الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد ؛
لا حرج أن يقول الإنسان لأخيه إذا أحسن إليه شكراً لك أو شكر الله عملك أو أنت مشكور أو ما أشبه هذه الألفاظ ، لقول الله سبحانه " ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير " لقمان 14 ، فأمر سبحانه الولد أن يشكر ربه ويشكر والديه ، فدلَّ ذلك على مشروعية شكر الله سبحانه وشكر المحسن من الناس ، وثبت عن النبي أنه قال " لا يشكر الله من لا يشكر الناس "(قلت الحديث أخرجه أبو داود عن أبي هريرة وصححه الألباني) ، وصح عنه عليه السلام أنه قال " من صنع إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه " أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد جيد ،(قلت: الحديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمر وصححه الألباني ولفظه"ومن أتى إليكم معروفًا فكافِئوه فإن لم تجدوا فادعوا لهُ حتى تعلموا أن قد كافأتموهُ").
وشكر المحسن من جنس الدعاء .أما قول :( أبارك) ، فإن كان المراد الدعاء له بالبركة فلا بأس ،
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زار بعض أصحابه فأكل عندهم طعاماً فلما أراد الخروج قالت زوجة صاحبِ البيت : يا رسول الله ادع لنا ، فقال عليه الصلاة والسلام : اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم . (قلت: الحديث ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن بسر قال:"نَزَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى أَبِي، قالَ: فَقَرَّبْنَا إلَيْهِ طَعَامًا وَوَطْبَةً، فأكَلَ منها، ثُمَّ أُتِيَ بتَمْرٍ فَكانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بيْنَ إصْبَعَيْهِ، وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى، قالَ شُعْبَةُ: هو ظَنِّي وَهو فيه إنْ شَاءَ اللَّهُ إلْقَاءُ النَّوَى بيْنَ الإصْبَعَيْنِ، ثُمَّ أُتِيَ بشَرَابٍ فَشَرِبَهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الذي عن يَمِينِهِ، قالَ: فَقالَ أَبِي، وَأَخَذَ بلِجَامِ دَابَّتِهِ،: ادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَقالَ: اللَّهُمَّ، بَارِكْ لهمْ في ما رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لهمْ وَارْحَمْهُمْ.")
* لا شك أن السحر موجود ، وبعضه تخييل ، وأنه يقع ويؤثر بإذن الله عز وجل ، كما قال الله سبحانه وتعالى في حق السحرة " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله " البقرة 102 ، فالسحر له تأثير ، ولكنه بإذن الله الكوني القدري ، إذ ما في الوجود من شيء إلا بقضاء الله وقدره سبحانه وتعالى ، ولكن هذا السحر له علاج وله دواء ، وقد وقع على النبي فخلصه الله منه وأنجاه من شره ، ووجدوا ما فعله الساحر ، فأُخذ وأُتلف ، فأبرأ الله نبيه من ذلك عليه الصلاة والسلام ، وهكذا إذا وُجد ما فعله الساحر من تعقيد الخيوط أو ربط المسامير بعضها ببعض أو غير ذلك فإن ذلك يُتلف ، لأن السحرة من شأنهم أن ينفثوا في العقد ويضربوا عليها لمقاصدهم الخبيثة ، فقد يتم ما أرادوا بإذن الله ، وقد يبطل ، فربنا على كل شيء قدير ، وتارة يُعالج السحر بالقراءة سواء كان ذلك بقراءة المسحور نفسه ، إذا كان عقله سليماً ، وتارة بقراءة غيره عليه ، فينفث عليه في صدره أو في أي عضو من أعضائه ويقرأ عليه الفاتحة ، وآية الكرسي ، و ( قل هو الله أحد ) والمعوذتين ، وآيات السحر المعروفة من سورة الأعراف ، وسورة يونس ، وسورة طه .
فمن سورة الأعراف قوله تعالى " وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون * فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون " الأعراف 117 ، 118 .
ومن سورة يونس قوله سبحانه " وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم * فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون * فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون " يونس 79 - 82 .
ومن سورة طه قوله سبحانه " قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " طه 65 - 69 .
ويقرأ أيضا سورة " قل يا أيها الكافرون " إلى آخرها ، وسورة " قل هو الله أحد " و " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ، والأولى أن يكرر سورة قل هو الله أحد والمعوذتين ثلاث مرات ، ثم يدعو له بالشفاء :اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاء لا يغادر سقما ، ويكرر هذا ثلاثا ، وهكذا يرقيه بقوله : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك ، ويكررها ثلاثا ويدعو له بالشفاء والعافية وإن قال في رقيته : أعيذك بكلمات الله التامات من شر ما خلق وكررها ثلاثاً فحسن ، كل هذا من الدواء المفيد ، وإن قرأ هذه الرقية والدعاء في ماء ثم شرب منه المسحور واغتسل بباقيه كان هذا من أسباب الشفاء والعافية بإذن الله ، وإن جعل في الماء سبع ورقات من السدر الأخضر بعد دقها كان هذا أيضاً من أسباب الشفاء ، وقد جُرِّبَ هذا كثيراً ونفع الله به .
فهذا دواء مفيد ونافع للمسحورين وهكذا ينفع هذا الدواء لمن حُبس عن زوجته ، لأن بعض الناس قد يُحبس عن زوجته فلا يستطيع جماعها ، فإذا استعمل هذه الرقية وهذا الدعاء نفعه بإذن الله ، وهذه من الأسباب ، والله سبحانه وتعالى هو الشافي وحده ، وهو على كل شيء قدير ، بيده جل وعلا الدواء والداء ، وكل شيء بقضائه وقدره سبحانه ، وقد صح عن رسول الله أنه قال " ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله " ، (قلت : ورد الحديث في صحيح البخاري بلفظ "ما أنْزَلَ اللَّهُ داءً إلَّا أنْزَلَ له شِفاءً." وأخرجه أحمد في المسند وابن ماجه وصححه البوصيري في زوائده والحاكم ووافقه الذهبي بلفظ :"إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله")، وهذا فضل منه سبحانه وتعالى.
قد أجمع المسلمون قاطبة على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم معصومون من الخطأ فيما يبلغونه عن الله عز وجل من أحكام ، كما قال عز وجل " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى " النجم 1 - 5 ، فنبينا محمد معصوم في كل ما يبلغ عن الله من الشرائع قولاً وعملاً وتقريراً ، هذا لا نزاع فيه بين أهل العلم ، وقد ذهب جمهور أهل العلم أيضاً إلى أنه معصوم من المعاصي الكبائر دون الصغائر ، وقد تقع منه الصغيرة لكن لا يقر عليها ، بل ينبه عليها فيتركها ، أما من أمور الدنيا فقد يقع الخطأ ثم ينبه على ذلك ، كما وقع من النبي لما مر على جماعة يلقحون النخل فقال ما أظنه يضره لو تركتموه فلما تركوه صار شيصاً ، فأخبروه فقال عليه الصلاة والسلام " إنما قلت ذلك ظناً مني وأنتم أعلم بأمر دنياكم أما ما أخبركم به عن الله عز وجل فإني لم أكذب على الله " رواه مسلم في الصحيح ، (قلت الحديث أخرجه مسلم عن عبد الله بن أنس بلفظ "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَرَّ بقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ، فَقالَ: لو لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بهِمْ فَقالَ: ما لِنَخْلِكُمْ قالوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا، قالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بأَمْرِ دُنْيَاكُمْ.")فبيَّن عليه الصلاة والسلام أن الناس أعلم بأمور دنياهم كيف يلقحون النخل وكيف يغرسون وكيف يبذرون ويحصدون .
فقول من قال : إن النبي يخطئ فهذا قول باطل ، ولابد من التفصيل كما ذكرنا ، وقول مالك رحمه الله : ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ، قول صحيح تلقاه العلماء بالقبول ، ومالك رحمه الله من أفضل علماء المسلمين ، وهو إمام دار الهجرة في زمانه في القرن الثاني ، فكل واحد من أفراد العلماء يرد ويرد عليه ، أما الرسول فهو لا يقول إلا الحق ، فليس يُرد عليه ، بل كلامه كله حق فيما يبلغ عن الله تعالى ، وفيما يخبر به جازماً به أو يأمر به أو يدعو إليه .
أما حديث الذباب فهو حديث صحيح رواه البخاري في صحيحه ، وقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم جازماً به ، فقال عليه الصلاة والسلام " إِذَا وقَعَ الذُّبَابُ في شَرَابِ أحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ؛ فإنَّ في إحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، والأُخْرَى شِفَاءً." ، وله شواهد من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس بن مالك ، وكلها صحيحة ، وقد تلقتها الأمة بالقبول ومن طعن فيها فهو غالط وجاهل لا يجوز أن يعول عليه في ذلك ، ومن قال إنه من أمور الدنيا وتعلق بحديث أنتم أعلم بشئون دنياكم ، فقد غلط ، لأن الرسول جزم بهذا ورتب عليه حكماً شرعياً ولا قال أظن ، بل جزم وأمر ، وهذا فيه تشريع من الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه قال " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه " ، فهذا أمر من الرسول وتشريع للأمة ، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، صلى الله عليه وسلم .
والله ولي التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم