الدرس 49 حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 28 ربيع الثاني 1442هـ | عدد الزيارات: 613 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ.

أمَّا بعدُ:
فَقَدْ ذكرَ بعضُ الإخوةِ الناصحينَ أنَّهُ يُوجَدُ في قبيلتِهِ وفي قبائلَ أخرى عاداتٌ قَبَلِيَّةٌ سيئِّةٌ ما أنزلَ الله بها من سلطانٍ ، منها :
تركُ التحاكمِ إلى كتاب اللهِ ،وسنة رسولِه ، صلى الله عليه وسلم ،إلى عادات قَبَلِيَّةٍ وأعرافٍ جاهلية.
ومنها كتمانُ الشهادة ، وعدمُ أدائها حَمِيَّةً وتعصباً ، أو الشهادةُ زوراً وبهتاناً حَمِيَّةً وعصبيَّةً أيضاً ، إلى غير ذلك من الأسبابِ التي قد تدعو بعضَ الناس إلى مخالفةِ الشرعِ المُطهرِ .

ولوجوبُ النصيحة لله ولعبادِه أقولُ ، وبالله التوفيق ، إنه يجبُ على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب اللهِ ، وسنةِ رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، في كل شيءٍ لا إلى القوانين الوضعيةِ والأعرافِ والعاداتِ القبليةِ ، قال الله تعالى :" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا" النساء 60 ، وقال تعالى :" أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ " ، المائدة 50 ، فيجبُ على كل مسلمٍ أن لا يقدمَ حكمَ غيرِ اللهِ على حكمِ اللهِ ورسولِهِ كائناً مَنْ كان ، فكما أن العبادةَ لله وحدَه ، فكذلك الحكمُ له وحدَه ، كما قال سبحانه " إنِ الحُكْمُ إلَّا للَّهِ " يوسف 40 ، فالتحاكمُ إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أعظم المنكرات وأقبحِ السيئات ، وفي كُفْرِ صاحبه تفصيلٌ ، قال تعالى :" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " النساء 65 ، فلا إيمانَ لمن لم يحكمِ اللهَ ورسولَهُ ، صلى الله عليه وسلم ، في أصول الدين وفروعه ، وفي كل الحقوق ، فمَنْ تَحاكمَ إلى غير الله ورسولِهِ ، فقد تَحاكمَ إلى الطاغوت .
وعلى هذا يجبُ على مشايخِ القبائل ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساسَ لها في الدين ، وما أنزل اللهُ بها من سلطانٍ ، بل يجبُ عليهم أن يَرُدُّوا ما تنازع فيه قبائلُهم إلى المحاكم الشرعية ، ولا مانعَ من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالفُ الشرعَ المطهرَ بشرط الرضا وعدمِ الإجبار ، لقوله صلى الله عليه وسلم " الصُّلْحُ جائزٌ بَيْنَ المُسلِمينَ، إلَّا صُلْحًا أحَلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا، " رواه أبو داود وصححه الألباني .

أما الشهادةُ فيحرمُ على مَنْ عَلِمَها أن يكْتُمَهَا لقوله تعالى :" وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ " البقرة 282 ، وقوله تعالى: " وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ " البقرة 283 ، فأداءُ الشهادة على وجهها إذا احْتِيج إلى ذلك واجبٌ ؛ لأنها وسيلةٌ لإقامة العدلِ وإحقاقِ الحقِّ ، وكتمُها ذنبٌ عظيم ، وإثمٌ كبيرٌ لما فيه من ضياع الحقوقِ وإلحاقِ الضرر بالآخرين ، ولِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان .
وكما أن كتمانَ الشهادة حرامٌ ، فكذلك الإتيانُ بها على غير وجهها الصحيح أو التزويرُ فيها لأي سبب من الأسباب فهو حرامٌ أيضاً ، بل ومن كبائر الذنوب ، قال تعالى " فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ " الحج 30 ، وقال رسولُ الله ، صلى الله عليه وسلم ، : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسولَ الله ، قال : الإشراكُ بالله وعقوقُ الوالدين وكان متكئاً فجلس فقال : ألا وقولُ الزورِ ألا وشهادةُ الزورِ ألا وقولُ الزورِ ألا وشهادةُ الزورِ " متفقٌ على صحته .
وبهذا يُعْلَمُ أن كتمانَ الشهادةِ حرامٌ ، وشهادةَ الزورَ حرامٌ أيضاً ، بل ومن الكبائر ، كما دلَّت على ذلك الآيات القرآنية ، والأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فليتق اللهَ أولئك الذين تجري بينهم تلك العاداتُ السيئةُ ، ويعتبرونها من العادات الحسنةِ ، وعليهم أن يلتزموا بكتاب اللهِ ، وسنةِ رسولِهِ ، صلى الله عليه وسلم ، وأن يحذروا ما خالفَ ذلكَ ، وأن يتوبوا إلى الله ، سبحانه وتعالى ، مِمَّا سلفَ منهم من المخالفة لشرع اللهِ ، وأن يرفعوا ما تنازعوا فيه إلى المحاكم الشرعية والقضاة في بلدهم ، ليحكموا فيهم بحكم الله ، ويلزموهم بما تقتضيه شريعة الإسلام ، ولا يعدلوا عنه إلى غيره .

* قولُهُمْ قبيلي وخضيري فهذه مسألة جزئية ، وهي معروفة بين الناس .
القبيلي هو الذي له قبيلة معروفة ينتمي إليها كقحطاني وسبيعي وتميمي وقرشي وهاشمي وما أشبه ذلك ، هذا يسمى قبيلي ؛لأنه ينتمي إلى قبيلة ، ويقالُ قَبَلِيّ على القاعدة ، مثلُ أن يقالَ حَنفِيّ وربَعِيّ وما أشبَه ذلك نسبةً إلى القبيلة التي ينتمي إليها .
والخضيري في عُرف الناسِ في نجد خاصةً هو الذي ليس له قبيلة معروفة ينتمي إليها ، أي ليس معروفاً بأنه قحطاني أو تميمي أو قرشي لكنه عربي ولسانه عربي ومن العرب وعاش بينهم ولو كانت جماعته معروفة .
والمولى في عرف العرب هو الذي أصله عبدٌ مملوكٌ ثم أعتق ، والعجمُ هم الذين لا ينتسبون للعرب يقال : عجميّ ، فهم من أصول عجمية وليسوا من أصول عربية ، هؤلاء يقال لهم أعاجم .
والحكم في دين الله أنه لا فضلَ لأحد منهم على أحدٍ إلا بالتقوى سواء سمي قبلياً أو خضيرياً أو مولى أو أعجمياً كلُّهم على حدٍ سواء ، لا فضلَ لهذا على هذا ولا هذا على هذا إلا بالتقوى كما قال صلى الله عليه وسلم " لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُم" ، صححه الألباني في غاية المرام ، وكما قال الله سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ " الحجرات 13 .

لكن من عادة العرب قديماً أنهم يزوجون بناتهم للقبائل التي يعرفونها ويقف بعضُهم عن تزويج من ليس من قبيلة يعرفُها ، وهذا باقٍ في الناس ، وقد يتسامح بعضُهم ، يزوج الخضيري والمولى والعجمي ، كما جرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنَّ النبيَّ ، عليه الصلاة والسلام، زوج أسامة بن زيد بن حارثة ، رضي الله عنه ، وهو مولاه وعتيقة ، زوجه فاطمةَ بنتَ قيسٍ ، رضي الله عنها ، وهي قرشية ، وكذلك أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو من قريش زوج مولاه سالماً بنت أخيه الوليد بن عتبة ولم يبال لكونه مولى عتيقا .
وهذا جاء في الصحابة رضي الله عنهم وبعدهم كثيرٌ ، ولكن الناسَ بعد ذلك ، خصوصاً في نجد وفي بعض الأماكن الأخرى ، قد يقفون عن هذا ويتشددون فيه على حَسْبِ ما ورثوه عن آباء وأسلافٍ ، وربَّما خافَ بعضُهم من إيذاء بعض قبيلته إذا قالوا له : لِمَ زوجتَ فلاناً ؟ ، هذا قد يفضي إلى الإخلال بقبيلتنا وتختلط الأنسابُ وتضيعُ إلى غير ذلك ، قد يعتذرون ببعض الأعذار التي لها وجهها في بعض الأحيان ولا يضرُ هذا ، وأمره سهل .
المهمُ اختيار من يصلح للمصاهرة لدينه وخلقه ، فإذا حصل هذا فهو الذي ينبغي سواء كان عربياً أو عجمياً أو مولى أو خضيرياً أو غير ذلك ، هذا هو الأساس ، وإذا رغب بعض الناس أن لا يزوج إلا من قبيلته فلا نعلم حرجاً في ذلك .

واللهُ ولي التوفيق .

28 - 4 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر