الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد؛
المشروع لمن أراد أن يحفظ القرآن الكريم أن يجتهد في حفظ ما تيسر من كتاب الله ، وأن يقرأ على بعض الإخوة الطيبين في المدارس أو في المساجد أو في البيت ، حتى يصححوا له قراءته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه " رواه البخاري في صحيحه (قلت : أخرجه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه) ، فخيار الناس هم أهل القرآن الذين تعلموه وعلموه الناس ، وعملوا به.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه :" أيحبُّ أحدكم أن يذهب إلى بُطحانَ فيأتي بناقتينِ عظيمتين بغيرِ إثمٍ ولا قطيعِة رحمٍ فقالوا يا رسولَ اللَّهِ كلُّنا يحب ذلك فقالَ عليه الصلاة والسلام :لَأن يغدوَ أحدُكم إلى المسجدِ فيتعلَّمَ آيتينِ من كتابِ اللَّهِ خيرٌ لَه من ناقتينِ عظيمتين وثلاثٌ خير من ثلاثٍ وأربعٌ خيرٌ من أربع ومن أعدادِهنَّ منَ الإبلِ" (قلت: أخرجه مسلم عن عقبة بن عامر بهذا اللفظ "خَرَجَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَنَحْنُ في الصُّفَّةِ، فَقالَ: أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطْحَانَ، أَوْ إلى العَقِيقِ، فَيَأْتِيَ منه بنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ في غيرِ إثْمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟ فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، نُحِبُّ ذلكَ، قالَ: أَفلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ له مِن نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ له مِن ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ له مِن أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ.")
وهذا يبين لنا فضل تعلم القرآن الكريم ، أما ما يعرض لك من النسيان فلا حرج عليك في ذلك ، فكل إنسان ينسى ، كما قال عليه الصلاة والسلام " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون "(قلت: أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود بهذا اللفظ:"إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي") ، فالإنسان قد ينسى بعض الآيات ثم يذكر ، أو يذكره غيره ، والأفضل أن يقول ( نُسِّيت ) بضم النون وتشديد السين ، أو : أُنسيت ،لما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :لا يقولنَّ أحدكم نسيت آية كذا بل هو نُسّي" يعني أنساه الشيطان .(قلت:الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بهذا اللفظ :" بِئْسَ ما لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وكَيْتَ، بَلْ نُسِّيَ " ) .
أما حديث " من حفظ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم " فهو حديث ضعيف عند أهل العلم لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .(قلت: ضعفه شعيب الأرناؤوط في تخريج سنن أبي داود وقد جاء بلفظ "ما مِن امرِئٍ يَقرَأُ القُرآنَ ثمَّ ينساه، إلَّا لَقِيَ اللهَ يومَ القيامةِ أَجْذَمَ" ، كذا ضعفه الألباني في ضعيف الجامع بلفظ "وما من أحدٍ يتعلَّمُ القرآنَ ثم نسِيَه إلا لقِيَ اللهَ عزَّ وجلَّ أجذمَ")
وإذا أردت حفظ القرآن، فنوصيك بالعناية بالحفظ والإقبال على ذلك واختيار الأوقات المناسبة للحفظ كآخر الليل أو بعد صلاة الفجر أو في أثناء الليل أو في بقية الأوقات التي تكون فيها مرتاح النفس حتى تستطيع الحفظ ، كما نوصيك باختيار الزميل الطيب الذي يساعدك ويعينك على الحفظ والمذاكرة ، مع سؤال الله التوفيق والإعانة والتضرع إليه أن يعينك ، وأن يوفقك ، وأن يعيذك من أسباب التعويق ومن استعان بالله صادقاً أعانه الله ويسر أمره .
لم يرد دليل على تعيين دعاء معين عند ختم القرآن ، ولذلك يجوز للإنسان أن يدعو بما شاء ، ويتخير من الأدعية النافعة ، كطلب المغفرة من الذنوب والفوز بالجنة والنجاة من النار والاستعاذة من الفتن وطلب التوفيق لفهم القرآن الكريم على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى والعمل به وحفظه ونحو ذلك ، لأنه ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه كان يجمع أهله عند ختم القرآن ويدعو ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عنه شيء في ذلك .
أما الدعاء المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فلا أعلم صحة هذه النسبة إليه ، ولكنها مشهورة بين مشائخنا وغيرهم ، لكنني لم أقف على ذلك في شيء من كتبه .
لقد شرع الله لعباده التوبة من جميع الذنوب ، قال الله تعالى "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " النور 31 ، وقال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا تُوبوا إلى الله تَوْبَة نَصُوحَاً " التحريم 8 ، وقال جل وعلا " وإني لغفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وآمن وعَمِلَ صَالِحاً ثم اهتدى " طه 82 ، وقال صلى الله عليه وسلم "التائب من الذنب كمن لا ذنب له "(قلت الحديث أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وحسنه الألباني)
فمن اقترف شيئاً من المعاصي فعليه أن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم الصادق ألا يعود في ذلك ، تعظيماً لله سبحانه ، وإخلاصاً له ، وحذراً من عقابه والله يتوب على التائبين ، فمن صدق في التوجه إلى الله عز وجل وندم على ما مضى وعزم عزماً صادقاً أن لا يعود وأقلع منها تعظيماً لله وخوفاً منه فإن الله يتوب عليه ويمحو عنه ما مضى من الذنوب فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى ، ولكن إذا كانت المعصية ظلماً للعباد فهذا يحتاج إلى أداء الحق ، فعليه التوبة مما وقع بالندم ، والإقلاع ، والعزم أن لا يعود ، وعليه مع ذلك أداء الحق لمستحقيه أو بتحلله من ذلك ، كأن يقول لصاحب الحق سامحني يا أخي أو اعف عني ، أو يعطيه حقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمِّل عليه"،رواه البخاري في صحيحه . (قلت : الحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة بلفظ" مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه.")
فالواجب على المؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه ، بأن يرد إليه أو يتحلله منه ، وإن كان عِرْضاً فلابد من تحلله منه أيضاً إن استطاع ، فإن لم يستطع أو خاف من مغبة ذلك كأن يترتب على إخباره شر أكثر فإنه يستغفر له ويدعو له ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه بدلاً مما ذكره عنه من السوء في المجالس التي اغتابه فيها ليغسل السيئات الأولى بالحسنات الآخرة .
من تابت إلى الله سبحانه وندمت على ما فعلته من أسباب الانتحار فإنه يرجى لها المغفرة ، والتوبة تجب ما قبلها ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا تصدقت عنها أو استغفرت لها ودعوت لها يكون ذلك حسناً ، وذلك ينفعها وتؤجر عليه أنت ، وما نذرته من الطاعات فعليك أن توفي به ، لأن الله سبحانه مدح الموفين بالنذور في قوله عز وجل في مدح الأبرار " يُوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً " (الإنسان 7) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه " رواه الإمام البخاري في صحيحه ، (قلت : أخرجه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بهذا اللفظ " من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه " ).
وبالله التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم