الدرس الثامن والسبعون: الحجامة في الصيام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 21 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 2004 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الحجامة تفطر على رأي أحمد بن حنبل حيث تفرد بذلك مستدلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر الحاجم والمحجوم . أخرجه أحمد وصححه البخاري تبعاً لابن المديني

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في حقيقة الصيام ص 81،84 أما المحجوم فالحكمة هو أنه إذا خرج منه الدم أصاب بدنه الضعف الذي يحتاج معه غذاء لترتد عليه قوته وأما الحكمة بالنسبة للحاجم أنه عادة يمص قارورة الحجامة وإذا مصها فإنه سوف يصعد الدم إلى فمه وربما من شدة الشفط ينزل الدم إلى بطنه من حيث لا يشعر وهذا يكون شرباً للدم فيكون بذلك مفطراً ويقول هذا هو الغالب ولا عبرة بالنادر

وقوارير الحجامة هي عبارة عن قارورة من حديد يكون فيها قناة دقيقة يمصها الحاجم ويكون في فمه قطنه إذا مصها سدها بهذه القطنه لأنه إذا مصها تفرغ الهواء وإذا تفرغ الهواء فلا بد أن يجذب الدم وإذا جذب الدم امتلأت القارورة ثم سقطت وما دامت لم تمتلئ فهي باقية والحكمة إذا كانت غير منضبة فإنه يؤخذ بعمومها ولهذا قال لو أنه حجم بآلات منفصلة لا تحتاج إلى مص فإنه لا يفطر بذلك

ومفتي المملكة سابقاً الشيخ عبد العزيز بن باز يأخذ بظاهر النص أفطر الحاجم والمحجوم وهذا هو الصحيح إذ لا مناص لنا عن النص

وكذا لو أرعف نفسه حتى خرج الدم من أنفه بأن تعمد ذلك حتى يخف رأسه فإنه يفطر بذلك أما لو استاك وأدمت لثته ولو حك جلده حتى خرج الدم ولو قلع ضرسه حتى خرج الدم ولو رعف بدون اختياره فكل ذلك لا يفسد الصوم

ولفساد الصوم ثلاثة شروط

الشرط الأول: أن يكون عامداً وضده غير العامد مثل أن يطير إلى فمه غبار أو دخان أو حشرة بغير قصد فلا يفطر والدليل على ذلك قول الله تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم " وهذا لم يتعمد قلبه فعل المفسد فيكون صومه صحيحاً

الشرط الثاني: أن يكون ذاكراً وضده الناسي ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه . رواه البخاري

ولدينا دليل عام وهو قاعدة شرعية من أقوى القواعد الشرعية وهي قوله تعالى:" ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا " سورة البقرة فقال الله تعالى قد فعلت

فصار في النسيان دليلان عام وخاص وإذا اجتمع في المسألة دليلان عام وخاص الأولى أن نستدل بالخاص لأننا إذا استدللنا بالعام لدلالة الكتاب والسنة عليه فتكون شروط المفطرات ثلاث العلم والذكر والعمد

وضد العلم الجهل والجهل ينقسم إلى قسمين

القسم الأول: جهل بالحكم الشرعي أي لا يدري أن هذا حرام

القسم الثاني: جهل بالحال أي لا يدري أنه في حال يحرم عليه الأكل والشرب وكلاهما عذر والدليل بذلك قوله تعالى: ربنا لا تؤخذنا إن نسينا أو أخطأنا" وإذا انتفت المؤاخذة انتفى ما يترتب عليها وهذا عام

ولو طار إلى حلقه ذباب بغير قصد فإنه لا يفطر لكن لو كان إلى أقصى الفم فإنه يمكن أن يخرجه إنما لو ذهب إلى الحلق فلا يمكن أن يخرجه وربما لو حاول إخراجه تقيأ لذلك يعفى عنه وكذلك إذا طار غبار فإنه لا يفطر لعدم القصد ولا يقال للعامل الذي يعمل في التراب لا تعمل وأنت صائم

ولو فكر في الجماع فأنزل سواء كان ذا زوجة ففكر في جماع زوجته أو لم يكن ذا زوجة ففكر في الجماع عموماً فأنزل فإنه لا يفسد صومه بذلك والدليل قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم. أخرجه البخاري

وهذا لم يعمل ولم يتكلم إنما حدث نفسه وفكر فأنزل

لكن لو حصل منه عمل فإنه يفطر بأن دلك الأرض حتى أنزل أو حرك ذكره حتى أنزل أو قبل زوجته حتى أنزل أو ما أشبه ذلك فإنه يفطر

ومن أحتلم فإنه لا يفطر حتى لو نام على تفكير واحتلم في أثناء النوم لأن النائم غير قاصد وقد رفع عنه القلم وأحياناً يستيقظ الإنسان حينما يتحرك الماء الدافق فلا يلزمه أن يمسكه لأنه انتقل من محله ولا يمكن رده لأن حبسه بالضغط على الذكر مضر كما لو تحركت معدته ليتقيأ فإنه لا يلزمه أن يحبسها لما في ذلك من الضرر

ومن أصبح في فيه طعام فلفظه فإنه لا يفسد صومه لأنه لم يبتلع طعاماً بعد طلوع الفجر ويتصور ذلك إذا كان الإنسان مثلاً يأكل تمراً وصار في أقصى فمه شيء من التمر ولم يحس به إلا بعد طلوع الفجر ففي هذا الحال يلفظه وصومه صحيح ولا بأس

ومن اغتسل فدخل الماء إلى حلقه فإنه لا يفطر بذلك لعدم القصد ولو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه حتى وصل إلى معدته فإنه لا يفطر لعدم القصد

ولو استنشق الماء في الوضوء مثلاً ثم نزل الماء إلى حلقه فمعدته فإنه لا يفطر لعدم القصد

ومن زاد على الثلاث في المضمضة أو الاستنشاق فدخل الماء إلى حلقه فإنه لا يفسد صومه وقلت زاد على الثلاث لأن الثلاث في المضمضة والاستنشاق مشروع ومأذون فيه

والقاعدة عند العلماء أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون فإذا تمضمض الأولى والثانية والثالثة فنزل الماء إلى بطنه فإنه لا يفطر بذلك لأنه لم يفعل إلا شيئاً مشروعاً وهذا ترتب على شيء مشروع فلا يضر والزيادة على الثلاث في الوضوء إما محرمة أو مكروهة كراهية شديدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم. أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر

فأدنى أحوالها أنها مكروهة فإذا زاد عليها ووصل الماء إلى بطنه فإنه مع أنه مكروه للصائم أن يبالغ فيها ودخل الماء إلى بطنه فإنه لا يفطر بذلك لعدم القصد ولو أنه يبس فمه كما يوجد في أيام الصيف ومع بعض الناس بحيث يكون ريقه قليلاً ينشف فمه فيتمضمض من أجل أن يبتل فمه فإنه لا يفطر لعدم القصد أو تغرغر بالماء ونزل إلى بطنه فلا يفطر بذلك لأنه غير مقصود فلم يقصد الإنسان أن ينزل الماء إلى بطنه وإنما أراد أن يبل فمه ونزل الماء بغير قصد

ويتفرع على هذا أنه يجوز للصائم أن يستعمل الفرشة والمعجون لكن الأولى ألا يستعملها لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق وبدلاً من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل

ومن أكل شاكاً في طلوع الفجر صح صومه لأن الله سبحانه وتعالى قال : الآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " سورة البقرة آية 187

فمن أكل أو شرب شاكاً في طلوع الفجر ثم اتضح له طلوع الفجر فيما بعد فصومه صحيح لأنه معذور بالجهل فهو جاهل طلوع الفجر ومن أكل شاكاً في غروب الشمس ثم تبين له أنها لم تغرب فلا قضاء عليه وبه قال المزي من الشافعية واختاره شيخ الإٍسلام ابن تيمية والدليل على الجهل بالحال ثبت في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس "فأفطروا في النهار بناء على أن الشمس قد غربت فهم جاهلون لا بالحكم الشرعي ولكن بالحال لم يظنوا أن الوقت في النهار ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ولو كان القضاء واجب لكانا من شريعة الله ولكان محفوظ ولما لم يحفظ ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصل براءة الذمة وعدم القضاء ولكن من أفطر قبل أن تغرب الشمس إذا تبين أن الشمس لم تغرب يجب عليه الإمساك لأنه أفطر بناء على سبب ثم تبين عدمه إذا من أكل السحور يعتقد أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع فلا قضاء عليه ومن أكل يعتقد أن الشمس غربت ثم تبين أنها لم تغرب لا يلزمه القضاء

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -19

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر