الدرس240 ج 5 التوبة 

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 29 جمادى الأولى 1446هـ | عدد الزيارات: 14 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد؛

قد بيَّن الله في كتابه العظيم أنه سبحانه يقبل التوبة من عباده مهما تنوعت ذنوبهم وكثرت ، كما قال تعالى " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم " الزمر 53 ، أجمع العلماء أن هذه الآية في التائبين ، وقد أخبر فيها سبحانه أنه يغفر الذنوب جميعاً لهم إذا صدقوا في التوبة إليه بالندم والإقلاع عن الذنوب والعزم على أن لا يعودوا فيها .

ونهاهم سبحانه عن القنوط من رحمته وهو اليأس مهما عظمت الذنوب وكثرت ، فرحمة الله أوسع وعفوه أعظم ، قال تعالى " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون " الشورى 25 ، وقال في حق النصارى " أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم " المائدة 74 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها " .(قلت: الحديث أخرجه مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه بلفظ "أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ ")
فالواجب عليك الإقلاع عن جميع الذنوب والحذر منها والعزم على عدم العودة فيها مع الندم على ما سلف منها إخلاصاً لله وتعظيماً له وحذراً من عقابه ، مع إحسان الظن به سبحانه ، وقد صحَّ عن رسول الله أنه قال " يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني " (قلت: الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد عن أنس بن مالك رضي الله عنه وقال عنه : رجاله رجال الصحيح وفي مسلم عن أبي هريرة بلفظ "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي، "، وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر " لا يَمُوتَنَّ أحدُكم إلا وهو يحسنُ الظنَّ بالله " (قلت الحديث أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله)، فأحسن ظنك بربك وتب إليه توبة صادقة وأبشر بأنه سبحانه سيتوب عليك ويكفر سيئاتك الماضية إذا صدقت في التوبة ، وهو سبحانه الصادق في وعده الرحيم بعباده .

أما الشهادة على مسمع عالم فليس ذلك بشرط ، وإنما التوبة تكون بالإقرار بما جحدته ، وبعملك ما تركت ، فإذا كان الكفر بترك الصلاة فإن التوبة تكون بفعل الصلاة مستقبلاً والندم على ما سلف والعزيمة على عدم العودة وليس عليك قضاء ما تركته من الصلوات .

أما إن كنت تركت الشهادتين أو شككت فيهما فإن التوبة من ذلك تكون بالإتيان بهما ولو وحدك فتقول : (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) عن إيمان وصدق بأن الله معبودك الحق لا شريك له وأن محمداً هو عبد الله ورسوله إلى جميع الثقلين من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار .
أما الغسل فهو مشروع وقد أوجبه بعض العلماء على من أسلم بعد كفره الأصلي أو الردة ، فينبغي لك أن تغتسل وذلك بصب الماء على جميع بدنك بنية الدخول في الإسلام والتوبة مما سلف من الكفر
أما صلاة ركعتين بعد الغسل فلا تجب ، ولكن يُستحب لكل مسلم إذا تطَّهر الطهارة الشرعية أن يصلي ركعتين لأحاديث وردت في ذلك ، وتسمى سنة الوضوء .

وأما قوله سبحانه " إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً " النساء 137 ، فليس معناها أن من زاد كفره أو تكرر لا يتوب الله عليه ، وإنما معناها عند أهل العلم استمراره على الكفر حتى يموت ، كما قال الله سبحانه في الآية الأخرى في سورة البقرة " إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون " البقرة 161 ، 162 ، فقد أوضح الله سبحانه في هذه الآيات أن حصول العذاب واللعنة وعدم القبول وحبوط الأعمال كل ذلك مقيد بالموت على الكفر ، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الكافر مهما تنوع كفره ومهما تكررت ردته فإنه مقبول التوبة عند الله إذا تاب توبة نصوحاً ، وهي المشتملة على الإقلاع عن الكفر والعزيمة على عدم العودة فيه والندم على ما مضى ، وإنما اختلفوا في حكم من تكررت ردته في حكم الشرع في الدنيا هل يقبل منه ويسلم من القتل أم لا تقبل منه ويقتل هذا محل الخلاف .

والواجب عليكم البدار بالتوبة الصادقة والضراعة إلى الله سبحانه والإلحاح في الدعاء أن يتقبل منكم وأن يثبتكم على الحق ويعيذكم من نزغات الشيطان ووساوسه ، فإنه العدو اللدود الذي يريد إهلاكك وإهلاك غيرك كما قال الله سبحانه " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير " فاطر 6 ، فبادر إلى إرغامه بالتوبة الصادقة وأبشر بالخير والعاقبة الحميدة والنجاة من النار وقبول التوبة إذا صدقت في ذلك .
وأوصيك بالإكثار من ذكر الله وتسبيحه وتحميده وكثرة الاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أفضل ذلك أن تكثر من كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ، ومن الكلمات الآتية : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم .

كما نوصيك أيضا بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتدبر لآياته ، فإن فيه الهداية لكل خير والتحذير من كل شر ونوصيك أيضا بمطالعة ما تيسر من كتب الحديث المعروفة مثل :( رياض الصالحين ) و ( بلوغ المرام ) فإن فيها ما ينفعك ويعينك على الخير إن شاء الله .

أما صوم النافلة كالاثنين والخميس ، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر فهو قربة وطاعة وفيه أجر عظيم ، وتكفير للسيئات ، ولكن إذا كانت أمك لا ترضى بذلك فلا تكدرها فإن الوالدة حقها عظيم وبرها من أهم الواجبات ، ولعلها تخاف عليك من الكسل إذا صمت ، وعدم القيام بالواجب في طلب الرزق والقيام بحاجات البيت ، ومعلوم أن طلب الرزق الحلال لإعاشة العيال وأهل البيت من أفضل القربات بل من أهم الواجبات ، وهو أفضل من التفرغ لصوم التطوع وصلاة التطوع ، وبكل حال فالذي أنصحك به هو أن تسمع لقولها وتطيعها في مثل هذا ، وإذا رأيت مجالاً في المستقبل فاستأذنها في الصوم ، إذا كان الصوم لا يعطلك ولا يضعفك عن المهمات المذكورة آنفاً .
والله المسئول أن يمنحك الفقه في الدين ويهديك صراطه المستقيم ويمنَّ علينا وعليك بالتوبة النصوح ، ويعيذنا وإياك وسائر المسلمين من نزغات الشيطان وشر النفس وسيئات العمل إنه جواد كريم .

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه .

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس244 ج 5 حكم نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس243 ج 5 الطريقة التيجانية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 242 ج 5 زيارة المسجد النبوي سُنَّة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 241 ج5  المؤمن والخوف من الموت - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 239 ج 5 فضل حفظ القرآن - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس238 ج 5 شكر المحسن والدعاء له - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي