الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد:
فقد جاءت النصوصُ الشرعيةُ تحثُّ على الإحسان الشاملِ إلى الحيوان ، قال تعالى " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " البقرة 195 ، وقال تعالى " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " النحل 90 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن شداد بن أوس رضي الله عنه : " إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحتَه ".
وفي إغاثة الملهوف صحَّ الخبرُ بعظيم الأجر لمغيثه وغفران ذنبه وشكر صنيعه فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ": بَيْنا رَجُلٌ يَمْشِي، فاشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَنَزَلَ بئْرًا، فَشَرِبَ مِنْها، ثُمَّ خَرَجَ فإذا هو بكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ: لقَدْ بَلَغَ هذا مِثْلُ الذي بَلَغَ بي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ له، فَغَفَرَ له ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ أجْرًا؟ قالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ." رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته فغُفر لها به " رواه مسلم .
وكما حث الإسلام على الإحسان وأوجبه لمن يستحقه نهى عن خلافه من الظلم والتعدي فقال تعالى " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " البقرة 190 ، وقال تعالى " ومن يظلم منكم نذقه عذاباً كبيرا " الفرقان 19 ، وفي صحيح مسلم أن ابن عمر مرَّ بنفر قد نصبوا دجاجة يترامونها ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا .
وفي صحيح مسلم أيضا عن أنس رضي الله عنه قال " نَهَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ شيءٌ مِنَ الدَّوَابِّ صَبْرًا. " ، أي تحبس حتى تموت ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب : النحلة والنملة والهدهد والصُّرَد " رواه أبو داود وصححه الألباني ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " .
وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال " كنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سفرٍ فانطلق لحاجته فرأينا حمَّرةً معها فرخان فأخذْنا فرخَيها فجاءت الحُمَّرةُ فجعلت تفرشُ فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال من فجع هذه بولدِها ؟ رُدُّوا ولدَها إليها . ورأى قريةَ نملٍ قد حرقناها، فقال : من حرقَ هذه ؟ قلنا : نحن، قال : إنه لا ينبغي أن يعذِّبَ بالنارِ إلا ربُّ النارِ" رواه أبو داود وصححه الألباني
فهذه النصوص وما في معناها دالة على تحريم تعذيب الحيوان بجميع أنواعه حتى ما ورد الشرع بقتله وتدل على عناية الإسلام بالحيوان سواء ما يجلب له النفع أو يدرأ عنه الأذى ، ومما يؤسف له ويستوجب الإنكار والتحذير منه الطرق المستخدمة اليوم في ذبح الحيوان مأكول اللحم في أكثر بلدان العالم الأجنبي وما يتعرض له عند الذبح بأنواع من التعذيب كالصدمات الكهربائية وغيرها زاعمين أنه أرفق بما يراد ذبحه من الحيوان ، وهذا فيه من التعذيب ما لا يخفى مخالفته للنصوص الشرعية الآمرة بالإحسان إليه .
وبناء على النصوص الشرعية ومقتضياتها بوَّب فقهاء التشريع الإسلامي لما يجب ويستحب أو يحرم ويكره بخصوص الحيوان بوجه عام ، وبما يتعلق بالذكاة لمباح الأكل بوجه تفصيلي خاص نسوق طائفةً مما يتعلق بجانب الإحسان إليه عند تذكيته ومنها المستحبات الآتية :
1- عرضُ الماءِ على ما يراد ذبحه للحديث السابق " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " .
2- أن تكون آلة الذبح حادةً وجيدةً وأن يمرها الذابح على محل الذكاة بقوة وسرعة ، ومحله اللبةُ من الإبل والحلق من غيرها من المقدور على تذكيته .
3- أن تنحر الإبلُ قائمةً معقولةً يدُها اليسرى إن تيسر ذلك موجهة إلى القبلة .
4- تذبح غيرُ الإبل مضجعةً على جنبها الأيسر موجَّهةً إلى القبلة ويضع رجله على صفحة عنقها غيرَ مشدودة الأيدي أو الأرجل وبدون لَيّ شيء منها أو كسره قبل زهوق روحها وسكون حركتها ويكره خنعُ رقبتها قبل ذلك ويكره أن تذبح وأخرى تنظر إليها .
فهذه الأمور من المستحبات عند تذكية الحيوان رحمة به وإحسانا إليه ويكره خلافُها وكلُّ ما لا إحسان فيه كأن يحدَّ الشفرةَ والحيوانُ يُبْصرُه وقت الذبح ، لما ثبت في معجمي الطبراني الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها ، قال " أفلا قبل هذا ؟ أتريد أن تميتها موتتين ؟!" ، صححه الألباني .
أما غير المقدور على تذكيته كالصيد الوحشي أو المتوحش وكالبعير يند فلم يقدر عليه فيجوز رميه بسهم أو نحوه بعد التسمية عليه مما يسيل الدم غيرَ عظم وظفر ومتى قتله السهم جاز أكله لأن قتله بذلك في حكم تذكية المقدور عليه تذكية شرعية .
فنشكر الله على نعمه التي أجلها نعمة الإسلام .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين