الدرس 237 ج 5  حكم مصافحة النساء من وراء حائل

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 29 جمادى الأولى 1446هـ | عدد الزيارات: 21 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد ؛

لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كنَّ شابات أم عجائز ، وسواء كان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صحَّ عن رسول الله أنه قال "إني لا أصافح النساء"، (قلت: رواه النسائي عن أميمة بنت رقيقة وصححه الألباني)، وقالت عائشة رضي الله عنها " ما مسَّت يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام " (قلت: أخرجه مسلم عن أم المؤمنين عائشة بهذا اللفظ "وَما مَسَّتْ كَفُّ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ، وَكانَ يقولُ لهنَّ إذَا أَخَذَ عليهنَّ: قدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا.")، ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة.

* ما فعله التلفزيون السويسري في عام 1400هـ حينما عرض فيلما عن الإسلام والمسلمين في مصر يشتمل على مشاهد ليست من الإسلام إذ عرض ما يجري عند الأضرحة وفي حفلات المزار ومولد البدوي وغيرها من الأمور المبتدعة لتشويه صورة الإسلام وإظهاره على غير حقيقته إنما هو جزء من الحرب الدائرة المستمرة بين المسلمين والكافرين ، وقد أخبر الله عن ذلك في كتابه الكريم حيث قال " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " البقرة 217 ، وقال تعالى " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"البقرة 120 .

وعندما يعمل التلفزيون السويسري النصراني هذا العمل إنما يريد به الصد عن دين الله ، ومنع الناس من الدخول فيه أو الاستماع إلى من يدعوهم إليه ، ولكنهم بإذن الله خائبون خاسرون ، قال تعالى " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " الصف 8 ، وليس العجب من جرأة أعداء الإسلام على النيل منه وتزوير الحقائق وتضليل الناس ، فتلك طبيعة الأعداء في حربهم للمسلمين ومحاولتهم لمنع دخول الناس في الإسلام ، ولكن العجب من المسلمين وولاتهم الذين يستقبلونهم في بلدانهم ويهيئون لهم من الوسائل ما يعينهم على تحقيق مآربهم وتنفيذ مخططاتهم ، ولعل ما حصل من بعض المسئولين في القاهرة كشيخ الأزهر والمفتي وغيرهما إنما ظناً منهم أن أولئك سيعرفون بالإسلام حقيقة ، وسيقتصرون على نشر اللقاءات التي تمت معهم دون غيرها ، ومع ذلك فإنني أنصح ولاة أمور المسلمين عامة وأهل الحل والعقد فيهم خاصة من الرؤساء والأمراء والعلماء وغيرهم أن يكونوا على حذر في معاملتهم مع أعداء الإسلام الذين يتسللون إلى صفوف المسلمين باسم الصحافة أو الاستشراق أو غيرهما ، وأن يكونوا متيقظين لكل مؤامراتهم ومكائدهم ، وأن لا يسهلوا لهم القيام بمهماتهم في بلاد المسلمين أو يتعاونوا معهم لإنجاحها ، فكثيراً ما يُرى النصارى وغيرهم يحملون آلات التصوير ويقصدون المناظر القديمة والمشوهة في بلاد المسلمين فيصورونها ويعلقون عليها ما يشاءون وينشرونها في بلدانهم زاعمين أن هذا حال المسلمين وأن الإسلام يجعل أهله على تلك الصورة .
ولهذا ينبغي أن لا تُستجاب طلبات أولئك إلا بعد دراستها دراسة وافية ، ومعرفة أبعادها ونتائجها والتأكد من خلوها مما يلحق الضرر بالإسلام والمسلمين.

*إن من المشروع للمسلم بالنسبة إلى غير المسلم أموراً متعددة ، منها الدعوة إلى الله عز وجل بأن يدعوه إلى الله ويبين له حقيقة الإسلام ، حيث أمكنه ذلك وحيث كانت لديه البصيرة ، لأن هذا هو أعظم الإحسان ، الذي يهديه المسلم إلى مُواطنه وإلى من اجتمع به من اليهود أو النصارى أو غيرهم من المشركين لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله " رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر وأمره أن يدعو إلى الإسلام قال "فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لكَ مِن أَنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ. " متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام "مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا. " رواه مسلم في صحيحه ، فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام ونصيحته في ذلك من أهم المهمات ومن أفضل القربات .

ثانياً : لا يجوز أن يظلمه في نفس ولا في مال ولا في عرض إذا كان ذمياً أو مستأمناً أو معاهداً فإنه يؤدي إليه الحق فلا يظلمه في ماله لا بالسرقة ولا بالخيانة ولا بالغش ولا يظلمه في بدنه لا بضرب ولا بغيره ، لأن كونه معاهداً أو ذمياً في البلد أو مستأمناً يعصمه .
ثالثاً : لا مانع من معاملته في البيع والشراء والتأجير ونحو ذلك ، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من الكفار عُبَّاد الأوثان ، واشترى من اليهود وهذه معاملة وقد تُوفي عليه الصلاة والسلام ، ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله .(قلت : ورد الحديث في صحيح البخاري ، ونصه "تُوُفِّيَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بثَلَاثِينَ صَاعًا مِن شَعِيرٍ. وقالَ يَعْلَى، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ: دِرْعٌ مِن حَدِيدٍ، وقالَ مُعَلًّى، حَدَّثَنَا عبدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأعْمَشُ، وقالَ: رَهَنَهُ دِرْعًا مِن حَدِيدٍ.")

رابعاً : في السلام ، لا يبدأه بالسلام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تَبْدَؤُوا اليَهُودَ ولا النَّصارَى بالسَّلامِ، " خرَّجه مسلم في صحيحه ، وقال " إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم " ، فالمسلم لا يبدأ الكافر بالسلام ، ولكن يرد عليه بقوله : (وعليكم) ، هذا من الحقوق المتعلقة بين المسلم والكافر ، ومن ذلك أيضاً حسن الجوار إذا كان جاراً تحسن إليه ولا تؤذيه في جواره ، وتتصدق عليه إذا كان فقيراً تهدي إليه وتنصح له فيما ينفعه ، لأن هذا مما يسبب رغبته في الإسلام ودخوله فيه ، ولأن الجار له حق ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مازال جبريل يوصيني بالجار حتى طننت أنه سيورثه " متفق على صحته وإذا كان الجار كافراً كان له حق الجوار ، وإذا كان قريباً وهو كافر صار له حقان : حق الجوار وحق القرابة ، ومن المشروع للمسلم أن يتصدق على جاره الكافر وغيره من الكفار غير المحاربين من غير الزكاة ، لقول الله تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة 8 ، وللحديث الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أمها وفدت عليها بالمدينة في صلح الحديبية وهي مشركة تريد المساعدة فاستأذنت أسماء النبي في ذلك هل تصلها فقال : صِلِيها .(قلت الحديث في صحيح البخاري ومسلم واللفظ للأول :" قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ.")

أما الزكاة فلا مانع من دفعها للمؤلفة قلوبهم من الكفار لقوله عز وجل " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم " التوبة 60 ، أما مشاركة الكفار في احتفالاتهم بأعيادهم فليس للمسلم أن يشاركهم في ذلك .
السلام على الشخص المتحدث بالهاتف إذا كان لا يعرف هل هو مسلم أم لا ، حكمه حكم اللقاء إذا عرفت أنه كافر فلا تبدأه بالسلام ، أما إذا كنت لا تعرف فليس في ذلك محظور .

وأسأل الله سبحانه أن يوفق المسلمين ورؤساءهم وأهل الحل والعقد فيهم ليكونوا دعاة إلى الله وحماة لدينه على بصيرة ، وأن يعلي كلمته وأن يخذل أعداءه ويبطل كيدهم، إنه سميع مجيب .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس244 ج 5 حكم نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس243 ج 5 الطريقة التيجانية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 242 ج 5 زيارة المسجد النبوي سُنَّة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 241 ج5  المؤمن والخوف من الموت - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس240 ج 5 التوبة  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 239 ج 5 فضل حفظ القرآن - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة