل الله المحبة شركا إذا أحب شيئا سوى الله كمحبة الله، فيكون مشركا مع الله في المحبة.

قوله :"ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حبا عظيما ولم يدخلهم في الإسلام فكيف بمن احبَّ الندَّ أكبر من حب الله! ، وكيف بمن لم يحب إلا الندَّ وحدَه ولم يحب الله!"

فالأقسام أربعة :

الأول: أن يحب الله حبا أشد من غيره ، فهذا هو التوحيد.

الثاني: أن يحب غير الله كمحبة الله، وهذا شرك.

الثالث: أن يحب غير الله أشد حبا من الله، وهذا أعظم مما قبله.

الرابع أن يحب غير الله وليس في قلبه محبة لله تعالى، وهذا أعظم.

قوله :" ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :"مَن قالَ: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مَن دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ ، وَحِسَابُهُ علَى اللَّهِ ".

لابد من الكفر بالطاغوت ، والإيمان بالله قال تعالى :"فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ".(البقرة 256)

وقوله:"وَكَفَرَ بما يُعْبَدُ مَن دُونِ اللهِ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ ، وَحِسَابُهُ علَى اللَّهِ"أي كفر بالأصنام، وأنكر أن تكون عبادتها حقا.

وقوله: "وهذا من أعظم ما يبين معنى : لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك، أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها! ويا له من بيان ما أوضحه! وحجة ما أقطعها للمنازع!.".

ومراده أنه لا يكفي أن يقول : لا إله إلا الله ، ولا أعبد صنما، بل لا بد أن يقول: الأصنام التي تعبد من دون الله أكفر بها وبعبادتها، إن عبادتها ليست بحق، وإلا كان مقرا بالكفر،

وبالله التوفيق

23 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر