تفسير سورة السجدة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 15 جمادى الأولى 1439هـ | عدد الزيارات: 1417 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

سورة السجدة مكية وآياتها 30

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر يوم الجمعة: (الم * تنـزيل) السجدة، و (هل أتى على الإنسان)

بسم الله الرحمن الرحيم

الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (2) أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (3)

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة بما أغنى عن إعادته

وقوله: (تنـزيل الكتاب لا ريب فيه) أي: لا شك فيه ولا مرية أنه نـزل (من رب العالمين)

ثم قال مخبرا عن المشركين: (أم يقولون افتراه)، بل يقولون: (افتراه) أي: اختلقه من تلقاء نفسه، (بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون) أي يتبعون الحق .

الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون (4) يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون (5) ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم (6)

يخبر تعالى أنه الخالق للأشياء، فخلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة مع قدرته على خلقها بلحظة، ولكنه تعالى رفيق حكيم (ثم استوى على العرش) الذي هو سقف المخلوقات، استواء يليق بجلاله .

(ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) بل هو المالك للأمور، الخالق لكل شيء، المدبر لكل شيء، القادر على كل شيء، فلا ولي لخلقه سواه، ولا شفيع إلا من بعد إذنه .

(أفلا تتذكرون) يعني: أيها العابدون غيره، المتوكلون على من عداه تعالى وتقدس وتنـزه أن يكون له نظير أو شريك أو نديد، أو وزير أو عديل، لا إله إلا هو ولا رب سواه، أفلا تتعظون بما تسمعون، فتؤمنوا وتوحدوا .

وقوله: (يدبر الأمر) القدري والشرعي المتفرد بتدبيره، نازلة تلك التدابير من عند الملك القدير (من السماء إلى الأرض) فيُسعد بها ويشقي ويغني ويفقر ويعز ويذل ويكرم ويهين ويرفع أقواما ويضع آخرين وينزل الأرزاق (ثم يعرج إليه) أي: الأمر ينزل من عنده، ويعرج إليه (في يوم كان مقدره ألف سنة مما تعدون) يدبر الله تعالى أمر المخلوقات من السماء إلى الأرض ثم يصعد ذلك الأمر والتدبير إلى الله في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي تعدونها، حيث أن الإنسان يحتاج إلى مسيرة خمسمائة عام ليصعد من الأرض إلى السماء الدنيا، وخمسائة أخرى في نزوله، فيحتاج إلى ألف سنة في صعوده ونزوله، غير أن الملك من الملائكة يقطعها في يوم .

(ذلك عالم الغيب والشهادة) أي: المدبر لهذه الأمور الذي هو شهيد على أعمال عباده، يُرفع إليه جليلها وحقيرها، وصغيرها وكبيرها - هو (العزيز) الذي قد عز كل شيء فقهره وغلبه، ودانت له العباد والرقاب، (الرحيم) بعباده المؤمنين فهو عزيز في رحمته، رحيم في عزته، وهذا هو الكمال: العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة، فهو رحيم بلا ذل .

الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7) ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين (8) ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون (9)

يقول تعالى : إنه الذي أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها

ثم لمَّا ذكر خلق السماوات والأرض، شرع في ذكر خلق الإنسان فقال: (وبدأ خلق الإنسان من طين) يعني: خلق أبا البشر آدم من طين .

(ثم جعل نسله) أي: ذرية آدم ناشئة (من سلالة من ماء مهين) أي: يتناسلون كذلك من نطفة ضعيفة رقيقة تخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة .

(ثم سواه) بلحمه وأعضائه وأعصابه وعروقه وأحسن خلقته ووضع كل عضو منه بالمحل الذي لا يليق به غيره (ونفخ فيه من روحه) بأن أرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح فيعود بأذن الله إنسانا بعد أن كان جمادا (وجعل لكم السمع والأبصار) أي: ما زال يعطيكم المنافع شيئا فشيئا، حتى أعطاكم نعمة السمع والأبصار تميزون بها بين الأصوات والألوان والذوات والأشخاص (والأفئدة) يعني: العقول تميزون بين الخير والشر والنافع والضار، (قليلا ما تشكرون) ربكم على ما أنعم به عليكم بهذه القوى التي رزقكموها الله عز وجل فالسعيد من استعملها في طاعة ربه عز وجل .

وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون (10) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون (11)

يقول تعالى مخبرا عن المشركين في استبعادهم المعاد حيث قالوا: (أئذا ضللنا في الأرض) أي: تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت، (أئنا لفي خلق جديد) أي: أئنا لنعود بعد تلك الحال؟! يستبعدون ذلك، وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرتهم العاجزة، لا بالنسبة إلى قدرة الذي بدأهم وخلقهم من العدم، الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، ولهذا قال: (بل هم بلقاء ربهم كافرون) .

ثم قال: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُكِّل بكم) أي: جعله الله وكيلا على قبض الأرواح وله أعوان .

وقوله: (ثم إلى ربكم ترجعون) أي: يوم معادكم وقيامكم من قبوركم لجزائكم .

ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون (12) ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (13) فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون (14)

يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة، وحالهم حين عاينوا البعث، وقاموا بين يدي الله حقيرين ذليلين، ناكسي رءوسهم، أي: من الحياء والخجل، يقولون: (ربنا أبصرنا وسمعنا) أي: نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك ، (فارجعنا) أي: إلى الدار الدنيا، (نعمل صالحا إنا موقنون) أي: قد أيقنا وتحققنا أن وعدك حق ولقاءك حق، وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى الدار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفارا يكذبون آيات الله ويخالفون رسله .

ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولو شئنا لآتينا هؤلاء المشركين بالله رشدهم وتوفيقهم للإيمان ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ولكن حق القول منّي ووجب لأملأنَّ جهنم من أهل الكفر والمعاصي من صنفي الجن والإنس أجمعين ، وذلك لاختيارهم الضلالة على الهدى .

(فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) أي: يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له، إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له، (إنا نسيناكم) أي: سنعاملكم معاملة الناسي، لأنه تعالى لا ينسى شيئا ولا يضل عنه شيء ، بل من باب المقابلة .

وقوله: (وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) أي: بسبب كفركم وتكذيبكم .

إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون (15) تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون (16) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون (17)

يقول تعالى: (إنما يؤمن بآياتنا) أي: إنما يصدق بها (الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا) الذين إذا وعظوا بها سجدوا لربهم مطيعين (وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) سبحوا الله في سجودهم بحمده وهم لا يستكبرون عن السجود والتسبيح له وعبادته وحده لا شريك له .

ثم قال تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) أي: ترتفع جنوبهم عن مضاجعها اللذيذة إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم وهو الصلاة في الليل ومناجاة الله تعالى .

(يدعون ربهم خوفا وطمعا) أي: خوفا من وبال عقابه، وطمعا في جزيل ثوابه، (ومما رزقناهم ينفقون)، فيجمعون بين فعل القربات اللازمة والمتعدية، ومقدم هؤلاء وسيدهم وفخرهم في الدنيا والآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وقوله: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا، فإن الجزاء من جنس العمل .

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة: فاقرءوا إن شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).

روى مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم (من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه).

أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون (18) أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نـزلا بما كانوا يعملون (19) وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون (20) ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون (21) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون (22)

يخبر تعالى عن عدله أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمنا بآياته متبعا لرسله، قد عمر قلبه بالإيمان، وانقادت جوارحه لشرائعه، بمن كان فاسقا، أي: خارجا عن طاعة ربه مكذبا لرسله، قد خرُب عقله وتعطل من الإيمان، فلم يكن فيه وازع ديني، فأسرعت عنه جوارحه بموجبات الجهل والظلم في كل إثم ومعصية .

أفيستوي هذان الشخصان !

(لا يستوون) عقلا وشرعا، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة .

(أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) أي: صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا بمقتضاها، وهي الصالحات (فلهم جنات المأوى) أي: التي فيها المساكن والدور والغرف العالية (نـزلا) أي: ضيافة وكرامة (بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا) أي: خرجوا عن الطاعة، (فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) أي: يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا .وقوله: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) ولنذيقن هؤلاء الفاسقين المكذبين من العذاب الأدنى من البلاء والمحن والمصائب في الدنيا قبل العذاب الأكبر يوم القيامة، حيث يعذبون في نار جهنم لعلهم يرجعون ويتوبون من ذنوبهم .وقوله: (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها) أي: لا أحد أظلم وأزيد تعديا ممن ذكر بآيات ربه التي أوصلها إليه ربه الذي يريد تربيته وتكميل نعمته على أيدي رسله تأمره وتذكره بمصالحه الدينية والدنيوية، وتنهاه عن مضاره الدينية والدنيوية التي تقتضي أن يقابلها بالإيمان والتسليم والانقياد والشكر، فقابلها هذاالظالم بضد ما ينبغي، فلم يؤمن بها ولا اتبعها، بل أعرض عنها، فهذا من أكبر المجرمين الذين يستحقون أشد النقمة .ولهذا قال تعالى متهددا لمن فعل ذلك: (إنا من المجرمين منتقمون) أي: سينتقم الله ممن فعل ذلك أشد الانتقام.

ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل (23) وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (24) إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (25)

يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله موسى، عليه السلام، أنه آتاه الكتاب وهو التوراة

وقوله: (فلا تكن في مرية من لقائه) لأنه قد تواردت أدلة الحق وبيناته، فلم يبق للشك والمرية محل (وجعلناه) أي: الكتاب الذي آتيناه موسى (هدى لبني إسرائيل) يهتدون به في أصول دينهم وشرائعه موافقة لذلك الزمان في بني إسرائيل .

وقوله: (وجعلنا منهم) أي: من بني إسرائيل (أئمة يهدون بأمرنا) أي: علماء بالشرع وطرق الهداية مهتدين في أنفسهم يهدون غيرهم بذلك الهدى، فالكتاب الذي أنزل إليهم هدى، والمؤمنون به منهم على قسمين، أئمة يهدون بأمر الله، وأتباع مهتدون بهم والقسم الأول أرفع الدرجات بعد درجة النبوة والرسالة وهي درجة الصديقين، وإنما نالوا هذه الدرجة العالية (لما صبروا) على التعلم والتعليم والدعوة إلى الله والأذى في سبيله وكفوا نفوسهم عن جماحها في المعاصي واسترسالها في الشهوات (وكانوا بآياتنا يوقنون) أي: وصلوا في الإيمان بآيات الله إلى درجة اليقين، وهو العلم التام الموجب للعمل، وإنما وصلوا لدرجة اليقين لأنهم تعلموا علما صحيحا، وأخذوا المسائل عن أدلتها المفيدة لليقين، فمازلوا يتعلمون المسائل ويستدلون عليها بكثرة الدلائل حتى وصلوا لذلك، فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين .

(إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) مسائل اختلف فيها بنو إسرائيل، منهم من أصاب فيها الحق، ومنهم من أخطأه خطأ أو عمدا من الاعتقادات والأعمال .

أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون (26) أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون (27)

يقول تعالى: أولم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية، بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاؤوهم به من قويم السبل، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر ؟ ولهذا قال: (يمشون في مساكنهم) أي: وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولئك المكذبين فلا يرون فيها أحدا ممن كان يسكنها ويعمرها ولهذا قال : (إن في ذلك لآيات) أي: إن في ذهاب أولئك القوم ودمارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل، ونجاة من آمن بهم، لآيات وعبرا ومواعظ ودلائل متظاهرة (أفلا يسمعون) أي: أخبار من تقدم، كيف كان أمرهم ؟

وقوله: (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز) : يبين تعالى لطفه بخلقه، وإحسانه إليهم في إرساله الماء إما من السحاب أو من الأنهار، وهو: ما تحمله الأنهار وينحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته، ولهذا قال: (إلى الأرض الجرز)، وهي التي لا نبات فيها .

ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين(28)قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون (29) فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون(30)

يقول تعالى مخبرا عن استعجال الكفار وقوع بأس الله بهم، وحلول غضبه ونقمته عليهم، استبعادا وتكذيبا وعنادا: (ويقولون متى هذا الفتح) ؟ أي: متى تنصر علينا يا محمد؟ كما تزعم أن لك وقتا تدال علينا، وينتقم لك منا، فمتى يكون هذا؟! (إن كنتم صادقين) في دعواكم .

قال الله تعالى: (قل يوم الفتح) أي: إذا حل بكم بأس الله وسخطه وغضبه انقضى الأمر ولم يبق للمحنة والابتلاء محل إذ (لا ينفع الذين كفروا إيمانهم) لأنه صار إيمان ضرورة (ولا هم ينظرون) أي: يمهلون ويؤخر عنهم العذاب فيستدركون أمرهم، ثم قال: (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) أي: أعرض عن هؤلاء المشركين (وانتظر) الأمر الذي يحل بهم، فإنه لا بد منه، ولكن له أجل، فإذا جاء لا يتقدم ولا يتأخر (إنهم منتظرون) متربصون بكم دوائر السوء، فسيخزيهم الله ويذلهم وينصرك عليهم، وقد فعل، فله الحمد والمنة .

تم تفسير سورة السجدة ، ولله الحمد والمنَّة .

14 - 5 - 1439هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر