الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
إن الدعوة إلى الله من أعظم المهمات ، وكل مجتمع من الناس في أشد الحاجة إليها سواء كان مجتمعا مسلما أم مجتمعا كافرا فالمجتمع المسلم في حاجة إلى مزيد من العلم وإلى التنبيه إلى ما يقع منه من أغلاط أو منكرات حتي يستقيم على طاعة الله ورسوله وحتى ينتهي عما نهى الله ورسوله ، والداعي إلى الله تلزمه أمور لا بد من مراعاتها حتى تكون دعوته ناجحة ، فأعظمها وأهمها:
العلم، والعلمُ يؤخذ من كتاب الله، العظيم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف 108)
ثم أمر آخر: وهو أن يكون رفيقا في دعوته وألا يعجل في ذلك حتى يضع الأمور في مواضعها. فإن كان المدعو ممن يفهم العلم ويمكن أن يستجيب من دون حاجة إلى موعظة أو جدال وضَّح له الحقَّ وأرشد إليه بالأدلة الشرعية والكلام الطيب والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع وحصل المطلوب، وإن كان ممن لديه جفاء وإعراض وغفلة وعدم مبالاة، نصح ووعظ بالتي هي أحسن وذكر بالله لعله يستجيب ويقبل الحق، فإن كان ذا شبهة ومجادلة رفق به وجادله بالتي هي أحسن حتى يزيل شبهته ويوضح له الحق الذي أشكل عليه وحتى لا تبقى شبهة يتشبث بها في ترك الحق أو في الاستمرار على الباطل.
ومما يلزم الداعي إلى الله عز وجل الإخلاصُ لله، وأن يحذر الرياءَ، وأن يكون في دعوته يقصد وجهَ الله والدارَ الآخرة لا رياء الناس ولا مدحهم أو قصد عرض في الدنيا، فالمؤمن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة ولهذا قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)
وهناك شيء آخر: وهو تحري الألفاظ المناسبة والرفق في الكلام وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها كما قال عز وجل: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125) فلا بد من العناية بالرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في الشيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (قلت: ورد الحديث في صحيح مسلم) »، وقال عليه الصلاة والسلام: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله » (قلت: ورد الحديث في صحيح الجامع).
* المرأة كالرجل عليها واجبُها في الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأدلة من القرآن والسنة تعم الجميع إلا ما خصه الدليل، وكلامُ أهل العلم واضح في ذلك، ومن أدلة القرآن قولُه تعالى:"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ "(التوبة71) ، فعليها أن تدعو إلى الله بالآداب الشرعية التي تطلب من الرجل ، وعليها مع ذلك الصبر والاحتساب لقوله:"وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ "(الأنفال 46)، وعليها أن تراعي أمرا آخر وهو أن تكون مثالا في العفة والحجاب والعمل الصالح، وأن تبتعد عن التبرج والاختلاط بالرجال المنهي عنه - حتى تكون دعوتها بالقول والعمل عن كل ما حرم الله عليها.
* تهيئة الفرصة أمام المرأة الداعية إلى الله سبحانه لا أعلم مانعا في ذلك، متى وجدت المرأة الصالحة للقيام بالدعوة إلى الله سبحانه، فينبغي أن تعانَ، وأن توظفَ، وأن يطلب منها أن تقوم بإرشاد بنات جنسها؛ لأن النساء في حاجة إلى مرشدات من بنات جنسهن، وإن وجود المرأة بين النساء قد يكون أنفع في تبليغ الدعوة إلى طريق الحق من الرجل. فقد تستحي المرأة من الرجل فلا تبدي له كل ما يهمها، وقد يمنعها مانع في سماع الدعوة من الرجل، لكنها مع المرأة الداعية بخلاف ذلك؛ لأنها تخالطها وتعرض ما عندها وتتأثر بها أكثر.
فالواجب على من لديها علم من النساء أن تقوم بالواجب نحو الدعوة والتوجيه إلى الخير حسب طاقتها لقول الله عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125) وقولهِ عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف 108) الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة وهي تعمَّ الرجالَ والنساءَ.
- الواجب على الآمر والناهي أن يكون على بصيرة وعلى علم سواء كان رجلا أو امرأة وإلا فليمسك عن ذلك، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف 108) فقولُه تعالى (عَلَى بَصِيرَةٍ) أي على علم، ويقول جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل 125) والحكمة هي العلم والدعوة إلى الله من جنس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنها بيان للحق وإظهاره للناس، والآمرُ بالمعروف والناهي قد يكون عنده من السلطة ما يردع بها صاحب المنكر ويلزم بها من ترك المعروف الواجب، والدعوة إلى الله أوسع من ذلك وهي البيان للناس وإرشادهم إلى الحق.
- وبالله التوفيق