الدرس الثالث والثلاثون باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 23 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 1927 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

قول المصنف:" وقوله: " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " (التوبة 31) .يُبَيِّنُ بهذا أن هذا الشرك ضد التوحيد، وأن التوحيد أن لا يتخذَ مع الله لا حَبْرٌ، ولا راهبٌ ولا غير ذلك من مَلَك أو نبي أو صالح ، بل يجب ان يعبد الله وحدَه دونَ كل ما سواه جلَّ وعلا.
فهؤلاء اليهود والنصارى جعلوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا . والأحبار: جمع حَبْر، وهو العالم .

قوله تعالى : " ورهبانهم " أي عبادهم .
وقوله: " أربابا " جمع رب، أي يجعلونهم أربابا من دون الله .
فجعلوا الأحبار أربابا لأنهم يأتمرون بأمرهم في مخالفة أمر الله، فيطيعونهم في معصية الله ، وجعلوا الرهبان أربابا باتخاذهم أولياء يعبدونهم من دون الله .
قوله: " من دون الله " أي من غير الله.

فعن عدي بن حاتم الطائي قال : أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وفي عنقي صليبٌ من ذَهبٍ. فقالَ يا عديُّ اطرح عنْكَ هذا الوثَنَ وسمعتُهُ يقرأُ في سورةِ براءةٌ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ أما إنَّهم لم يَكونوا يعبدونَهم ولَكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لَهم شيئًا استحلُّوهُ وإذا حرَّموا عليْهم شيئًا حرَّموه " رواه الترمذي وحسنه الألباني

فصارت طاعتهم في المعصية عبادةً لغير الله ، وبها اتخذوهم أرباباً، وهذا من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد، والتوحيدُ هو اتباع الشرع، وطاعة الله ورسوله، وتحليل ما أحلَّ اللهُ، وتحريمُ ما حرَّمَ اللهُ، والامتثالُ لشرع الله، وتخصيص الله بالعباده دون كل ما سواه.

قوله:" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" ، فجعل عملهم شركا وضلالا وكفرا.
قول المصنف:" وقوله:"وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " (البقرة 165) ، هذا أيضا من باب تمثيل التوحيد بضده وهو الشرك، فإن بعض الناس يتخذ الأنداد من الأنبياء والصالحين والأصنام يعبدهم ويعظمهم ويدعوهم ويستغيث بهم ويحبهم حبا خاصا يقتضي عبادتهم من دون الله، هذا هو الشرك الأكبر، وتخصيص الله بالعباده دون كل ما سواه هذا هو التوحيد، والله يذم هؤلاء المشركين الذين يتخذون الأنداد يحبونهم كحب الله، فهو يذمهم ويعيبهم ويتوعدهم بالنار.
فقوله " ومن الناس " (من) للتبعيض

وقوله " يتخذ " جاءت بالإفراد مراعاة للفظ "مَنْ"


وقوله " أندادا " جمع نِد، وهو الشبيه والنظير.
وقوله "يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ" جاءت بالجمع مراعاة للمعنى ، ووجه المشابهة الندية في المحبة فيحبونهم كحب الله ، أي يجعلون محبة الأصنام مساوية لمحبة الله، فيكون في قلوبهم محبة لله ومحبة للأصنام، ويجعلون محبة الأصنام كمحبة الله فيكون المصدر مضافا إلى مفعوله أي يحبون الأصنام كحبهم الله .
وقوله وَالَّذِينَ ءامَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ معناها والذين آمنوا أشد حبا لله من هؤلاء لله، لأن محبة المؤمنين خالصة، ومحبة هؤلاء فيها شرك بين الله وبين أصنامهم.

ومراده أن معنى التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، هو إفراد الله بأصل الحب الذي يستلزم إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وعلى قدر التفاضل في هذا الأصل وما ينبني عليه من الأعمال الصالحة يكون تفاضل الإيمان، والجزاءُ عليه في الآخره، فمن أشرك بالله تعالى في ذلك فهو المشرك.

وبالله التوفيق

23 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر