الدرس 69 النطق بالشهادتين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 17 جمادى الآخرة 1442هـ | عدد الزيارات: 587 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا شك أنه لا بد من النطق بالشهادتين ، فمن أمكنه النطقُ ولكنه امتنع من النطق لم يدخل في الإسلام حتى يَنطِقَ بالشهادتين ، وهذا محل إجماع من أهل العلم ، ثم مع النطق لا بد من اعتقاد معنى الشهادتين والصدق في ذلك ، وذلك بأن يعتقد بأنه لا معبود حق إلا الله ولو قالها كاذباً كالمنافقين يقولونها وهم يعتقدون أن مع الله آلهة أخرى لم تنفعهم هذه الكلمة ولم يدخلوا في الإسلام باطناً ، كما قال تعالى " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار " النساء 145 ، وقال عز وجل " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين " البقرة 8 ، فلا بد من التصديق بالقلب واليقين بأنه لا معبود حق إلا الله ، فإن استكبر عن الانقياد لشرع الله كفر ولم ينفعْهُ النطقُ بالشهادتين ، قال تعالى " ذلك بأنَّ الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير " الحج 62 ، وقال سبحانه " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " غافر 60 ، وهكذا لو استكبر عن الشهادة بأن محمداً رسول الله أو قالها كاذباً فإنه يكون كافراً حتى يؤمن بأن محمداً رسول الله وينقادَ لشرعه وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم .

* الكفار لا يجوز بدؤهم بالسلام ، أما المسلمون فالسنة أن يسلم عليهم ولو كانوا مرتكبين لبعض المعاصي ، مع بذل النصح لهم وأمرُهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، فإذا أصروا على معاصيهم الظاهرة ولم يقبلوا النصح استحقوا الهجر بترك بداءتهم بالسلام وعدم الرد عليهم إلا إذا اقتضت المصلحة الشرعية بداءتهم بالسلام أو الرد عليهم .

* الواجب على المسلمين فيما بينهم التناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه كما قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " المائدة 2 ، وقال سبحانه " والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " سورة العصر ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام " الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " خرجه مسلم في صحيحه ،قلت : الحديث رواه مسلم عن تميم الداري بهذا اللفظ "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ."جاء في لفظ مسلم ، هاتان الآيتان مع الحديث الشريف كلها تدل على وجوب التناصح والتعاون على الخير والتواصي بالحق ، فإذا رأى المسلم من أخيه تكاسلاً عما أوجب الله عليه أو ارتكاباً لما حرم الله عليه وجب نصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى يصلح المجتمع ويظهرَ الخيرُ ويختفي الشر كما قال الله سبحانه وتعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر " التوبة 71 ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " خرجه مسلم في صحيحه ، وإذا نصحت إنساناً ووجهته إلى الخير وما زاده ذلك إلا إظهاراً للمعصية فينبغي هجره وعدم اتخاذه صاحباً ، وينبغي لك أن تشجع غيرك من الذين قد يؤثرون عليه وقد يحترمهم أكثر على نصيحته ودعوته إلى الله لعل الله ينفع بذلك ، وإن رأيت أن الهجر يزيده شراً وأن اتصالك به أنفع له في دينه وأقل لشره فلا تهجره ، لأن الهجر يقصد منه العلاج فهو دواء ، فإذا كان لا ينفع بل يزيد الداء داءاً فأنت تعمل ما هو الأصلح من الاتصال به وتكرار النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير اتخاذه صاحباً ولا خليلاً لعل الله ينفع بذلك وهذا هو أحسن ما قيل في هذا من كلام أهل العلم رحمهم الله .

* إقامة مراسم العزاء ، واجتماع الناس عند بيت المتوفى ، هذا العمل ليس مطابقاً للسنة ولا نعلم له أصلاً في الشرع المطهر ، وإنما السنة التعزية لأهل المصاب من غير كيفية معينة ولا اجتماع معين كهذا الاجتماع ، وإنما يشرع لكل مسلم أن يعزي أخاه بعد خروج الروح في البيت أو في الطريق أو في المسجد أو في المقبرة سواء كانت التعزية قبل الصلاة أو بعدها ، وإذا قابله شرع له مصافحته والدعاء له بالدعاء المناسب مثل : أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وجبر مصيبتك ، وإذا كان الميت مسلماً دعا له بالمغفرة والرحمة ، وهكذا النساء فيما بينهن يعزي بعضهن بعضاً ويعزي الرجل المرأة والمرأة الرجل لكن من دون خلوة ولا مصافحة إذا كانت المرأة ليست محرماً له .

* يُسنُّ للرجال من المسلمين زيارة القبور كما شرعه الله سبحانه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة " خرجه مسلم في صحيحه ، قلت رواه مسلم عن أبي هريرة بلفظ "فزوروا القبورَ فإنَّها تذكِّرُ الموتَ "وروى مسلم في صحيحه أيضاً عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال " كان النبي يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية " .قلت : الحديث رواه مسلم عن بريدة عن أبيه بهذا اللفظ " السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ولم يكن حال الزيارة عليه الصلاة والسلام يقرأ سورة الفاتحة ولا غيرها من القرآن ، فقراءتها وقت الزيارة بدعة ، وهكذا قراءة غيرها من القرآن لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق على صحته ، وفي رواية مسلم يقول صلى الله عليه وسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "

والزيارة مشروعة لقبور المسلمين جميعاً سواء سُموا أولياء أم لم يُسموا أولياء وكل مؤمن وكل مؤمنة من أولياء الله كما قال الله عز وجل " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون " يونس 62 ، 63 ، وقال سبحانه في سورة الأنفال " وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون " الأنفال 34 .

ولا يجوز للزائر ولا لغيره دعاء الأموات أو الاستغاثة بهم أو النذر لهم أو الذبح لهم عند قبورهم أو في أي مكان يتقرب بذلك إليهم ليشفعوا له أو يشفوا مريضه أو ينصروه على عدوه أو لغير ذلك من الحاجات لأن هذه الأمور من العبادة ، والعبادة كلُّها لله وحده كما قال سبحانه " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " البينة 5 ، وقال عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56 ، وقال سبحانه " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً " الجن 18 ، وقال عز وجل " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " الإسراء 23 ، والمعنى : أمر ووصى ، وقال عز وجل " فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " غافر 14 ، وقال عز وجل " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 162 ، 163 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً " متفق على صحته من حديث معاذ رضي الله عنه ، وهذا يشمل جميع العبادات من صلاة وصوم وركوع وسجود وحج ودعاء وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة كما أن الآيات السابقات تشمل ذلك كلَّه ، وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله من ذبح لغير الله " ، وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبدٌ فقولوا عبدُ الله ورسولُه " قلت : الذي ورد في البخاري لفظ"عبدُه" بدلا من "عبد"، والأحاديث في الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن الإشراك به وعن وسائل ذلك كثيرة معلومة .

أما النساء فليس لهنَّ زيارة القبور لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والحكمة في ذلك أن زيارتهن قد تحصل بها الفتنة لهن ولغيرهن من الرجال ، وقد كانت الزيارة للقبور في أول الإسلام ممنوعة حسماً لمادة الشرك . فلما فشا الإسلام وانتشر التوحيد أذن صلى الله عليه وسلم في الزيارة للجميع ثم خصَّ النساء بالمنع حسماً لمادة الفتنة بهن .
أما قبور الكفار فلا مانع من زيارتها للذكرى والاعتبار ، ولكن لا يُدعى لهم ولا يُستغفر لهم ، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استأذن ربه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له واستأذنه أن يزور قبرها فأذن له ، وذلك أنها ماتت في الجاهلية على دين قومها .
* قيام البنات للمُدَرِّسة والبنين للمدرس أمر لا ينبغي وأقل ما فيه الكراهة الشديدة لقول أنس رضي الله عنه " لم يكن أحد أحب إليهم - يعني الصحابة رضي الله عنهم - من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا يقومون له إذا دخل عليهم لما يعلمون من كراهته لذلك " قلت : رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه ، وصححه الألباني بهذا اللفظ "لم يَكُن شَخصٌ أحبَّ إليهِم مِن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، وَكانوا إذا رأَوهُ لم يَقوموا لما يعلَمونَ من كَراهِيتِهِ لذلِكَ"، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أحبَّ أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار " ، قلت رواه الترمذي وصححه الألباني بهذا اللفظ "مَن سرَّهُ أن يتمثَّلَ لَهُ الرِّجالُ قيامًا فَليتَبوَّأ مَقعدَهُ منَ النَّارِ" وحكم النساء حكم الرجال في هذا الأمر .

وفق الله الجميع لما يرضيه وجنبنا جميعاً مساخطه ومناهيه ومنح الجميع العلم النافع والعمل به إنه جواد كريم .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

17 - 6 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر