الدرس 132: باب الخيار

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 1 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 1469 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الخيار اسم مصدر وفعله اختار ولا نقول إنه مصدر لأن مصدر اختار اختيار وكل كلمة تدل على معنى المصدر وما لا تتضمن حروف الفعل فإنها تسمى اسم مصدر مثل كلام اسم مصدر لتكليم وسلام اسم مصدر لتسليم وسبحان اسم مصدر لتسبيح وهلم جرا

والخيار هو الأخذ بخير الأمرين يقال اختار أي أخذ بخير الأمرين فيما يرى

قوله (وهو أقسام) أي أقسام سبعة وحصرت الأقسام بسبعة بناءً على التتبع والاستقراء أي أن أهل العلم تتبعوا النصوص الواردة في الخيار فوجدوا أنها لا تخرج عن سبعة

قوله (الأول خيار المجلس) أي مكان التبايع لا خصوص الجلوس

قوله (يثبت في البيع) أي للبائع والمشتري

ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) رواه البخاري ومسلم

وقوله (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر فإن خَير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) أخرجه البخاري ومسلم

(ما) مصدرية ظرفية يعني مدة عدم تفرقهما

وقوله (وكانا جميعاً) تأكيد لعدم التفرق وفيها فائدة وهي ما إذا تبايع رجلان بالهاتف فإنه في هذه الحال لا خيار بمجرد ما يقول البائع بعت والمشتري يقول اشتريت وجب البيع

وقد أخذ بالحديث الجمهور وهو أن خيار المجلس ثابت ما دام المتعاقدين في المجلس

والحكمة من خيار المجلس أن الإنسان قد يتعجل في بيع الشيء أو شرائه ويقع منه من غير ترو فيحتاج إلى أن يعطى هذه الفسحة لأنه إذا وقع الشيء في ملك الإنسان فإن الرغبة التي كانت عنده قبل أن يتملكه تقل فجعل الشارع له الخيار وهذا من حكمة الشارع ولم يكن طويلا لانتفاء الضرر

قوله (والصلح بمعناه) أي يثبت الخيار بالصلح الذي بمعنى البيع فالضمير في قوله (بمعناه) يعود على البيع

قوله (وإجارةٍ) أي وكذلك يثبت في الإجارة لأن الإجارة بيع منافع فالرجل إذا أجر آخر بيتاً سنة بمائة فقد باع عليه منافع هذا البيت والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث السابق (إذا تبايع الرجلان ) ووجه دلالته على ذلك أن الإجارة إما أن تدخل في الحديث بالشمول اللفظي أو المعنوي فإن كانت الإجارة بيعاً فهي داخلة في الشمول اللفظي وإن كانت بمعنى البيع وليست بيعاً فهي داخلة في العموم المعنوي لأنه لا فرق بينها وبين البيع كلاهما عقد معاوضة

قوله (والصرف) أي ويثبت في الصرف لأن الصرف بيع لكنه بيع خاص بالنقود فبيع ذهب بفضة صرف وبيع ذهب بحديد ليس بصرف لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء) رواه البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه

قوله (والسلم) السلم يثبت به خيار المجلس والسلم أن يُسلم الإنسان إلى البائع دراهم مع تأجيل السلعة مثل أن يقول الرجل للفلاح أريد أن أشتري منك تمراً بعد سنة بألف درهم وهذه ألف درهم هذا يسمى سلماً ويسمى سلفاً أما تسميته سلماً فلأن المشتري أسلم الثمن وأما تسميته سلفاً فلأنه قدم والسلف بمعنى المقدم ومنه قولنا السلف الصالح لأنهم متقدمون فالسلم يثبت فيه خيار المجلس لأنه بيع وإن كان له أحكام خاصة فيدخل في قوله عليه الصلاة والسلام (إذا تبايع الرجلان) الحديث فكل واحد منهما بالخيار

قوله (دون سائر العقود) الأصل أن العقد بمجرد انعقاده يترتب عليه مقتضاه خولف في البيع لورود النص فيه فيبقى ما عداه على الأصل مثل الرهن والوقف والهبة والمساقاة والحوالة والعتق والنكاح وما أشبه ذلك فهذه ليس فيها خيار مجلس وذلك لأن هذه العقود لا تخلو من حالين

الأولى أن تكون من العقود الجائزة فهذه جوازها يغني عن القول إن فيها الخيار لأن العقد الجائز يجوز فسخه حتى بعد التفرق سواء في مجلس العقد أو بعده

الثانية أن تكون من العقود النافذة التي لقوة نفوذها لا يمكن أن يكون فيها خيار مثل العتق والوقف

والمساقاة أن يدفع الإنسان بستانه لشخص فلاح ويقول خذ هذا اعمل فيه ولك نصف ثمره مثلاً

فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنها عقد جائز فللعامل أن يفسخ ولصاحب البستان أن يفسخ فلا حاجة إلى خيار مجلس لأن الخيار ثابت سواء كانوا في مجلس العقد أو بعده

والرهن وهو عقد لازم من أحد الطرفين وجائز من أحد الطرفين فمن له الحق فهو في حقه جائز ومن عليه الحق فهو في حقه لازم

مثاله استقرضت من شخص مالاً فطلب مني رهناً فأعطيته كتاباً فهذا الرهن من قبلي أنا لازم ومن قبل صاحب الحق جائز لأن له أن يفسخ الرهن ويقول خذ كتابك ويبقى الدين في ذمتي ديناً مرسلاً

العتق لو أعتق الإنسان عبده ثم أراد فسخه في نفس المجلس لم يصح لقوة نفوذه ومثله الوقف لأن الوقف أخرجه الإنسان لله فلا خيار فيه ومثله الهبة إذا قبضت لا خيار فيها لأنها ليست عقد معاوضة

قوله (ولكل من المتبايعين) وهما البائع والمشتري سميا متبايعين لأن كل واحد منهما يمد باعه إلى الآخر لتسليم ما انتقل عنه فالبائع يمد يده لتسليم المثمن والمشتري يمد يده لتسليم الثمن واستلام ما آل إليه

قوله (الخيار ما لم يتفرقا عرفاً بأبدانهما) أي لكل منهما الخيار ما لم يتفرقا والدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا) أخرجه البخاري ومسلم فإن تفرقا فلا خيار

ويقول العلماء التفرق محدود عرفاً لأن الشرع لم يحدده وكل شيء يأتي به الشرع من غير تحديد فإنه يرجع فيه إلى العرف كما قال الناظم

وكل ما أتى ولم يحدد *** بالشرع كالحرز فبالعرف احدد

ولهذا قال المؤلف (ما لم يتفرقا عرفاً بأبدانهما)

مثال على التفرق العرفي إذا كانا يمشيان من الجامع إلى الجامعة فباعه عند الجامع وجعلا يمشيان إلى الجامعة وهذا المشي يستغرق ربع ساعة على الأقل فهذان الرجلان لهما الخيار حتى يتفرقا عند الجامعة فما داما يمشيان جميعاً مصطحبين فلهما الخيار

وإذا كانا في حجرة وتبايعا ثم خرج أحدهما من الحجرة إلى داخل البيت لإحضار القهوة فقد تفرقا لأن المجلس الأول انتهى

وإذا كانا في الطائرة متجهين إلى بلد آخر ومقدار الرحلة عشر ساعات وتبايعا عند إقلاعها ولا تهبط إلا بعد عشر ساعات فتكون مدة الخيار عشر ساعات ما داما لم يتفرقا وحل هذه المشكلة أن يتبايعا على أن لا خيار ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الحديث (فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) أخرجه البخاري ومسلم

ومعنى ذلك أن يسقطا الخيار فيتبايعا على أن لا خيار وأنه بمجرد الإيجاب والقبول يلزم البيع ولا خيار

مسألة إن لم ينفيا الخيار في العقد وبعد مضي عشر دقائق قال أحدهما للآخر يا فلان فلنقطع الخيار لأنه خاف أن يفسخ صاحبه البيع فقطعاه صح لأن الحق لهما وقد أسقطاه فإن أبى أحدهما لم يصح

قوله (وإن نفياه) أي نفيا الخيار قبل ثبوته وهو أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما فيقول أنا سأبيع عليك لكن لا خيار بيننا فقال لا بأس فيسقط الخيار ويقع العقد لازماً بمجرد الإيجاب والقبول

قوله (أو أسقطاه سقط) وذلك بعد ثبوته أي بعد أن تم العقد ومضى دقيقة اتفقا على إسقاط الخيار فإنه يسقط لأن الحق لهما فإذا رضيا بإسقاطه سقط

وهذا التحريم ليس لحق الله بل لحق الآدمي وحق الآدمي الأمر فيه إليه فإذا أسقطاه بعد العقد أو نفياه مع العقد فلا بأس

قوله (وإن أسقطه أحدهما بقي خيار الآخر) أي إذا تم العقد وقال أحدهما أسقطت خياري أو طلب منه الآخر أن يسقط خياره فأسقطه بقي خيار صاحبه ويدل لذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع) أخرجه البخاري ومسلم

فدل ذلك على أنه يصح أن يسقط أحدهما الخيار عنه لصاحبه

شكر الله لكم وجعل ذلكم في ميزان حسناتكم

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

01-08-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة