الدرس 28 الإجابة عن أسئلة متفرقة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 5 صفر 1442هـ | عدد الزيارات: 612 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد :

يشرع إحياءُ السنن والدعوة إليها والتحذير من البدع والشرور ؛ لأنه ﷺ يقول:"مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شيءٌ. " خرجه مسلم في صحيحه . ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " مَن دَعا إلى هُدًى، كانَ له مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن أُجُورِهِمْ شيئًا، ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا. " رواه مسلم ومعنى " سنَّ في الإسلام " يعني أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس ، فيدعو إليها ويظهرها ويبينها ، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه وليس معناها الابتداع في الدين لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن البدع وقال " كل بدعة ضلالة " صححه الألباني في صحيح الجامع ، وكلامه صلى الله عليه وسلم يصدق بعضه بعضاً ، ولا يناقض بعضه بعضاً بإجماع أهل العلم ، فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها .ومثال ذلك أن يكون العالِمُ في بلاد ما يكون عندهم تعليم للقرآن الكريم أو ما عندهم تعليم للسنة النبوية فيحيي هذه السنة بأن يجلس للناس يعلمهم القرآن ويعلمهم السنة أو يأتي بمعلمين ، أو في بلاد يحلقون لحاهم أو يقصونها فيأمر هو بإعفاء اللحى وإرخائها فيكون بذلك قد أحيا هذه السنة العظيمة في هذا البلد التي لم تعرفها ويكون له من الأجر مثلُ أجر من هداه الله بأسبابه ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ " متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما .

والناس لما رأوا هذا العالم قد وفَّر لحيته ودعا إلى ذلك تابعوه فأحيا بهم السنة وهي سنة واجبة لا يجوز تركها .

وقد يكون في بلاد يجهلون صلاة الجمعة ولا يصلونها فيعلمهم ويصلي بهم الجمعة فيكون له مثل أجورهم ، وهكذا لو كان في بلاد يجهلون الوتر فيعلمهم إياه ويتابعونه على ذلك ، وما أشبه ذلك من العبادات والأحكام المعلومة من الدين فيطرأ على بعض البلاد أو بعض القبائل جهلها فالذي يحييها بينهم وينشرها ويبينها يقال : سنَّ في الإسلام سنة حسنة بمعنى أنه أظهر حكم الإسلام .

وليس المراد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله فالبدع كلها ضلالة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ مُحدثَةٍ بدعةٌ, وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ,صححه الألباني في كتاب صلاة التراويح

ويقول صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد " متفق عليه ، ويقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام " أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " خرجه مسلم في صحيحه .

فالعبادة التي لم يشرعها الله لا يجوز الدعوة إليها ، ولا يؤجر صاحبها بل يكون فعله لها ودعوته إليها من البدع ، وبذلك يكون الداعي إليها من الدعاة إلى الضلالة ، وقد ذمَّ الله من فعل ذلك بقوله سبحانه " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " الشورى 21 .

لقد شرع الله سبحانه وتعالى لعباده التوبة فقال سبحانه " وتوبوا إلى الله جميعاً أيُّه المؤمنون لعلكم تفلحون " النور 31 ، وقال سبحانه " يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً " التحريم 8 ، وقال جل وعلا " وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحاً ثم اهتدى " طه 82 ، وقال صلى الله عليه وسلم " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .

فمن اقترف شيئاً من المعاصي فعليه بالبدار بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم أن لا يعود إلى ذلك ، والله يتوب على التائبين سبحانه وتعالى ، فمتى صدق العبد في التوبة بالندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود وأقلع منها تعظيماً لله وخوفاً من الله فإنه يتاب عليه ، ويمحو الله عنه ما مضى من الذنوب فضلاً منه وإحساناً سبحانه وتعالى

لكن إن كانت المعصية ظلماً للعباد فذلك يحتاج إلى أداء الحق الذي عليه بالتوبة مما وقع والندم والإقلاع والعزم على أن لا يعود ، وعليه مع ذلك أداءُ الحق لمستحقه أو تحلله من ذلك ، كأن يقول (سامحني يا أخي) ، أو(اعف عني) ، أو ما أشبه ذلك ، أو يعطيه حقَّه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ له حَسَناتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئاتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عليه " خرجه البخاري في صحيحه .

فينبغي للمؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه ، وإذا كان عِرضاً فلابد من تحلله إن استطاع ، فإن لم يستطع أو خاف من مغبة ذلك وأن يترتب على إخباره شر أكثر فإنه يستغفر له ويدعو له ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه بدلاً من ما ذكره بالسوء ، وبهذا ينتهي من المشكلة .

* قال صلى الله عليه وسلم :"مَنِ ابْتُلِيَ مِن هذِه البَنَاتِ بشيءٍ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ." رواه البخاري ، وهذا حديث عام للأب والأم ، وهكذا لو كان له أخوات أو عمَّات أو خالات أو نحوهن فأحسن إليهن فإنا نرجو له بذلك الجنة ، فمتى أحسن إليهن فإنه بذلك يستحق الأجر العظيم ويحجب من النار لعمله الطيب.

وهذا يختص بالمسلمين فالمسلم إذا عمل هذه الخيرات ابتغاء وجه الله يكون قد تسبب في نجاته من النار.

والنجاة من النار ودخولِ الجنة لها أسباب كثيرة فينبغي للمؤمن أن يستكثر منها ، والإسلام نفسُه هو الأصل الوحيد وهو السبب الأساسي لدخول الجنة والنجاة من النار ، ومن رزق بناتٍ فأحسن إليهنَّ كنَّ له ستراً من النار ، وهكذا من مات له ثلاثة أفراط لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النار ،" قالتِ النِّسَاءُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِن نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وأَمَرَهُنَّ، فَكانَ فِيما قَالَ لهنَّ: ما مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِن ولَدِهَا، إلَّا كانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ: واثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: واثْنَتَيْنِ." رواه البخاري

وقال صلى الله عليه وسلم :" ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِندِي جَزاءٌ، إذا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِن أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلَّا الجَنَّةُ." رواه البخاري ، فالواحد من أفراطنا يدخل في هذا الحديث إذا أخذه الله وقبضه إليه فصبر أبوه أو أمه أو كلاهما واحتسبا فلهما الجنة وهذا فضل من الله عظيم ، وهكذا الزوج والزوجة وسائر الأقرباء والأصدقاء إذا صبروا واحتسبوا دخلوا في هذا الحديث مع مراعاة سلامتهم مما قد يمنع ذلك من الموت على شيء من كبائر الذنوب ، نسأل الله السلامة .

وبالله التوفيق .

5 - 2 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر