تفسير سورة هود

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 9 شعبان 1445هـ | عدد الزيارات: 631 القسم: تفسير القرآن الكريم -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

سورة هود
مكية، وهي مائة وثلاث وعشرون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم

{الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1)}

قوله: (الر ۚ) سبق الكلام عن الحروف المقطعة،(كِتَابٌ) أي: هذا كتاب ، (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ) أحكمها الله فليس فيها اختلاف ولا تناقض ، (ثُمَّ فُصِّلَتْ) بينت بالأحكام والحلال والحرام . ( مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) من عند الله، الحكيم بتدبير الأمور، الخبير بما تؤول إليه عواقبها.

{أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)}

قوله: (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۚ) أي: لأجل أن لا تعبدوا إلا الله وحده (إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ) أي : من الله ( نَذِيرٌ) ينذركم عقابه، ( وَبَشِيرٌ) يبشركم بثوابه .
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)}
(وَأَنِ) عطف على الأول ، (استغفروا ربكم ثم توبوا إليه) أي : ارجعوا إليه بالطاعة . "ثم" هنا بمعنى الواو، قاله الفراء، أي: وتوبوا إليه ، لأن الاستغفار هو التوبة . (يمتعكم متاعا حسنا) يعيشكم عيشا حسنا في أمن وسعة . (إلى أجل مسمى) إلى أن يحين أجلكم ، (ويؤت كل ذي فضل فضله) أي: ويؤت كل ذي عمل صالح في الدنيا أجره وثوابه في الآخرة .(وإن تولوا) أعرضوا ، (فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) وهو يوم القيامة ، وهذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر الله.
{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)}
إلى الله رجوعكم بعد موتكم وهو قادر على بعثكم ، وحشركم.
{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
قوله تعالى : (ألا إنهم يثنون صدورهم) . أي : يخفون ما في صدورهم من الكفر .
(ليستخفوا منه) أي: من رسول الله صلى الله عليه وسلم . (ألا حين يستغشون ثيابهم) يغطون رؤوسهم بثيابهم ، (يعلم ما يسرون وما يعلنون) أي: أن الله لا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم. (إنه عليم بذات الصدور) عليم بكل ما تكنه صدورهم.
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (6)}.
قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض)، (الدابة) أي: كل ما يدب على وجه الأرض .(إلا على الله رزقها) أي : هو المتكفل بذلك فضلا . (ويعلم مستقرها ومستودعها) مستقرها : المكان الذي تأوي إليه ، وتستقر فيه ليلا ونهارا، ومستودعها: الموضع الذي تدفن فيه إذا ماتت . (كل في كتاب مبين) أي : كل مثبت في اللوح المحفوظ قبل خَلْقِها.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (7)}
قوله تعالى : (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ) . يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء ، وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك ، ففي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " .
(ليبلوكم) ليختبركم ، وهو أعلم ، (أيكم أحسن عملا) أعمل بطاعة الله، وأورع عن محارم الله تعالى . (ولئن قلت) يا محمد ، (إنكم مبعوثون) أي: (من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) يعنون القرآن .

{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)}

قوله:( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ) يقول تعالى : ولئن أخرنا العذاب عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود ، ليقولن تكذيبا واستعجالا ( ما يحبسه ) أي : يؤخر هذا العذاب عنا ، فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك ، فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد . ( ألا يوم يأتيهم ) يعني : العذاب ، (ليس مصروفا عنهم) لا يكون مصروفا عنهم ، (وحاق بهم ) نزل بهم ، (ما كانوا به يستهزئون) أي : وبال استهزائهم .
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)}.
يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة ، إلا من رحم الله من عباده المؤمنين ، فإنه إذا أصابته شدة بعد نعمة ، حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل ، وكفر وجحود لماضي الحال ، كأنه لم ير خيرا ، ولم يرج بعد ذلك فرجا.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)}
قوله: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته) ولئن بسطنا للإنسان في دنياه ووسعنا عليه في رزقه (ليقولن ذهب السيئات عني) زالت الشدائد عني، (إنه لفرح فخور) الفرح: لذة في القلب بنيل المشتهى ، والفخر: هو التطاول على الناس بتعديد المناقب ، وذلك منهي عنه.
{إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}.
قوله: (إلا الذين صبروا) لكن الذين صبروا (وعملوا الصالحات ) فإنهم إن نالتهم شدة صبروا، وإن نالوا نعمة شكروا، (أولئك لهم مغفرة) لذنوبهم ، (وأجر كبير) وهو الجنة .
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلعلك يا محمد ، تارك بعض ما يوحي إليك ربك أن تبلغه من أمرك بتبليغه ذلك، وضائقٌ بما يوحى إليك صدرُك فلا تبلغه إياهم ، مخافة (أن يقولوا لولا أنـزل عليه كنـز أو جاء معه ملك) ، له مصدّق بأنه لله رسول ! يقول تعالى ذكره: فبلغهم ما أوحيته إليك، فإنك إنما أنت نذير تُنْذرهم عقابي ، وتحذرهم بأسي على كفرهم بي، وإنما الآيات التي يسألونكها عندي وفي سلطاني ، أنـزلها إذا شئت، وليس عليك ، إلا البلاغ والإنذار ، (والله على كل شيء وكيل) ، يقول: والله القيم بكل شيء وبيده تدبيره.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13)}
قوله: (أم يقولون افتراه) بل يقولون اختلقه ، ( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) قل لهم إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله ، ( وادعوا من استطعتم من دون الله) واستعينوا بمن استطعتم من جميع خلق الله ليساعدوكم على الإتيان بهذه السور، ( إن كنتم صادقين ) في دعواكم .
{فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (14)}.
قوله: ( فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا ) أيها المؤمنون . (أنما أنزل بعلم الله) يعني: القرآن . ( وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون ) لفظه استفهام ومعناه أمر ، أي : أسلموا .
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15)}
قوله تعالى : (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) أي: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا ومتعها، ( نوف إليهم أعمالهم فيها) أي: نوف لهم أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ودفع المكاره وما أشبهها. (وهم فيها لا يبخسون) أي:غير منقوص .
{أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}
قوله:( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ ) يقاسون حرها (وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا ) أي : ذهب عنهم نفع ما عملوه في الدنيا ( وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) لأنه لم يكن لوجه الله.
{أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)}.
قوله تعالى : (أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ) أي: على حجة وبصيرة ، فيما يؤمن به ويدعو إليه ، والمراد به : النبي صلى الله عليه وسلم .(ويتلوه شاهد منه) جبريل ، شاهدٌ من الله ، يتلو على محمد ما بُعث به. (ومن قبله) أي : ومن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم . ( كتاب موسى ) أي : كان كتاب موسى ، ( إماما ورحمة ) لمن اتبعها ، يعني : التوراة ، وهي مصدقة للقرآن ، شاهدة للنبي صلى الله عليه وسلم ، (أولئك يؤمنون به) يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
(ومن يكفر به) أي: بمحمد صلى الله عليه وسلم . (من الأحزاب) من الكفار من أهل الملل كلها ، (فالنار موعده) يَرِدُها لا محالة . ( فلا تك في مرية منه ) أي : في شك منه ، ( إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) لا يصدقون ولا يعملون بما أمروا به.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}.
قوله: ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) فزعم أن له ولدا أو شريكا ، أي : لا أحد أظلم منه ، (أولئك) يعني : الكاذبين والمكذبين، (يعرضون على ربهم) فيسألهم عن أعمالهم . (ويقول الأشهاد ) من الملائكة والأنبياء وغيرهم.(هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ) . ألا غضب الله على المعتدين الذين كفروا بربّهم.
{الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)}
قوله: (الذين يصدون عن سبيل الله ) أي يردون الناس عن اتباع الحق (ويبغونها عوجا) أي : ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة ، (وهم بالآخرة هم كافرون ) أي : جاحدون بها مكذبون بوقوعها.
{أُولَٰئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ۘ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ ۚ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}.
قوله: (أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض ) هاربين ، بل كانوا تحت قهره وغلبته . ( وما كان لهم من دون الله من أولياء ) يعني أنصارا وأعوانا يحفظونهم من عذابه ، ( يضاعف لهم العذاب ) أي : يزاد في عذابهم ..( ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون): صم عن سماع الحق فلا يسمعونه، وما كانوا يبصرون الهدى .
{أُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21)}.
قوله:(أولئك الذين خسروا أنفسهم) غبنوا أنفسهم؛ لافترائهم على الله، (وضل عنهم ما كانوا يفترون) وذهب عنهم ما كانوا يفترون من الآلهة التي يدعون أنها تشفع لهم .
{لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)}.
قوله:(لا جرم) أي : حقا . (أنهم في الآخرة هم الأخسرون ) يعني : من غيرهم ، وإن كان الكل في الخسار.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)}
قوله: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم) إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا الأعمال الصالحة، وخضعوا لربهم في كل ما أُمِرُوا به. (أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) أولئك هم أهل الجنة لا يموتون فيها ولا يخرجون منها أبدا.
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}.
قوله: (مثل الفريقين) المؤمن والكافر، (كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا) لم يقل: هل يستوون ، لأن الأعمى والأصم من وصف الكافر ، والبصير والسميع من وصف المؤمن، و (هل) استفهام بمعنى النفي أي: لا يستويان(أفلا تذكرون) أي تتعظون .
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (25)}.
قوله تعالى : (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه) ذكر سبحانه قصص الأنبياء - عليهم السلام - للنبي - صلى الله عليه وسلم - تنبيها له على ملازمة الصبر على أذى الكفار إلى أن يكفيه الله أمرهم . ( إني لكم نذير مبين ) أي : ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله.
{أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ۖ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)}.
قوله: (أن لا تعبدوا إلا الله ) أي : أطيعوا الله وحده، واتركوا الأصنام فلا تعبدوها ، .(إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) إني أخشى عليكم عذابَ يومٍ موجعٍ، شاقٍ .
{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27)} .
قوله: ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) الملأ هم: الأشراف والرؤساء . ( وما نراك ) يا نوح ، ( إلا بشرا مثلنا) آدميا ، ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ) سفلتنا ، والرذل : الدون من كل شيء والجمع : أرذل ، ثم يجمع على أراذل ، ( بادي الرأي ) أي : أول الرأي ، يريدون أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير روية وتفكر ، ولو تفكروا لم يتبعوك . (وما نرى لكم علينا من فضل) وما نتبين لكم علينا من فضل نلتموه بمخالفتكم إيانا في عبادة الأوثان إلى عبادة الله وإخلاص العبودة له، فنتبعكم طلبَ ذلك الفضل ، وابتغاءَ ما أصبتموه بخلافكم إيانا ، (بل نظنكم كاذبين). بل نعتقد أنكم كاذبون فيما تدعون، والخطاب لنوح ومن آمن معه .
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)}.
قوله: (قال) نوح ، (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) أي : بيان من ربي ( وآتاني رحمة من عنده ) أي : هدى ومعرفة ، ( فعميت عليكم ) أي : خفيت والتبست عليكم. ( أنلزمكموها ) أي : أنلزمكم البينة والرحمة ، ( وأنتم لها كارهون) لا تريدونها .
{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)}.
قوله : ( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا ) أي : على الوحي وتبليغ الرسالة ، (إن أجري إلا على الله) أي: ما ثواب نصحي لكم إلا على الله ، (وما أنا بطارد الذين آمنوا) وليس من شأني أن أطرد المؤمنين، وهذا دليل على أنهم طلبوا منه طرد المؤمنين ، ( إنهم ملاقو ربهم) أي : صائرون إلى ربهم في المعاد فيجزي من طردهم، (ولكني أراكم قوما تجهلون) إذ تأمرونني بطرد أولياء الله، وإبعادهم عني.
{وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30)}
قوله: (ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ) مَنْ يمنعني من عذاب الله إن طردتهم، ( أفلا تذكرون ) أفلا تتدبرون الأمور فتعلموا ما هو الأنفع لكم .
{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31)}.
قوله: (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) فآتي منها ما تطلبون ، (ولا أعلم الغيب) فأخبركم بما تريدون . (ولا أقول إني ملك) ، ولست بملك من الملائكة. (ولا أقول للذين تزدري أعينكم) أي : تحتقره وتستصغره أعينكم ، يعني: المؤمنين. (لن يؤتيهم الله خيرا) أي: توفيقا وإيمانا وأجرا، (الله أعلم بما في أنفسهم) من الخير والشر، (إني إذا لمن الظالمين) لو قلت هذا .
{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32)}
قوله:(قالوا يا نوح قد جادلتنا) حاججتنا، (فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا) من العذاب ( إن كنت من الصادقين ) في دعواك.
{قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33)}
قوله: (قال إنما يأتيكم به الله إن شاء ) يعني : بالعذاب ، ( وما أنتم بمعجزين ) ولستم بفائتيه إذا أراد أن يعذبكم.
{وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ ۚ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)}.
قوله: (ولا ينفعكم نصحي) أي نصيحتي ، (إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) يضلكم ، (هو ربكم) له الحكم والأمر (وإليه ترجعون) فيجزيكم بأعمالكم .
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ (35)}
قوله: (أم يقولون افتراه) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم . (قل إن افتريته فعلي إجرامي ) أي : إثمي ووبال جرمي . والإجرام : كسب الذنب . ( وأنا بريء مما تجرمون ) لا أؤاخذ بذنوبكم .
{وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)}
يقول تعالى ذكره: وأوحَى الله إلى نوح ، لمّا حَقّ على قومه القولُ، وأظلَّهم أمرُ الله، أنه لن يؤمن، يا نوح ، بالله فيوحِّده ، ويتبعك على ما تدعوه إليه، (من قومك إلا من قد آمن)، فصدّق بذلك واتبعك.(فلا تبتئس) ، فلا تحزن ، (بما كانوا يفعلون)، بسبب ما كانوا يفعلونه ، فإني مهلكهم ، ومنقذك منهم ومن اتبعك.
{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37)}
قوله: (واصنع الفلك بأعيننا) بحفظنا . (ووحينا) وأمرنا . (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) لا تطلب مني إمهال الكفار (إنهم مغرقون) بالطوفان .
{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38)}.
قوله تعالى : ( ويصنع الفلك ) أمره الله تعالى أن يصنع السفينة فأقبل عليه السلام على عملها ممتثلا أمر ربه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ، ويهيئ عُدةَّ السفينة من القار وغيره ، (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ) وكلما مرَّ عليه جماعة من كبراء قومه وسادتهم، وهو في عمله، يهزءُون به. (قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) قال: إن تستهزئوا - أيها الملأ - منا اليوم عندما نصنع السفينة، فإنا نستهزئ بكم لجهلكم بما يصير إليه أمركم من الغرق.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (39)}.
قوله: (فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه) يهينه في الدنيا، ( ويحل عليه ) وينزل به ، ( عذاب مقيم ) دائم في الآخرة.
{حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)}
قوله:( حتى إذا جاء أمرنا ) بإهلاكهم، (وفار التنور) التنور الذي يخبز فيه ، والفوران : نبع الماء بقوة . ( قلنا احمل فيها ) أي في السفينة ، ( من كل زوجين اثنين ) الزوجان : كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر ، والمراد بالزوجين هاهنا : الذكر والأنثى .
(وأهلك) أي : واحمل أهل بيتك ( إلا من سبق عليه القول ) بالهلاك ، ممن لم يؤمن بالله كابنه وامرأته ، (ومن آمن) يعني: واحمل من آمن بك ، ( وما آمن معه إلا قليل ).مع طول المدة .
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41)}
قوله:( وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها ) أي وقال نوح لمن آمن معه اركبوا في السفينة باسم الله يكون جريها على وجه الماء، وباسم الله يكون منتهى سيرها ورسوها . ( إن ربي لغفور رحيم ) إن ربي لساتر ذنوب من تاب وأناب إليه ، رحيم بهم أن يعذبهم بعدَ التوبة.
{وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42)}
قوله: (وهي تجري بهم في موج كالجبال) والموج ما ارتفع من الماء إذا اشتدت عليه الريح ، شبهه بالجبال في عظمه وارتفاعه على الماء . (ونادى نوح ابنه) وكان كافرا، (وكان في معزل ) في مكان عزل فيه نفسه عن المؤمنين ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) فتهلك.
{قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)}.
قوله:(قال) له ابنه الكافر(سآوي) سأصير وألتجئ ، (إلى جبل يعصمني من الماء) يمنعني من الغرق، (قال) له نوح (لا عاصم اليوم من أمر الله) من عذاب الله ، (إلا من رحم) أي لا معصوم إلا من رحمه الله ، (وحال بينهما الموج) فصل بينهما (فكان) فصار ، (من المغرقين) الهالكين.
{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)} .
قوله:(وقيل) يعني: بعدما تناهى أمر الطوفان: (يا أرض ابلعي ماءك) تشربي، (ويا سماء أقلعي) أمسكي، (وغيض الماء) نقص ونضب ، يقال : غاض الماء يغيض غيضا إذا نقص ، وغاضه الله أي أنقصه ، (وقضي الأمر) فرغ من الأمر وهو هلاك القوم (واستوت) يعني: استقرت، (على الجودي) جبل بالجزيرة بقرب الموصل، (وقيل بعدا) هلاكا، (للقوم الظالمين) الذين تجاوزوا حدود الله، ولم يؤمنوا به.
{وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)}.
قوله تعالى : (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي ) وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي؟ (وإن وعدك الحق) أى: وإن كل وعد تعده لعبادك هو الوعد الحق وأنت - يا ربى - قد وعدتنى بنجاة أهلى إلا من سبق عليه القول منهم ، لكنى فى هذا الموقف العصيب أطمع فى عفوك عن ابنى وفى رحمتك له ، (وأنت أحكم الحاكمين) وحكمك هو الحق والعدل ، وهو المنزه عن الخطأ، لأنه صادر عن كمال العلم والحكمة.
{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)}
قوله: ( قال ) الله عز وجل : (يا نوح إنه ليس من أهلك) أي : من أهل الدين لأنه كان مخالفا له في الدين، (إنه عمل غير صالح) بسبب كفره ، ( فلا تسألن ) يا نوح ، (ما ليس لك به علم) أنهاك أن تسألني أمرا لا علم لك به. (إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) يعني :إني أعظك لئلا تكون من الجاهلين في مسألتك إياي عن ذلك.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (47)}
قوله: ( قال ) نوح ( رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم) إني أعتصم وأستجير بك سؤالك مالا علم لي به. ( وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ) أكن من الذين غبنوا أنفسهم حظوظَها وهلكوا.
{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}.
قوله: (قيل يا نوح اهبط) انزل من السفينة ، (بسلام منا) أي بأمن وسلامة منا ، (وبركات عليك) البركة هي : ثبوت الخير، (وعلى أمم ممن معك) أي : على ذرية أمم ممن كان معك في السفينة ، وهم المؤمنون ، دخل فيه كل مؤمن إلى قيام الساعة (وأمم سنمتعهم) هذا ابتداء ، أي : أمم سنمتعهم في الدنيا ، ( ثم يمسهم منا عذاب أليم ) وهم الكافرون وأهل الشقاوة
{تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)}.
قوله: (تلك من أنباء الغيب) أخبار الغيب السالفة ، (نوحيها إليك) نعلمك بها (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ) من قبل نزول القرآن ، ( فاصبر ) على القيام بأمر الله وتبليغ الرسالة وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح ، (إن العاقبة) آخر الأمر بالسعادة والنصرة (للمتقين) الذين يخشون الله.
{وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)}
قوله تعالى : (وإلى عاد) أي : وأرسلنا إلى عاد ، (أخاهم هودا) في النسب لا في الدين ، ( قال يا قوم اعبدوا الله ) وحدوا الله (ما لكم من إله غيره) يستحق العبادة غيره جل وعلا (إن أنتم إلا مفترون) ما أنتم في إشراككم إلا كاذبون .
{يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)}
قوله: (يا قوم لا أسألكم عليه) أي : على تبليغ الرسالة ، (أجرا) جعلا ( إن أجري ) ما ثوابي ، (إلا على الذي فطرني) خلقني ، (أفلا تعقلون) فتميزوا بين الحق والباطل.
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}.
قوله: (ويا قوم استغفروا ربكم ) أي : آمنوا به ، والاستغفار هاهنا بمعنى الإيمان ، ( ثم توبوا إليه ) من عبادة غيره ومن سالف ذنوبكم ، (يرسل السماء عليكم مدرارا) أي : يرسل المطر عليكم متتابعا ، مرة بعد أخرى ، ( ويزدكم قوة إلى قوتكم ) بكثرة ذرياتكم وتتابع النعم عليكم. ( ولا تتولوا مجرمين ) أي :ولا تعرضوا عما دعوتكم إليه مصرين على إجرامكم .
{قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)}
قوله: ( قالوا يا هود ما جئتنا ببينة ) أي : ببرهان وحجة واضحة على صحة ما تدعون إليه ، ( وما نحن بتاركي آلهتنا) التي نعبدها (عن قولك) أي :من أجل قولك ، ( وما نحن لك بمؤمنين ) بمصدقين ما تدعيه.
{إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54)}

قوله: (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا ) أي: أصابك (بسوء) يعني : لست تتعاطى ما نتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا اعتراك ، أي : أصابك بسوء بخبل وجنون ، وذلك أنك سببت آلهتنا فانتقموا منك بالتخبيل لا نحمل أمرك إلا على هذا، (قال) لهم هود، (إني أشهد الله ) على نفسي ، (واشهدوا) يا قوم (أني بريء مما تشركون) من دون الله من الأنداد والأصنام.
{ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55)}

قوله: {مِن دُونِهِ ۖ } أي: إني بريء من جميع الأصنام والأنداد {فَكِيدُونِي جَمِيعًا}أي: أنتم وآلهتكم إن كانت حقا {ثم لا تنظرون} أي لا تؤخرون طرفة عين . وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى . وهو من أعلام النبوة ، أن يكون الرسول وحده يقول لقومه : فكيدوني جميعا .
{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)}
قوله: ( إني توكلت ) أي : اعتمدت ( على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها ) يحييها ويميتها .. و خص الناصية بالذكر لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنسانا بالذلة ، فتقول : ناصية فلان بيد فلان ، وكانوا إذا أسروا إنسانا وأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته ليعتدوا بذلك فخرا عليه ، فخاطبهم الله بما يعرفون .
(إن ربي على صراط مستقيم) يعني : إن ربي وإن كان قادرا عليهم فإنه لا يظلمهم ولا يعمل إلا بالإحسان والعدل ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه .
{فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)}
قوله: ( فإن تولوا ) أي: تتولوا، يعني: تعرضوا عما دعوتكم إليه من توحيد الله، وإخلاص البعادة له ، (فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم) أي: إن أعرضتم يهلككم الله عز وجل ويستبدل بكم قوما غيركم أطوع منكم، يوحدونه ويعبدونه، (ولا تضرونه شيئا) بتوليكم وإعراضكم، إنما تضرون أنفسكم ، (إن ربي على كل شيء حفيظ) أي: لكل شيء حافظ ، يحفظني من أن تنالوني بسوء.
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)}.
قوله تعالى: (ولما جاء أمْرُنا) بعذاب قوم هود ، (نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا) بفضل منا ورحمة (ونجيناهم من عذاب غليظ ) وهو الريح التي أهلك بها عادا، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.
{وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)}
قوله: (وتلك عاد) رده إلى القبيلة، (جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله) يعني : هودا وحده ، ذكره بلفظ الجمع لأن من كذب رسولا كان كمن كذب جميع الرسل ، (واتبعوا أمر كل جبار عنيد) أي : واتبع السفلة والسقاط أهل التكبر والعناد ، والجبار: المتكبر، والعنيد : الذي لا يقبل الحق .
{وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}
قوله: (وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ) أي : أردفوا لعنة تلحقهم وتنصرف معهم واللعنة : هي الإبعاد والطرد عن الرحمة ، ( ويوم القيامة ) أي: وفي يوم القيامة أيضا لعنوا كما لعنوا في الدنيا ، ( ألا إن عادا كفروا ربهم) أي : بربهم . (ألا بعدا لعاد قوم هود) : هلاكا .
وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (61)}
قوله تعالى : (وإلى ثمود أخاهم صالحا ما لكم من إله غيره) أي : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا في النسب لا في الدين (قال يا قوم اعبدوا الله) وحدوا الله عز وجل ، (هو أنشأكم من الأرض ) ابتدأ خلقكم ، (من الأرض) وذلك أنهم من آدم عليه السلام وآدم خلق من الأرض، (واستعمركم فيها ) أي : جعلكم عمارها وسكانها . ( فاستغفروه) اسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم ( ثم توبوا إليه) ارجعوا إليه بالتوبة النصوح ( إن ربي قريب ) من المؤمنين ، (مجيب) لدعائهم .
{قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)}
قوله: (قالوا) يعني ثمود ، ( يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا ) القول ، أي : كنا نرجو أن تكون سيدا فينا . (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا) من قبل من الآلهة ، (وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ) موقع للريبة والتهمة.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63)}
قوله: ( قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة ) نبوة وحكمة، (فمن ينصرني من الله إن عصيته ) أي : من يمنعني من عذاب الله ، ( فما تزيدونني غير تخسير) أى : فما تزويدوننى بطاعتكم ومعصية ربى غير الوقوع فى الخسران .
{وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)}.
قوله : (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية )هذه ناقة الله جعلها لكم حجةً وعلامةً تدلُّ على صدقي فيما أدعوكم إليه. (فذروها تأكل في أرض الله) من العشب والنبات فليست عليكم مؤنتُها ، (ولا تمسوها بسوء ) ولا تصيبوها بعقر ، ( فيأخذكم ) إن قتلتموها ، ( عذاب قريب ) من عقرها.
{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)}
قوله: ( فعقروها فقال ) صالح ، ( تمتعوا ) عيشوا ، (في داركم) أي : في دياركم ، (ثلاثة أيام ) ثم تهلكون ، (ذلك وعد غير مكذوب) أي :وعد من الله غير كذب .
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66)}
قوله تعالى : ( فلما جاء أمرنا) بهلاك ثمود ( نجينا صالحا والذين آمنوا معه) من الهلاك( برحمة منا ) بنعمة منا ، ( ومن خزي يومئذ ) أي: من عذابه وهوانه . (إن ربك هو القوي العزيز ) ومن قوته وعزته أن أهلك الأمم الطاغية ، ونجى الرسل وأتباعهم .
{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)}
قوله (وأخذ الذين ظلموا) كفروا ، (الصيحة) القوية (فأصبحوا في ديارهم جاثمين) موتى هامدين
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ (68)}.
قوله: (كأن لم يغنوا فيها) كأنهم في سرعة زوالهم لم يقيموا فيها (ألا إن ثمود كفروا ربهم)جحدوا بآيات ربهم وحججه (ألا بعدا لثمود) طردا لهم من رحمة لله.
{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)}
قوله تعالى: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) أراد بالرسل الملائكة. (بالبشرى) بالبشارة بإسحاق ويعقوب من بعده. (قالوا سلاما) أي: سلموا سلاما، (قال) إبراهيم (سلام) أي: عليكم سلام (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) وهو المشوي على الحجارة في خد من الأرض.
{فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70)}
قوله: (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ) أي : إلى العجل ، ( نكرهم ) أنكرهم ، ( وأوجس منهم خيفة ) أضمر خوفا منهم . (قالوا لا تخف) يا إبراهيم . (إنا أرسلنا إلى قوم لوط) إنا رسل ربك لإهلاك قوم لوط.
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)}
قوله: (وامرأته) سارة . (قائمة) من وراء الستر تسمع كلامهم. (فضحكت) تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها . (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق) أي: من بعد إسحاق ، ( يعقوب ) أراد به والد الولد فبشرت أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها.
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)}
( قالت يا ويلتى ) أي : يا عجبا . والأصل يا ويلتاه . (أألد وأنا عجوز) استفهام يراد به التعجب، أي: كيف يكون لي ولد وأنا عجوز. (وهذا بعلي) زوجي ، سمي بذلك لأنه قيم أمرها ، (شيخا) ؛ أي: في حال الشيخوخة والكبر ، (إن هذا لشيء عجيب) مع كبر السن .
{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73)}
(قالوا) يعني الملائكة ، (أتعجبين من أمر الله) معناه : لا تعجبي من أمر الله ، فإن الله عز وجل إذا أراد شيئا كان . (رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ) أي : بيت إبراهيم عليه السلام . والبركات جمع البركة ، وهي ثبوت الخير. ( إنه حميد مجيد ) فالحميد : المحمود في أفعاله ، والمجيد : الكريم ، وأصل المجد الرفعة .
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)}
قوله: ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع ) الخوف الذي انتابه لعدم أكل الضيوف الطعام، ( وجاءته البشرى ) بإسحاق ويعقوب ، ( يجادلنا في قوم لوط ) يجادل رسلنا فيما أرسلناهم به من عقاب قوم لوط وإهلاكهم.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (75)}
قوله: ( إن إبراهيم لحليم أواه منيب ) مدح إبراهيم بهذه الصفات الجميلة. فهوكثير الحلم، كثير التضرع إلى الله، يرجع إلى الله في أموره كلها.
{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}
قوله: (يا إبراهيم أعرض عن هذا) قالت رسل الله لإبراهيم عليه السلام :يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال في أمر قوم لوط . ( إنه قد جاء أمر ربك) أي:حكم ربك ، (وإنهم آتيهم ) نازل بهم ، ( عذاب غير مردود ) أي : غير مصروف عنهم .
{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}
قوله تعالى : ( ولما جاءت رسلنا ) يعني هؤلاء الملائكة ، (لوطا) على صورة غلمان مرد حسان الوجوه؛ ابتلاءً من الله ، وله الحكمة والحجة البالغة (سيء بهم) أي : حزن لوط بمجيئهم ، يقال : سؤته فسيء ، كما يقال : سررته فسر . ( وضاق بهم ذرعا ) أي : قلبا . يقال : ضاق ذرع فلان بكذا : إذا وقع في مكروه لا يطيق الخروج منه ، وذلك أن لوطا عليه السلام لما نظر إلى حسن وجوههم وطيب روائحهم أشفق عليهم من قومه أن يقصدوهم بالفاحشة ، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عنهم .
( وقال هذا يوم عصيب ) أي : شديد كأنه عصب به الشر والبلاء ، أي : شد .
{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)}
قوله: (وجاءه قومه يهرعون إليه ) يسرعون إليه طلبًا للفاحشة.
(ومن قبل) أي : من قبل مجيئهم إلى لوط ، ( كانوا يعملون السيئات ) كانوا يأتون الرجال في أدبارهم . (قال) لهم لوط حين قصدوا أضيافه وظنوا أنهم غلمان ، ( يا قوم هؤلاء بناتي ) قوله : ( هؤلاء بناتي ) أراد : نساءهم ، وأضاف إلى نفسه لأن كل نبي أبو أمته . (هن أطهر لكم) أرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخره، وهو زواج النساء.
(فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي) أي : خافوا الله ولا تخزون في ضيفي ، أي : لا تسوءوني ولا تفضحوني في أضيافي بالاعتداء عليهم . (أليس منكم رجل رشيد ) حسن التقدير للأمور، ينهى من أراد ارتكاب الفاحشة .
{قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)}
قوله: (قالوا لقد علمت) يا لوط ، ( ما لنا في بناتك من حق ) أي : ما لنا فيهن من حاجة وشهوة . (وإنك لتعلم ما نريد) من إتيان الرجال . {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)}
قوله: (قال) لهم لوط عند ذلك : (لو أن لي بكم قوة) أراد القوة بالأتباع ، (أو آوي إلى ركن شديد) أي : أنضم إلى عشيرة مانعة . وجواب " لو " مضمر أي لقاتلناكم وحلنا بينكم وبينهم .
{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81)}
قالت الملائكة للوط، لما قال لوط لقومه: { لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} ، ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: (يا لوط إنا رسل ربك) ، أرسلنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهوّن عليك الأمر ، (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، يقول: فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل.
(وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ) أي: فأسر بأهلك إلا امرأتك فلا تسر بها وخلفها مع قومها ، فإن هواها إليهم . (إنه مصيبها ما أصابهم ) من العذاب ، ( إن موعدهم الصبح ) أي: موعد هلاكهم وقت الصبح، فأراد نبيُّ الله ما هو أعجل من ذلك، فقالوا (أليس الصبح بقريب). وهو موعد قريب الحلول.
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (82)}
قوله: (فلما جاء أمرنا) عذابنا، (جعلنا عاليها سافلها) وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط المؤتفكات (سدوم) ثم قلبها فجعل عاليها سافلها ( وأمطرنا عليها ) أي : بعد ما قلبها أمطر عليها ، (حجارة من سجيل) السجيل الطين ، دليله قوله عز وجل : (لنرسل عليهم حجارة من طين) ( الذاريات - 33 ) (منضود) متتابع ، يتبع بعضها بعضا، مفعول من النضد ، وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض .
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
قوله:(مسومة) معلمة عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض. (عند ربك وما هي) يعني : تلك الحجارة ، (من الظالمين) أي : من مشركي مكة ، (ببعيد) أي: ليس ببعيد أن يمطروا بمثلها.
{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ۚ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (84)}
قوله: (وإلى مدين) قبيلة من العرب كانوا يسكنون بين الحجاز والشام، في بلد يعرف بهم يقال لها مدين (أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان) أي: لا تبخسوا ، وهم كانوا يطففون مع شركهم، (إني أراكم بخير ) موسرين في نعمة ، فحذرهم زوال النعمة، وغلاء السعر ، وحلول النقمة ، إن لم يتوبوا ، فقال : ( وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ) يحيط بكم فيهلككم .
{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)}
قوله: (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان) أتموهما، (بالقسط) بالعدل، (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن، (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) . نهاهم عن الفساد في الأرض
{بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)}
قوله: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ) يعني ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير مما تأخذونه بالتطفيف . (وما أنا عليكم بحفيظ) برقيب أحصي عليكم أعمالكم.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)}
قوله ( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ) من الأوثان. وكان شعيب عليه السلام كثير الصلاة ؛ لذلك قالوا هذا.(أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء ) نمتنع عن التصرف في أموالنا بما نستطيع من الاحتيال والمكر. ( إنك لأنت الحليم الرشيد ) أرادوا السفيه الغاوي ، والعرب تصف الشيء بضده فتقول للديغ سليم ، قالوا هذا على وجه الاستهزاء قبَّحَهُم الله.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}
قوله: (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة) بصيرة وبيان ، (من ربي ورزقني منه رزقا حسنا) حلالا. (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) أي : ما أريد أن أنهاكم عن شيء ثم أرتكبه . (إن أريد) ما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه (إلا الإصلاح ما استطعت)أي: إصلاحكم قدر طاقتي (وما توفيقي) أي رشدي ، والتوفيق الرشد . (إلا بالله عليه توكلت ) أي اعتمدت . (وإليه أنيب) أرجع فيما ينزل بي من النوائب.
{وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (89)}
قوله:( ويا قوم لا يجرمنكم )أي: لا يحملنكم ، (شقاقي) عداوتي بسبب إصراركم على الكفر(أن يصيبكم) أي: على فعل ما أنهاكم عنه، (مثل ما أصاب قوم نوح ) من الغرق ، (أو قوم هود) من الريح ، (أو قوم صالح) من الصيحة، (وما قوم لوط منكم ببعيد) وذلك أنهم كانوا حديثي عهد بهلاك قوم لوط .
{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)}
قوله:( واستغفروا ربكم )أي: اطلبوا من ربكم المغفرة لذنوبكم، (ثم توبوا إليه) ثم ارجعوا إلى طاعته واستمروا عليها (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) كثير الرحمة، محب للمؤمنين.
{قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91)}
قوله: (قالوا يا شعيب ما نفقه) ما نفهم، (كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ) لست من الكبراء، ولا من الرؤساء (ولولا رهطك) عشيرتك، وكان في منعة من قومه ، (لرجمناك) لقتلناك والرجم : أقبح القتل . (وما أنت علينا ) عندنا ، (بعزيز) ليس لك قدر في نفوسنا.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ۖ إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)}
قوله:(يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله ) أي : مكان رهطي أهيب عندكم من الله ، أي: إن تركتم قتلي لمكان رهطي فالأولى أن تحفظوني في الله. (واتخذتموه وراءكم ظهريا) أي: نبذتم أمر الله وراء ظهوركم وتركتموه، ( إن ربي بما تعملون محيط ) .لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة.
{وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ ۖ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)}
قوله:(ويا قوم اعملوا على مكانتكم) أي : على كل ما تستطيعون على طريقتكم . (إني عامل) مثابر على طريقتي من دعوتكم إلى التوحيد، (سوف تعلمون) أينا الجاني على نفسه ، والمخطئ في فعله، (من يأتيه عذاب يخزيه) يذله (ومن هو كاذب) أي: فسوف تعلمون الكاذب. (وارتقبوا) وانتظروا العذاب (إني معكم رقيب) منتظر .

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر