فضل الاستغفار

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 2 شعبان 1437هـ | عدد الزيارات: 1741 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الغفور الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له التواب العظيم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (آل عمران 102)

أما بعد؛ يقول جل وعلا {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا } النساء 110 ؛ لذا أيها الإخوةَ فإننا في أمسِّ الحاجة إلى الاستغفار الذي يلهج به اللسان ، الاستغفارِ الذي يعني الانطراح بين يدي الله الذي يستر الذنب ويعفو عن الزلل، ويقي شر الموبقات وعواقب السيئات؛ ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" رواه البخاري ويقول صلى الله عليه وسلم "إنه لَيُغَان على قلبي –أي يغطى–، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة" رواه مسلم

عباد الله؛ أكثروا من الاستغفار وحافظوا عليه ليلاً ونهارًا، سفرًا وحضرًا؛ فربنا جل وعلا يقول لنبيه آمراً لأمته {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} غافر 55، وعن عائشةَ رضِيَ اللَّهُ تعالى عنها قالت:

" طوبى لمن وجدَ في صحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا يومِ القيامةِ،" (ابن حجر العسقلاني في الأمالي المطلقة)، وعن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن أَحَبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه ، فَلْيُكْثِرْ فيها من الاستغفارِ" (صحيح الجامع للألباني).


أيها الأحبة؛ الاستغفار سبب لمغفرة الذنوب وبه نيل أعظم مطلوب {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} آل عمران 135، 136، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".


معاشر الإخوة

من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، قال تعالى {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} الأنفال 33


يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" شهادة التوحيد تفتح باب الخير، والاستغفار يغلق باب الشر"


وأيضاً الاستغفار يجلب راحة البال وانشراح الصدر، وسكينة النفس وطمأنينة القلب؛ فربنا جل وعلا– يقول {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} هود 3.

فلزوم الاستغفار يجلب القوة بمختلف صورها، ويعين على أمور الدين والدنيا؛ يقول جل وعلا عن هود عليه السلام أنه قال لقومه {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} هود 52

عباد الله؛ الزموا الاستغفار تنالوا ما تحبون، وتصلوا إلى ما ترغبون، ويتحقق لكم ما تصبون إليه ؛ جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله يشكو إليه الجدب، فقال "استغفر الله"، ثم جاءه آخر يشكو الفقر فقال "استغفر الله"، ثم جاءه آخر يشكو قلة الولد فقال: استغفر الله، فتعجب أصحابه من ذلك وقالوا له: أما عندك شيء غير الاستغفار، فقال لهم: ما جئت لهم بشيء من عندي، إنما الاستغفار فيه خمس فوائد ذكرها الله تعالى في سورة نوح على لسان نوح عليه السلام {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} نوح 10–12

أحبتي في الله؛ إن الاستغفار يستلزم من العبد الصدق في التوبة، والترفع عن الدنايا، والبعد عن الخطايا، إنه الاستغفار الذي يقع معه الإقلاع عن الذنب، مع استحضار الندم وعدم الإصرار عليه؛ فربنا جل وعلا يقول {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} آل عمران 135؛ فالزموا عباد الله–الاستغفار تنعموا برحمة الرحمن ومغفرة المنان {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} النمل 46، قال الحسن "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم، وفي طرقاتكم وأسواقكم، وفي مجالسكم؛ فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة"


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

أحمد ربي وأستغفره، وأصلي وأسلم على النبي محمدٍ عليه أفضل الصلاة والتسليم، أما بعد؛ أيها المسلمون: أوصيكم بتقوى الله جل وعلا؛ فتقواه سبب السعادة والفلاح، والفوز والنجاح.


أيها الأحبة حافظوا على سيد الاستغفار في الليل والنهار؛ فقد روى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيد الاستغفار أن يقول العبد اللهم أنت رب لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت من قالها بالنهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة" رواه البخاري


فقد جمع هذا الذكر من بدائع المعاني ومحاسن الألفاظ ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم بسيد الاستغفار؛ إذ فيه الإقرار لله جل وعلا وحده بالألوهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه على العبد، والرجا بما وعده به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى العبد ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو سبحانه فاحرصوا رحمكم الله على المحافظة على هذا الذكر، وعلِّموه أولادكم وأهلكم، تفلحوا وتسعدوا


ثم إن الله جل وعلا– أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، اللهم ارض عن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلمًا كثيرًا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء الدين، فإنهم لا يعجزونك اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لما فيه خير رعاياهم، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.


عباد الله اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبحوه بكرة وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1437-8-2 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 4 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي