الدرس التاسع والسبعون: الجماع في نهار رمضان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 2200 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

من جامع في نهار رمضان في قبل أو دبر فعليه القضاء والكفارة بشرط أن يكون من يلزمه الصوم فإن كان ممن لا يلزمه الصوم كالصغير فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة

الشرط الثاني: أن لا يكون هناك مسقط للصوم كما لو كان في سفر وهو صائم فجامع زوجته فإنه لا إثم عليه ولا كفارة وإنما عليه القضاء فقط لقوله تعالى:" ومن كان مريضاَ أو على سفر فعدة من أيام أخر. سور البقرة

مثال آخر: رجل مريض صائم وهو ممن يباح له الفطر لكنه تكلف وصام ثم جامع زوجته فإنه لا كفارة عليه لأنه ممن يحل له الفطر أما إن كانت زوجته مكرهة فصومها صحيح وهو آثم إلا أن يكونا في سفر فلا حرج عليهما

والجماع في القبل يشمل القبل الحلال والحرام والدبر الحرام، وإن زنا والعياذ بالله فإنه يلزمه القضاء والكفارة مع التوبة والاستغفار

عليه القضاء لأنه أفسد صومه الواجب وعليه الكفارة احتراماً للزمن ولو جامع بين فخذيها أو ما أشبه ذلك فأنزل فعليه القضاء ولا كفارة

وكذلك إذا كانت المرأة معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه فإنه ليس عليها كفارة ولا قضاء وكذلك الرجل إذا كان معذوراً بجهل أو نسيان أو إكراه فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة

والدليل على وجوب الكفارة حديث أبي هريرة: أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت قال : ما أهلكك قال وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم فسأله النبي صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة فقال لا قال هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا ، قال هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا ، ثم جلس فجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر فقال خذ هذا تصدق به قال على أفقر مني يا رسول الله والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أطعمه أهلك فرجع إلى أهله بتمر. أخرجه البخاري

ولهذا يقول هلكت

ولو أن أحداً زنا جاهلاً بالتحريم وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية بأن يكون حديث عهد بالإٍسلام أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنا محرم فزنا فإنه لا حد عليه لكن لو كان يعلم أن الزنا حرام ولا يعلم أن حده الرجم أو أن حده الجلد والتغريب فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام هذا عذر

ولو أن إنسانا مسافر سفراً يبيح الفطر فصام ثم في أثناء النهار جامع زوجته فهذا يفطر وليس عليه كفارة ويلزمه القضاء

وعليه فالذين يذهبون إلى العمرة في رمضان ويصومون هناك ثم يجامع أحدهم زوجته في النهار ليس عليه كفارة لأنه مسافر والمسافر يباح له الفطر فيباح له الجماع والأكل هذا إذا نوى أربعة أيام أما إذا نوى أكثر من أربعة أيام فلا

وإن جامع في يومين فعليه كفارتين مع القضاء وهذا رأي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مفتي المملكة سابقاً

ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان ممن يلزمه الصوم

فلا تجب الكفارة في صيام النفل إذا جامع فيه ولا تجب في صيام كفارة اليمين إذا جامع فيه ولا تجب في صيام فدية الأذى ولا تجب في صيام المتعه لمن لم يجد الهدي ولا تجب في صيام النذر ولا تجب الكفارة في الإنزال بقبلة أو مباشرة أو غير ذلك لأنه ليس جماع

فالكفارة تجب بالجماع وإن لم يحصل إنزال لأن الكفارة مترتبة على الجماع

باب ما يكره ويستحب

والمكروه عند الفقهاء هو الذي نهى عنه الشرع لا على وجه الإلزام بالترك لأنه إن نهى عنه على وجه الإلزام بالترك صار حراماً وأمثلته كثيرة ففي الصلاة مكروهات وفي الوضوء مكروهات وفي الصيام مكروهات وفي الحج والبيع وغيرها

أما حكمه فإنه يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله وبهذا ظهر الفرق بينه وبين الحرام فالحرام إذا فعله الإنسان استحق العقوبة أما هذا فلا

وأما في لسان الشرع فإن المكروه يطلق على المحرم بل قد يكون من أعظم المحرمات قال الله تعالى في سورة الإسراء حين نهى عن منهيات عظيمة قال تعالى:" كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها" وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" أخرجه البخاري

أما المستحب فهو ما أمر به لا على وجه الإلزام بالفعل فإن أمر به على وجه الإلزام كان واجباً

وحكم المستحب أنه يثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه ولكن ثواب المستحب أو المسنون أقل من ثواب الواجب بالدليل الأثري والنظري

أما الدليل الأثري حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مسائته " أخرجه البخاري

وأما الدليل النظري فإن إيجاب الله للواجب يدل على أنه أوكد وأن المكلف محتاج إليه أكثر من إحتياجه إلى النوافل

ولو جمع ريقه فابتلعه فليس بمكروه ولا يجب التفل

وإذا ظهر دم من لسانه أو من أسنانه فلا يجوز بلعه لا للصائم ولا لغيره لعموم قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم" ولهذا يجب على الإنسان أن يلاحظ الدم الذي يخرج من ضرسه إذا قلعه في أثناء الصوم أو قلعه في الليل واستمر يخرج منه الدم ألا يبتلع هذا الدم لأنه يفطره وهو أيضاً حرام

ويكره أن يذوق طعاماً كالتمر والخبز والمرق إلا إذا كان لحاجة فلا بأس ووجه هذا أنه ربما نزل شيء من هذا الطعام إلى الجوف من غير أن يشعر به فيكون في ذوقه لهذا الطعام تعرض لفساد الصوم وأيضاً ربما يكون مشتهي الطعام كثيراً ثم يتذوقه لأجل أن يتلذذ به وربما يمتص بقوه ثم ينزل إلى جوفه

والحاجة مثل أن يكون طباخاً يحتاج لينظر ملحه أو حلاوته أو ما أشبه ذلك

والقبلة تنقسم إلى قسمين قسم جائز وقسم محرم والقسم الجائز صورتان

الصورة الأولى: ألا تحرك القبلة شهوته إطلاقاً مثل تقبيل الإنسان أولاده الصغار أو تقبيل القادم من السفر أو ما أشبه ذلك فهذه لا تؤثر ولا حكم لها لأن الأصل الحل

الصورة الثانية: أن تتحرك الشهوة ولكنه يأمن من إفساد الصوم بالإنزال فهذه لا بأس بها لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه " أخرجه البخاري

وأخرج مسلم عن عمرو بن سلمه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيقبل الصائم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه لأم سلمه فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك " وهذا يدل على أنها جائزة سواء حركت الشهوة أم لم تحرك

ويروى عن ابن عباس أنه قال: ما أبالي قبلت امرأتي أم شممت ريحاناً " وشم الريحان لا يفطر لكنه ينعش النفس ويسرها وتقبيل الزوجة كذلك يسر وينعش الإنسان لكن ليس جماعاً ولا إنزالا

القسم الثاني: أن يخشى من فساد الصوم بالإنزال فهذه تحرم إذا ظن الإنزال بأن يكون شاباً قوي الشهوة شديد المحبة لأهله فهذا لا شك أنه على خطر إذا قبل زوجته في هذه الحال فمثل هذا نقول يحرم عليه أن يقبل لأنه يعرض صومه للفساد وهذا من باب قاعدة درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة

أما غير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه فنقول حكمها حكم القبلة ولا فرق

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -19

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر