{لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)}
قوله تعالى:(لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ) أجابوا لربهم فأطاعوه (الحسنى) الجنة (والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) أي: لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداء من النار (أولئك لهم سوء الحساب) أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له منه شيءٌ (ومأواهم جهنم) ومرجعهم في الآخرة (وبئس المهاد) ، أي : قبح ما مهد لهم.
{۞ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) }
قوله تعالى : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ) فيؤمن به ويعمل بما فيه ( كمن هو أعمى ) عنه لا يعلمه ولا يعمل به فلا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصره ولا يتبعه .
( إنما يتذكر ) يتعظ ( أولو الألباب ) ذوو العقول السليمة .
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}
قوله:( الذين يوفون بعهد الله) بما أمرهم الله تعالى به وفرضه عليهم فلا يخالفونه (ولا ينقضون الميثاق) ولا ينكثون العهد المؤكد الذي عاهدوا الله عليه.
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
قوله: ( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) أراد به صلة الرحم .
{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}وذلك في الآخرة، بأن يحاسبهم على كل ذنوبهم.
{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)}
قوله: (والذين صبروا) على طاعة الله، وأمره. وعلى المصائب والنوائب، وعن الشهوات والمعاصي .
( ابتغاء وجه ربهم ) طلبًا لرضا ربهم. ( وأقاموا الصلاة) أي أقاموها على أتم وجوهها (وَأَنْفَقُواْ) بسخاء وطيب نفس (مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) أى : مما أعطيناهم من عطائنا الواسع العميم .(سِرّاً وَعَلاَنِيَةً) أى : ينفقون مما رزقناهم سرا . حيث يحسن السر ، وينفقون علانية حيث تحسن العلانية ، ( وَيَدْرَءُونَ بالحسنة السيئة ) والدرء : الدفع والطرد، أي: يدفعون بالصالح من العمل السيئ من العمل ، وهو معنى قوله : (إن الحسنات يذهبن السيئات ) (هود - 114) . وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا عملْتَ سيئةً فاعْمَلْ بجنبِها حسنةً ، السرُّ بالسرِّ ، و العلانيةُ بالعلانيةِ " . صحيح الجامع للألباني
( أولئك لهم عقبى الدار ) يعني الجنة ، أي : عاقبتهم دار الثواب . ثم بين ذلك فقال : {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23)}
قوله: (جنات عدن) بساتين إقامة ( يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) ممن هو صالح لدخول الجنة (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب) : من أبواب الجنة .
{سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
قوله:(سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ ) أي :عند دخولهم الجنة تفد عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام نتيجةَ صبرهم على أمر الله ونهيه في الدنيا .
{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
قوله:( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) أي: من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله، وغلظ عليهم، فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم، بل قابلوه بالإعراض والنقض، (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) صلة الرحم وغيرها . (ويفسدون في الأرض ) بعمل المعاصي (أولئك لهم اللعنة) الابعاد عن رحمة الله(ولهم سوء الدار) يعني: سوء المنقلب لأن منقلب الناس دورهم .
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)}
قوله عز وجل:( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) أي : يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء لما له بذلك من حكمة .
( وفرحوا بالحياة الدنيا ) يعني:وفرح الكفار بالسعة في الحياة الدنيا، وما علموا أن ذلك استدراج لهم، والفرح : لذة في القلب بنيل المشتهى ، ( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) أي : قليل ذاهب.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27)}
قوله:( ويقول الذين كفروا ) من أهل مكة ( لولا أنزل عليه آية من ربه)هلا أنزل على محمد معجزة محسوسة كمعجزة موسى وعيسى ( قل إن الله يضل من يشاء)من المعاندين عن الهداية ولا تنفعه المعجزات. ( ويهدي إليه من أناب ) أي : يهدي إلى دينه من رجع إليه وطلب رضوانه.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}
قوله:(الذين آمنوا) صدقوا بالله ورسوله، (وتطمئن) تسكن (قلوبهم بذكر الله) بالتوحيد ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيها اليقين .
{الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
قوله: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) الذين صدقوا بالله ورسوله، وأتبعوا ذلك بفعل الأعمال الصالحة (طوبى لهم) فرحٌ لهم وقرة عين. . (وحسن مآب) أي : حسن المنقلب إلى جنة الله ورضوانه.
{كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ ۚ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)}
قوله عز وجل ( كذلك أرسلناك في أمة ) كما أرسلنا الأنبياء إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة (قد خلت) مضت (من قبلها أمم لتتلو) لتقرأ ( عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن ) أي هذه الأمة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن لا يقرون به. (قل) لهم يامحمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته (هو ربي لا إله إلا هو) لا معبود بحق سواه، ( عليه توكلت) التوكل على الله هوالاعتماد عليه وحده (وإليه متاب) أي : توبتي ومرجعي .
{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ ۗ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا ۗ أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31)}
قوله عز وجل : (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) لو أن ثمة قرآنًا يقرأ فتزول به الجبال عن أماكنها.(أو قطعت به الأرض) أي: شققت فجعلت أنهارا وعيونا (أو كلم به الموتى) أو يحيا به الموتى وتكلم.
وجواب "لو" محذوف للعلم به، تقديره: لكان هذا القرآن.(بل لله الأمر جميعا ) أي : في هذه الأشياء إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل .(أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ۗ) أفلم يعلم المؤمنون أن الله لويشاء لآمن أهل الأرض كلهم من غير معجزة
(ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا) من كفرهم وأعمالهم الخبيثة ( قارعة ) أي : نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء ، أحيانا بالجدب ، وأحيانا بالسلب ، وأحيانا بالقتل والأسر .
(أو تحل قريبا من دارهم ) يعني القارعة (حتى يأتي وعد الله ) الفتح والنصر وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه . (إن الله لا يخلف الميعاد ) أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم .
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32)}
قوله:(ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزءوا بك (فأمليت للذين كفروا ) يعني: أمهلتهم (ثم أخذتهم) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار(فكيف كان عقاب ) أي: عاقبتهم عقابا شديدا.
{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ ۚ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ ۗ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
قوله:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۗ } أي : حافظها ، ورازقها ، وعالم بها ، ومجازيها بما عملت . وجوابه محذوف ، تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه . ( وجعلوا لله شركاء قل سموهم ) بينوا أسماءهم ، وصفوهم ثم انظروا : هل هي أهل لأن تعبد ؟ (أم تنبئونه) أي: تخبرون الله تعالى: (بما لا يعلم في الأرض) فإنه لا يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره (أم بظاهرمن القول)أي: قول باطل زائل لا أصل له .
(بل زين للذين كفروا مكرهم ) كيدهم . ( وصدوا عن السبيل ) أي : صرفوا عن الدين . . ( ومن يضلل الله ) ومن لم يوفقه الله لهدايته ( فما له من هاد ) فليس له أحد يهديه.
{لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (34)}
قوله:(لهم عذاب في الحياة الدنيا) بأيدي المؤمنين قتلا وأسرا (ولعذاب الآخرة أشق ) أشد من عذاب الدنيا ( وما لهم من الله من واق ) مانع يمنعهم من العذاب .
{۞ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا ۚ تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا ۖ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
قوله عز وجل : ( مثل الجنة التي وعد المتقون ) أي : صفة الجنة ،( تجري من تحتها الأنهار ).منتشرة في أرجائها وجوانبها .( أكلها دائم ) أي : لا ينقطع ثمرها ونعيمها ( وظلها ) أي : ظلها ظليل ، لا يزول .
( تلك عقبى الذين اتقوا ) أي: تلك الجنة عاقبة الذين اتقوا (وعقبى الكافرين النار ) أي: وعاقبة الكافرين بالله النار.
{وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36)}
قوله عز وجل:(والذين آتيناهم الكتاب) من مؤمني اليهود والنصارى، ( يفرحون بما أنزل إليك) ، من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به.
(ومن الأحزاب من ينكر بعضه) ومن طوائف الكفر والضلال من ينكر بعض ما أنزل إليك لأنه يخالف أهواءهم وأطماعهم وشهواتهم.
(قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب) قل - أيها الرسول الكريم - لكل من خالفك فيما تدعو إليه (إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله ) وحده (ولا أُشْرِكَ بِهِ) بوجه من الوجوه إليه وحده " أدعو " الناس لكي يخلصوا له العبادة والطاعة (وَإِلَيْهِ مَآبِ) أي: وإليه وحده إيابي ومرجعي لا إلى أحد غيره .
{وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37)}
قوله: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا)أي: كما أنزلتُ الكتب على الرسل بلغاتهم ، فكذلك أنزلنا عليك القرآن حاكما بين الناس بلسان عربي مبين .
(ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق) ولئن اتبعت أهواء المشركين في عبادة غير الله، بعد الحق الذي جاءك من الله ليس لك ناصر ينصرك ويمنعك من عذابه.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38)}
قوله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك) ولقد بعثنا قبلك رسلا من البشر( وجعلنا لهم أزواجا وذرية) يأتون الزوجات ويولد لهم الأبناء والأحفاد.
( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) أي لم يكن يأت قومه بخارقٍ إلا إذا أذن له فيه. ثم قال:( لكل أجل كتاب) لكل أمر قضاه الله كتاب قد كتبه فيه ووقت يقع فيه .
{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)}
قوله:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ } من الأحكام وغيرها {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} وهو اللوح المحفوظ الذي أثبت فيه جميع أحوال الخلق.
{وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)}
قوله: ( وإما نرينك بعض الذي نعدهم ) من العذاب قبل وفاتك ( أو نتوفينك ) قبل ذلك ( فإنما عليك البلاغ ) ليس عليك إلا ذلك ( وعلينا الحساب ) الجزاء يوم القيامة .
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41)}
قوله تعالى ( أولم يروا ) يعني : أهل مكة ، الذين يسألون محمدا صلى الله عليه وسلم الآيات ( أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) المراد منه فتح ديار الشرك ، فإن ما زاد في ديار الإسلام فقد نقص من ديار الشرك ، (والله يحكم لا معقب لحكمه) لا راد لقضائه، ولا ناقض لحكمه(وهو سريع الحساب ) . فلا يستعجلوا بالعذاب ، فإن كل آت قريب.
{وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا ۖ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ۗ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)}
قوله: {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} يعني : من قبل مشركي مكة ، والمكر : إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر .
{ فلله المكر جميعا } يبطل مكرهم ويعيده عليهم بالخيبة والندم . { يعلم ما تكسب كل نفس} من خير أو شر{ وسيعلم الكفار} إذا قدموا على ربهم }{ لمن عقبى الدار} أي : عاقبة الدار الآخرة حين يدخلون النار ، ويدخل المؤمنون الجنة، وهذا تهديد ووعيد للكافرين.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)}
قوله:{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ } أي ما أرسلك الله{قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي هو الشاهد عليَّ وعليكم {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم.
تم بحمد الله تفسير سورة الرعد