الدرس 25 الجزء الأول : ‌‌حكم من يطالب بتحكيم المبادئ الاشتراكية والشيوعية

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 1 جمادى الآخرة 1444هـ | عدد الزيارات: 210 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

لا ريب أن الواجب على أئمة المسلمين وقادتهم: أن يُحَكِّمُوا الشريعة الإسلامية في جميع شئونهم، وأن يحاربوا ما خالفها، وهذا أمر مجمعٌ عليه بين علماء الإسلام، ليس فيه نزاع بحمد الله، والأدلةُ عليه من الكتاب والسنة كثيرةٌ معلومة عند أهل العلم، منها قوله سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . (النساء 65)

وقد أجمع العلماء على أن من زعم أن حكم غير الله أحسنُ من حكم الله، أو أن هدي غيرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنُ من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافرٌ، كما أجمعوا على أن من زعم أنه يجوز لأحد من الناس الخروجٌ عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو تحكيمُ غيرِها فهو كافرٌ ضال.

وبما ذكرناه من الأدلة القرآنية، وإجماع أهل العلم يعلم السائل وغيره، أن الذين يدعون إلى الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرهما من المذاهب الهدامة المناقضة لحكم الإسلام، كفار ضلال، أكفر من اليهود والنصارى؛ لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يجوز أن يُجعلَ أحدٌ منهم خطيبا وإماما في مسجد من مساجد المسلمين، ولا تصحُ الصلاة خلفهم، وكل من ساعدهم على ضلالهم، وحسَّن ما يدعون إليه، وذمَّ دعاةَ الإسلام ولمزهم، فهو كافر ضال، حكمه حكم الطائفة الملحدة، التي سار في ركابها وأيدها في طلبها، وقد أجمع علماءُ الإسلام على أن من ظاهرَ الكفارَ على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة، فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة 51).

*‌‌حكمُ الاحتكامِ إلى القوانين الوضعية مع وجود القرآن الكريم:

رأيي في هذا الصنف من الناس الذين يسمون أنفسهم بالمسلمين، في الوقت الذي يتحاكمون فيه إلى غير ما أنزل الله، ويرون شريعةَ الله غيرَ كافيةٍ ولا صالحةٍ للحكم في هذا العصر - هو ما قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم حيث يقول سبحانه وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء 65) ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة 44) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة 45) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة 47)

إذن فالذين يتحاكمون إلى شريعة غير شريعة الله، ويرون أن ذلك جائز لهم، أو أن ذلك أولى من التحاكم إلى شريعة الله لا شك أنهم يخرجون بذلك عن دائرة الإسلام، ويكونون بذلك كفارا ظالمين فاسقين.

* اختطاف الطائرات، وبني الإنسان من السفارات وغيرها، من الجرائم العظيمة العالمية، التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة، والأضرار العظيمة،كما أن من المعلوم أن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة دون دولة، ولا طائفة دون طائفة، بل يعم العالم كله.
ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة، فإن الواجب على الحكومات والمسئولين من العلماء وغيرهم: أن يَعْنُوا به غايةَ العناية، وأن يبذلوا الجهودَ الممكنة لحسم شره، والقضاء عليه، وقد أنزل الله كتابه الكريم تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وبعث نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وأوجب على جميع الثقلين: الحكم بشريعته والتحاكم إليها، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتابه وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل:{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء 65)

وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء 59)

وقد أجمع العلماءُ ،رحمهم الله ،على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه الكريم، وأن الرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته الصحيحة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (الشورى 10)
فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها: كُلُّها تدلُّ على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى الله سبحانه، وإلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك هو الرد إلى حكم الله عز وجل، والحذر مما خالفه في جميع الأمور، ومن أهم ذلك الأمور التي يعم ضررها وشرها كالاختطاف.

ولا يجوز لأهل الإسلام أن يتشبهوا بأعداء الله المنافقين بالتحاكم إلى غير الله، والصدود عن حكم الله ورسوله.
ولا يجوز أن يحتج بما وقع فيه أغلب المسلمين اليوم من التحاكم إلى القوانين الوضعية، فإن ذلك لا يبرره ولا يجعله جائزا، بل هو من أنكر المنكرات، وإن وقع فيه الأكثرون، وليس وقوع الأكثر في أمر من الأمور دليلا على جوازه، كما قال سبحانه: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} (الأنعام 116).

واللهَ المسئولَ أن يصلح أحوال المسلمين ويهديهم صراطه المستقيم، ويوفقَ حكوماتِهم للحكم بالشريعة الإسلامية، والتحاكمِ إليها، والتمسكِ بها في جميع الأمور إنه جوادٌ كريم.
وصلى الله على عبده ورسوله، نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

٣٠ جمادى الأولى ١٤٤٤ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر