الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدُ:
قوله : قال تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ " (التوبة 24)
هذه الآية فيها أن من قدم محبة هذه الأشياء على محبة الله فإنه متوعد بهذا الوعيد ؛ لذا قال تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ " (آبَاؤُكُمْ ) اسم كان مرفوع ، وخبر كان " أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " ، والخطاب في قوله: "قل" للرسول والمخاطب في قوله: "آباؤكم" الأمة، والأمر في قوله: " فتربصوا" يراد به التهديد: أي: انتظروا عقاب الله، ولهذا قال:" حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ "، بإهلاك هؤلاء المؤثرين لمحبة هؤلاء الأصناف الثمانية، على محبة الله ورسوله، وجهاد في سبيله وهو تنبيه على أن من فعل ذلك فهو من الفاسقين، فهذا تشديد ووعيد عظيم، ولا يخلص منه إلا من صح إيمانه فخلص لله سره وإعلانه.
ومن هنا نعرف أن الإنسان إذا كان يهمل أوامر الله لأوامر والده فهو يحب أباه أكثر من ربه ، وما في القلوب لا يعلمها إلا الله لكن له شاهد في الجوارح ، فالجوارح مرآة القلب ، والمحبة في القلب ولا يستطيع الإنسان أن يملكها .
قول المصنف :"عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن وَلَدِهِ ووَالَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ. "أخرجاه ،أي البخاري ومسلم واللفظ لمسلم
قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن": فالمنفي في هذا الحديث هو كمال الإيمان الواجب إلا إذا خلا القلب من محبة الرسول إطلاقا فلا شك أن هذا نفي لأصل الإيمان.
قوله عليه السلام : "من ولده": يشمل الذكر والأنثى، وبدأ بمحبة الولد ؛ لأن تعلق القلب به أشد من تعلقه بأبيه غالبا.
وقوله: "ووالده": يشمل أباه، وجده وإن علا، وأمه، وجدته وإن علت.
وقوله: "والناس أجمعين": يشمل إخوته وأعمامه وأبناءهم وأصحابه ونفسه لأنه من الناس فلا يتم الإيمان حتى يكون الرسول أحب إليه من جميع المخلوقين ، وإذا كان هذا في محبة رسول الله فكيف بمحبة الله تعالى؟ لا شك أن محبة الله أعلى وأشد ، والرسول صلى الله عليه وسلم سبب هدايتك والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ليدلك على الطريق المستقيم هو الله سبحانه ، "وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ "(الأعراف 43) ، إضافة إلى أن الله سبحانه هو الذي يسر لنا الهداية ومنحنا العقول لنفكر ونتأمل وقبل هذا هو الذي أوجدنا وخلقنا وجعلنا مسلمين وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/4/14 هـ