الدرس 131 مسائل في العقيدة 5

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 402 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

السحر من أعظم الكبائر الموبقات بل هو من نواقض الإسلام كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم " واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " البقرة 102 ، فأخبر سبحانه أن الشياطين يعلمون الناس السحر ، وأنهم كفروا بذلك ، وأن الملكين ما يعلمان من أحد حتى يخبراه أن ما يعلمانه كفر وأنهما فتنة ، وأخبر سبحانه أن متعلمي السحر يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، وأنهم ليس لهم عند الله من خلاق في الآخرة ، والمعنى ليس لهم حظ ولا نصيب من الخير في الآخرة .
وبيَّن سبحانه أن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه بهذا السحر ، وأنهم لا يضرون أحداً إلا بإذن الله ، والمراد بذلك إذنه الكوني القدري لا إذنه الشرعي ، لأن جميع ما يقع في الوجود يكون بإذنه القدري ، ولا يقع في ملكه ما لا يريده كوناً وقدراً ، وبيَّن سبحانه أن السحر ضد الإيمان والتقوى ، وبهذا كله يُعلم أن السحر كفر وضلال ورِدَّة عن الإسلام إذا كان مَنْ فعله يدَّعِي الإسلام، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

"اجتنبوا السبع الموبقات، قلنا: وما هن يا رسول الله ؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات "(ورد الحديث في صحيح البخاري بهذا اللفظ " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ." ، وفي صحيح مسلم بلفظ " اجتَنِبوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ. قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفسِ التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحَقِّ، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، وأكْلُ الرِّبا، والتوَلِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ") ، فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح أن الشرك والسحر من السبع الموبقات أي المهلكات ، والشرك أعظمها لأنه أعظم الذنوب والسحر من جملته ولهذا قرنه الرسول صلى الله عليه وسلم به لأن السحرة لا يتوصلون إلى السحر إلا بعبادة الشياطين والتقرب إليهم بما يحبون من الدعاء والذبح والنذر والاستعانة وغير ذلك ، روى النسائي رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئاً وُكِل إليه "(قال الألباني في ضعيف النسائي: ضعيف لكن جملة التعليق "ومن تعلق شيئاً وُكِل إليه "ثبتت في الحديث.) ، وهذا يفسر قوله تعالى في سورة الفلق "ومن شر النفاثات في العقد " الفلق 4 ، قال أهل التفسير : إنهن الساحرات اللاتي يعقدن العقد وينفثن فيها بكلمات شركية يتقربون بها إلى الشياطين لتنفيذ مرادهم في إيذاء الناس وظلمهم .

وقد اختلف العلماء في حكم الساحر هل يُستتاب وتُقبل توبته ؟ أم يُقتل بكل حال ولا يُستتاب إذا ثبت عليه السحر ؟ القول الثاني هو الصواب؛ لأن بقاءه مضر بالمجتمع الإسلامي والغالب عليه عدم الصدق في التوبة، ولأن في بقائه خطراً كبيراً على المسلمين ، واحتجَّ أصحاب هذا القول على ما قالوه بأنَّ عمر رضي الله عنه أمر بقتل السحرة ولم يستتبهم وهو ثاني الخلفاء الراشدين الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم ، واحتجوا أيضاً بما رواه الترمذي رحمه الله عن جندب بن عبد الله البجلي أو عن جندب الخير الأزدي مرفوعاً وموقوفاً " وحد الساحر ضربه بالسيف " ، وقد ضبطه بعض الرواة بالتاء فقال : " حد الساحر ضربة بالسيف " والصحيح عند العلماء وقفه على جندب .)

وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقُتلت من غير استتابة ، قال الإمام أحمد رحمه الله : ثبت ذلك - يعني قتل الساحر - من غير استتابة عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني بذلك : عمر وجندباً وحفصة .
وبما ذكرنا يُعلم أنه لا يجوز إتيان السحرة وسؤالهم عن شيء ولا تصديقهم كما لا يجوز إتيان العرافين والكهنة ، وأن الواجب قتل الساحر متى ثبت تعاطيه السحر بإقراره أو بالبينة الشرعية من غير استتابة .
أما العلاج للسحر فيعالج بالرقى الشرعية والأدوية النافعة المباحة ، ومن أنفع العلاج علاج المسحور بقراءة الفاتحة عليه مع النفث ، وآية الكرسي ، وآيات السحر في الأعراف ، ويونس ، وطه ، وبقراءة " قل يا أيها الكافرون " ، و " قل هو الله أحد " ، و " قل أعوذ برب الفلق " ، و " قل أعوذ برب الناس " ، ويستحب تكرار هذه السور الثلاث ثلاث مرات مع الدعاء الصحيح المشهور الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج المرضى وهو : " اللهم رب الناس أذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً " (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ) ،ويكرر ذلك ثلاثاً ، ويدعو أيضاً بالرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم وهي : " بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، ومن شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك " (صحيح مسلم) ويكررها ثلاثاً ، وهذه الرقية من أنفع العلاج بإذن الله سبحانه .
ومن العلاج أيضاً إتلاف الشيء الذي يُظن أنه عُمل فيه السحر من صوف أو خيوط معقدة أو غير ذلك مما يُظن أنه سبب السحر ، مع العناية من المسحور بالتعوذات الشرعية ومنها التعوذ ( بكلمات الله التامات من شر ما خلق" (صحيح مسلم) ثلاث مرات صباحاً ومساءً ، وقراءة السور الثلاث المتقدمة بعد الصبح والمغرب ثلاث مرات وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة وعند النوم ، ويستحب أن يقول صباحاً ومساءً : " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ( صحيح أبي داود للألباني) ثلاث مرات ، لصحة ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع حسن الظن بالله والإيمان بأنه مسبب الأسباب وأنه هو الذي يشفي المريض إذا شاء ، وإنما التعوذات والأدوية أسباب والله سبحانه هو الشافي ، فيعتمد على الله سبحانه وحده دون الأسباب ولكن يعتقد أنها أسباب إن شاء الله نفع بها ، وإن شاء سلبها المنفعة ، لما له سبحانه من الحكمة البالغة في كل شيء وهو سبحانه على كل شيء قدير ، وبكل شيء عليم لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

* النفاق خطره عظيم وشرورُ أهله كثيرةٌ ، وقد أوضح الله صفاتهم في كتابه الكريم في سورة البقرة وغيرها ، كما أوضح صفاتهم أيضاً نبيه صلى الله عليه وسلم ، قال الله سبحانه في وصفهم في سورة البقرة " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " البقرة 8 - 10 ، والآيات بعدها ، وقال في سورة النساء " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " النساء 142 ، 143 ، وذكر عنهم صفات أخرى في سورة التوبة وغيرها ، والخلاصة أنهم يدَّعون الإسلام ويتخلقون بأخلاق تخالفه وتضر أهله كما بيَّن سبحانه في هذه الآيات وغيرها .
والنفاق نوعان : اعتقادي وعملي .
وما ذكر الله عن المنافقين في سورة البقرة والنساء من صفات المنافقين : النفاق الاعتقادي الأكبر ، وهم بذلك أكفر من اليهود والنصارى وعباد الأوثان لعظم خطرهم وخفاء أمرهم على كثير من الناس ، وقد أخبر الله عنهم سبحانه أنهم يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار .

أما النفاق العملي فهو التخلق ببعض أخلاقهم الظاهرة مع الإيمان بالله وبرسوله والإيمان باليوم الآخر كالكذب والخيانة والتكاسل عن الصلاة في الجماعة ، ومن صفاتهم ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "(صحيح البخاري) ، وقوله صلى الله عليه وسلم " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً "(صحيح مسلم) ، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحذر صفاتهم غاية الحذر ، ومما يعين على ذلك تدبر ما ذكره الله في كتابه من صفاتهم ، وما صحَّت به السُّنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه ، والثبات عليه ، والحذر من كل ما يخالف شرعه ومن التشبه بأعدائه في أخلاقهم وأعمالهم إنه خير مسئول .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

10 - 3 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر