الدرس 132 نصيحة هامة إلى عامة الأمة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 18 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 455 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

فإن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه وحده لا شريك له وأرسل الرسل لهذا الأمر العظيم من أولهم إلى آخرهم وأمر عباده بهذه العبادة فقال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56 ، وقال تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 ، فالله عز وجل خلق الخلق : الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيان هذه العبادة وإيضاحها للناس فنصيحتي لجميع المسلمين من الذكور والإناث والعرب والعجم والجن والإنس ، نصيحتي للجميع أن يتفهموا هذه العبادة ويتبصروا فيها ، وأن يلتزموا بها ويعملوا بها جملة وتفصيلاً ، وأن يحذروا الغفلة عنها والإعراض عنها فإن الإعراض والغفلة من صفات الكفرة قال تعالى " والذين كفروا عما أنذروا معرضون " الأحقاف 3 ، وقال تعالى " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها " الكهف 57 ، فليس هناك أظلم ممن أعرض عن آيات الله وعما خلق له من طاعته وعبادته .
والنصح لجميع المكلفين من غير المسلمين في جميع الأرض بأن يدخلوا في الإسلام وأن يعرفوا هذه العبادة ويتفقهوا فيها من طريق القرآن العظيم ومن طريق السنة الصحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا هو الواجب على جميع المكلفين من الإنس والجن من الكفرة والمسلمين من اليهود والنصارى والوثنيين وغيرهم أن يعبدوا الله وأن يدخلوا في الإسلام وأن يلتزموا بالدين الذي بعث الله به نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام لأن الله بعثه إلى الناس جميعاً جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم ذكورهم وإناثهم قال تعالى " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً " الأعراف 158 .

فجميع العالمين من جن وإنس فمن عرب وعجم ومن كفار ومسلمين يجب على أهل العلم دعوتهم ، فمن قبل الدعوة واستقام عليها حصلت له السعادة والرحمة الكاملة والهداية المطلقة والفوز بالجنة والنجاة من النار ومن أعرض عنها واستكبر فله الخيبة والندامة والعاقبة الوخيمة والعذاب الأليم يوم القيامة ، وهذه العبادة التي خُلق الثقلان لأجلها هي الحكمة في خلق الجن والإنس وهي الإسلام المذكور في قوله جلا وعلا " إن الدين عند الله الإسلام " آل عمران 19 ، فالإسلام هو دين الله الذي بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام لتبليغه وهو الدين المذكور في قوله سبحانه " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " المائدة 3 ، وفي قوله عز وجل " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " آل عمران 85 .
فهذه العبادة هي الإسلام ، سُمي عبادة لأنه ذل وخضوع لله سبحانه وسُمي هذا الدين الإسلام لأنه خضوع لله وانقياد لأمره سبحانه فالعبد يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه عن ذل وخضوع ، يقال أسلم أي ذلَّ وانقاد وأسلم لفلان أي ذلَّ له وانقاد له ، وأسلم لله ذلَّ وانقاد وأطاع .

فسمَّى الله تكاليفه عبادة لأنها تُؤدى بالذل والخضوع لله وسماها إسلاماً لأنها تؤدى أيضاً بالذل والخضوع لله سبحانه فهي إسلام وهي عبادة وسماها تقوى قال تعالى " ولكن البر من اتقى " البقرة 189 ، سمَّاها تقوى لأن العبد يفعلها يتقي بها غضب الله ويتقي بها عقابه وهو يفعل أوامر الله وينتهي عن نواهيه مسلماً منقاداً خاضعاً ذليلاً يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه ويتقي بذلك سوء المنقلب فلهذا سمَّى الله دينه تقوى ، وهو إيمان أيضاً سُمي إيماناً لأنه تصديق لله ولرسوله كما قال تعالى " فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا " التغابن 8 ، وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله " النساء 136 .

فهذه العبادة وهذا الإسلام كلاهما يسمى إيمانا لأنهما إيمان بالله وسوله وتصديق بما أخبر الله به ورسوله وتصديق بأوامر الله وتصديق بما نهى عنه ، فهو إيمان ، ويسمى هدى لأن الله يهدي به من الضلالة ويرشد به إلى أسباب السعادة ، فهو هدى لمن التزم به واستقام عليه واهتدى به إلى الحق والصواب وسلم من البلاء والشر والفساد كما قال جل وعلا " ولقد جاءهم من ربهم الهدى " النجم 23 ، فدين الله هدى ، هدى من الضلالة وهدى من كل سوء وهدى إلى الخيرات وهدى إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وهدى إلى كل ما يرضي الله سبحانه وتعالى ويقرب لديه وهدى إلى كل ما يباعد عن غضب الله وعقابه ، وهو أيضاً يسمى براً قال تعالى " ولكن البر من اتقى " البقرة 189 ، قال تعالى " إن الأبرار لفي نعيم " الانفطار 13 ، فهو بر لما فيه من الخصال الحميدة والأعمال المجيدة لله عز وجل ولهذا سمي براً لأنه طاعة لله وقيام بحقه وترك لمناهيه فهو بر وهدى ورشد إيمان وتقوى فالواجب على جميع العالمين من الجن والإنس من الذكور والإناث من الكفرة والمسلمين أن يلتزموا به فمن دخل فيه يجب أن يلتزم به ويستقيم عليه ويتفقه فيه ومن لم يدخل فيه فالواجب عليه الدخول فيه والتوبة إلى الله مما هو عليه من الباطل والدخول في دين الله الذي هو الإسلام وهو الهدى وهو الإيمان وهو التقوى وهو البر وهو طاعة الله ورسوله وهو الإخلاص لله وهو توحيد الله بترك الإشراك به والقيام بحقه والاستقامة على دينه هذا هو الإسلام وهذا هو البر والتقوى وهذا هو الهدى وهذا هو الإيمان .

وهذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله التي دعا إليها النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد إليها فقال صلى الله عليه وسلم " أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأني رَسولُ اللَّهِ، " (ورد الحديث في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر بلفظ "... وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ")، وقال صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها "

(ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله بهذا اللفظ:

" أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فإذا قالوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ، وأَمْوالَهُمْ إلَّا بحَقِّها، ") ، فإن من قالها عن إيمان أدى بقية الأمور ومن قالها عن إيمان فقد دخل في العبادة التي خُلق لها وجاء بأصلها وأساسها وعليه أن يلتزم مع ذلك بأن يشهد أن محمداً رسول الله وأن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله عن المرسلين الماضين وعن كتب الله وعما أخبر الله به في كتابه عن الجنة والنار واليوم الآخر وعن كل ما أخبر الله به ورسوله كله داخل في هذه العبادة ، وفي هذا الإيمان ، فالدعوة إلى توحيد الله دعوة إلى الدين كله فإن من دخل في توحيد الله والتزم بالإخلاص لله لزمه أن يؤدي ما أوجبه الله عليه من الحقوق وأن يدع ما حرم الله عليه فهي فروع ومكملات لهذا الأساس ، فلابد من توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به ، وهذا أول واجب وأهم واجب ، ولهذا بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة وفي غيرهم ، كان أول شيء يدعو إليه الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له وترك الإشراك به ، والدعوة إلى الإيمان به وأنه رسول الله حقاً ، ثم بعد ذلك الدعوة إلى بقية أمور الإسلام من الصلاة وغيرها .

ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال له " إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " (ورد في صحيح مسلم بلفظ "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله")، وفي رواية أخرى " فادعهم إلى أن يوحدوا الله فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة " (ورد في صحيح البخاري والراوي عبد الله بن عباس بهذا اللفظ "إنَّكَ تَقْدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، ")، فأمره أن يدعوهم أولاً إلى توحيد الله والإخلاص له وإلى ترك الإشراك به هذا هو أول واجب .

ولابد من الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عما كان وعما يكون وعن الرسل الماضين وعن الجنة والنار وعن أخبار القيامة وعن الحساب والجزاء إلى غير ذلك لابد أن تصدق بكل ما أخبر الله به مما جاء في القرآن أو صحت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام على حسب ما أعطاك الله من العلم ، ثم بعد هذا الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله وتوحيد الله والإخلاص له والإيمان بأسمائه وصفاته وإمرارها كما جاءت عن الله وعن رسوله بلا كيف ولا تحريف ولا تمثيل كما قال أهل السنة والجماعة ، بعد هذا أنت يا عبد الله مأمور بالالتزام بما أوجب الله على عباده من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك وعليك أن تمتثل بكل ما أمر الله به ورسوله وأن تبتعد عن كل ما نهى الله عنه ورسوله كما قال تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم " (النساء 1) ، فهو خطاب للناس كلهم جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم يعم الكفار ويعم المسلمين ، ومعنى اتقوا ربكم افعلوا أوامره واتركوا نواهيه طلباً لمرضاته وحذراً من عقابه فكلهم ملزمون بالتقوى في جميع الأحوال ، وقال تعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 ، فلابد من عبادته سبحانه بإخلاص وصدق في العبادة له وطاعة أوامره وترك نواهيه ، وقد يخص سبحانه المؤمنين بالأمر فيقول " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله " آل عمران 102 ، لأن المؤمنين هم بعض الناس المأمورين بالتقوى ، فالواجب عليهم أعظم لأنهم آمنوا بالله ورسوله وعليهم أن يكملوا هذا الإيمان وأن يلتزموا به حتى الموت كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " الحجر 99 .
فأنت ما خُلقت لتأكل وتشرب ، ما خُلقت لبناء القصور أو غرس الأشجار أو شق الأنهار أو النكاح ونحو ذلك لا ، فأنت مخلوق لتعبد ربك وأنت مخلوق لتستقيم على طاعته وتتابع رسوله عليه الصلاة والسلام ، فعليك أن تستقيم على طاعته سبحانه وأن تتبع رسوله صلى الله عليه وسلم فأنت مخلوق لهذا ، وكل ما في الأرض خُلق لك لتستعين به على طاعة الله وترك معاصيه ، ولم يُخلق لك لتستعين به على شهواتك كما قال تعالى " الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " البقرة 29 ، وقال تعالى " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه " الجاثية 13 ، فلم تُخلق سدى ولا عبثاً ، قال تعالى " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " القيامة 36 ، أي : أيظن أن يترك سدى أي مهملاً معطلاً ؟ لا ، بل خُلق لأمر عظيم وهو عبادة الله وطاعته ، وقال تعالى منكراً على المشركين " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون " المؤمنون 115 ، أنكر الله عليهم هذا الحسبان وهذا الظن لكونه باطلاً .

وقال تعالى " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار " ص 27 ، فهذا ظن الكافرين ، فأوضح الله سبحانه أنه خلق السموات والأرض بالحق ليُعَرِّفَ الناس بنفسه وقدرته العظيمة وأنه المستحق لأن يُعبد ، فعليك يا عبد الله أن تعرف ربك بأسمائه وصفاته ومخلوقاته العظيمة وأنه هو معبودك الحق ولتعمل بذلك فكثير من الكفار بل أكثرهم قد عرفوا أن الله ربهم وأنه خالقهم ورازقهم ولكن لم يعبدوه وحده بل أشركوا معه غيره فصاروا إلى النار ، كما قال تعالى " ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله " الزخرف 87 ، لكن كفروا بشركهم بالله وعبادتهم الأصنام والأولياء مع الله ونحو ذلك ، وامتناعهم عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وتصديقه في عبادة الله وحده فصاروا كفاراً بذلك ، فلابد أن تؤمن بالله رباً وإلهاً ومعبوداً بالحق ، ولابد أن تؤمن بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق به من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولابد من تصديق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به .

وبالله التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
18 - 3 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر