الدرس 85 باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 15 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1469 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛

قول المصنف: " باب ما جاء أن بعضَ هذه الأمةِ يعبدُ الأوثانَ ".

أراد المصنف بهذه الترجمة الرد على عباد القبور الذين يفعلون الشرك، ويقولون إنه لا يقع في هذه الأمة وهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فبيَّنَ في هذا الباب من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ما يدل على تنوع الشرك في هذه الأمة.

قوله:"بعضَ هذه الأمةِ " أي لا كلها ؛ لأن في هذه الأمة طائفةً لا تزالُ منصورةً على الحق إلى قيام الساعة ، فعن عبدالرحمن بن شماسة المهري قال: " كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، وَعِنْدَهُ عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقالَ عبدُ اللهِ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا علَى شِرَارِ الخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ مِن أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَدْعُونَ اللَّهَ بشيءٍ إلَّا رَدَّهُ عليهم. فَبيْنَما هُمْ علَى ذلكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ، فَقالَ له مَسْلَمَةُ: يا عُقْبَةُ، اسْمَعْ ما يقولُ عبدُ اللهِ ، فَقالَ عُقْبَةُ: هو أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِن أُمَّتي يُقَاتِلُونَ علَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَالَفَهُمْ، حتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ علَى ذلكَ. فَقالَ عبدُ اللهِ: أَجَلْ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ المِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الحَرِيرِ، فلا تَتْرُكُ نَفْسًا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإيمَانِ إلَّا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عليهم تَقُومُ السَّاعَةُ." رواه مسلم .
و" الأوثان " جمع وثن، وهو: كل ما عبد من دون الله. من صنم أو قبر أو حجر ، أو شجر أو جن أو إنس ، كلُّه يُسمَّى وثناً.

قول المصنف:" وقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ (النساء 51)
قوله تعالى "ألم تر" الاستفهام هنا للتقرير والتعجب، والرؤية بصرية ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم .

قوله إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا، أي أعطوا .
قوله نَصِيباً " أي حظاً.

قوله: " مِنَ الْكِتَابِ، المنَزل والمراد بالكتاب التوراة والإنجيل.

وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهما:أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، فقالا : ما انتم ومحمد ؟ فقالوا : نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء ونسقي الماء مع اللبن ، ونفك العناة ، ونسقي الحجيج ، ومحمد صنبور قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج من غفار ، فنحن خير أم هو؟ فقالوا : أنتم خير وأهدى سبيلا، فأنزل الله :"أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ (النساء 51)"


قوله يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، أي يصدقون بهما، ويقرونهما، فإذا أقر الإنسان هذه الأوثان فقد آمن بها.

و" الجبت " كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك.
و" الطاغوت " في اللغة مأخوذة من الطغيان ، وهو ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله .

فالمعبود كالأصنام، والمتبوع كعلماء الضلال، والمطاع كالأمراء فطاعتهم في تحريم ما أحل الله، أو تحليل ما حرم الله تعد من عبادتهم، والمراد من كان راضيا بعبادتهم إياه.

ويقول العلامة ابن القيم :" الطواغيت كثيرون ، ورءُوسهم خمسة : إبليس لعنه الله ، ومن عُبِدَ وهو راضٍ ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن ادَّعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله " .

الآية الثانية:

قوله تعالى: " قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ " (المائدة 60)

يقول تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من أهل الكتاب الطاعنين في دينكم الذي هو توحيد الله وإفراده بالعبادة دون ما سواه."قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ". أي هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا هم أنتم أيها المتصفون بهذه الصفات المذمومة المفسرة بقوله "مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ"، ولعنه أي طرده وأبعده عن رحمته.

قوله "وغضب عليه" أي أحل عليه غضبه.

قوله وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ، أي مسخ منهم الذين عصوا أمره فجعلهم قردة وخنازير.

و"الخنازير" جمع خنزير، وهو ذلك الحيوان الخبيث المعروف الذي وصفه الله بأنه رجس ، والإشارة هنا إلى اليهود فقد مسخوا قردة وخنازير، قال تعالى :" وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ "(البقرة65)

" وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ "، جعل هذه الأفعال كلها صفة لصنف واحد وهم اليهود.

وبالله التوفيق.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/3/14هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر