الدرس الرابع والعشرون باب الخوف من الشرك 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 18 صفر 1434هـ | عدد الزيارات: 1992 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد:

قول المصنف:" وفي الحديث:"أَخْوَفُ ما أَخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ، "فَسُئِل عنه فقال:"الرِّياءُ، ".

هكذا أورد المصنف هذا الحديث مختصرا غير معزو، وقد ذكره الإمام أحمد في مسنده وصححه شعيب الأرنؤوط ، وقد جاء بلفظ :" إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ، قالوا: وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ؛."، وراوي الحديث هو محمود بن لَبيد بن عُقْبة بن رافع بن امرئ القيس الأنصاري الأوسي الأشهلي، وُلد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، . وأمُّه أمّ منظور بنت محمود بن مَسْلَمة بن سلَمة بن خالد بن عديّ من بني حارثة من الأوس.، كان له عقب فانقرضوا فلم يبقَ منهم أحد. .توفي ابن لبيد في سنة 96 هـ وله تسع وتسعون سنة.

قوله صلى الله عليه وسلم:" أَخْوَفُ ما أَخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ " أي أشد ما أخاف عليكم ، وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم لأمته وشفقته عليهم، وتحذيره مما يخاف عليهم، فإنه ما من خير إلا دلَّهم عليه وأمرهم به، وما من شرٍ إلا وأخبرهم به وحذَّرهم عنه، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاف على أصحابه الذين وحدوا الله في العبادة فهاجروا وجاهدوا من كفر به ، وعرفوا ما دعاهم إليه نبيهم وما أنزل اللله في كتابه من الإخلاص والبراءة من الشرك ، فكيف لا يخاف من لا نسبة له إليهم في علم ولا عمل ما هو أكبر من ذلك؟!.

قوله " الرياء " مشتق من الرؤية مصدر راءى يرائي والمصدر رياء كقاتل يقاتل قتالا ،والرياء أن يعبد اللهَ ليراه الناسُ فيمدحوه على كونه عابدا، وينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
الأول : أن يكون في أصل العبادة أي ما قام يتعبد إلا للرياء فهذا عمله باطل مـردود عليه لحديث أبي هريرة مرفوعا " قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ. " رواه مسلم عن أبي هريرة.

الثاني : أن يكون الرياء طارئا على العبادة أي أن أصل العبادة لله لكن طرأ عليها الرياء فهذا ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول: أن يدافعه فهذا لا يضره ، ومثاله : رجل صلى ركعة ثم جاء أناس في الركعة الثانية فحصل في قلبه شيء بأن أطال الركوع أو السجود أو تباكى وما أشبه ذلك فإن دافعه فإنه لا يضره لأنه قام بالمجاهدة .
القسم الثاني: أن يسترسل معه فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل كما لو أطال القيام أو الركوع أو السجود أو تباكى فهذا كل عمله حابط. وإذا كان آخر العبادة مبنيا على أولها بحيث لا يصح أولها مع فساد آخرها فهذه كلها فاسدة وذلك مثل الصلاة فالصلاة مثلا لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها وحينئذ تبطل الصلاة كلها إذا طرأ الرياء في أثنائها ولم يدافعه . وإذا كان أول العبادة منفصلا عن آخرها بحيث يصح أولها دون آخرها فما سبق الرياء فهو صحيح وما كان بعده فهو باطل ، مثال ذلك رجل عنده مئة ريال فتصدق بخمسين بنية خالصة ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء فالأولى مقبولة والثانية غير مقبولة لأن آخرها منفك عن أولها .وهذا يوجب الحذر من الرياء في الصلاة والصدقة وفي غير ذلك .وجاء له شواهد وكلها تدل على وجوب الحذر من الشرك الأصغر وهو الرياء وأنه خطير؛ ولهذا خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ويبتلى به الصلحاء فقد يرائي بعبادته أو بقراءته أو بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ويقع في هذا في الأغلب من ينتسب للصلاح، وفي الحديث :"مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ. " رواه مسلم عن جندب بن عبد الله.

وبالله التوفيق

18 - 2 - 1434هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر