ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

قصة صالح نبي ثمود عليه الصلاة والسلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 14 محرم 1437هـ | عدد الزيارات: 1804 القسم: قصص الأنبياء -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ثمود قبيلة مشهورة يقال : ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس ، وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح ، وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك ، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين، وكانوا بعد قوم عاد ، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك ، فبعث الله فيهم رجلا منهم ، وهو عبد الله ورسوله صالح بن عبد بن ماسخ بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ، ولا يشركوا به شيئا فآمنت به طائفة منهم ، وكفر جمهورهم ، ونالوا منه بالمقال والفعال ، وهموا بقتله ، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم ، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ، كما قال تعالى في سورة الأعراف : {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين [الأعراف : 73 - 79] وقال تعالى في سورة هود :{ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود } [هود: 61 - 68] ،وقال تعالى في سورة الحجر :{ ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون } [الحجر: 80 - 84 ] وقال سبحانه وتعالى{ وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا } [الإسراء : 59] وقال تعالى في سورة الشعراء :{ كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } [الشعراء : 141 - 159] وقال تعالى في سورة النمل : {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون }[ النمل : 45 - 53] وقال تعالى في سورة حم السجدة : {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون وقال تعالى في سورة اقتربت : كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } [القمر : 23 - 32] وقال تعالى : {كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها} [الشمس : 11 - 15]

وكثيرا ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود ، كما في سورة براءة ، وإبراهيم ، والفرقان ، وسورة ص ، وسورة ق ، والنجم ، والفجر ويقال : إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب ، وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ، ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما ، كما قال تعالى في سورة إبراهيم : {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات}. [إبراهيم : 8 - 9]
وثمود كانوا عربا ، وكانوا بعد عاد ، ولم يعتبروا بما كان من أمرهم ؛ ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام : {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } أي إنما جعلكم خلفاء من بعدهم لتعتبروا بما كان من أمرهم ، وتعملوا بخلاف عملهم ، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، {وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} أي حاذقين في صنعتها وإتقانها وإحكامها ، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح والعبادة له وحده لا شريك له ، وإياكم ومخالفته ، والعدول عن طاعته فإن عاقبة ذلك وخيمة ؛ ولهذا وعظهم بقوله : {أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم أي متراكم كثير حسن بهي ناضج وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وقال لهم أيضا : {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها } أي هو الذي خلقكم فأنشأكم من الأرض وجعلكم عمارها أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار فهو الخالق الرزاق فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه {فاستغفروه ، ثم توبوا إليه} أي أقلعوا عما أنتم فيه ، وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم ، ويتجاوز عنكم{ إن ربي قريب مجيب* قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا} أي قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملا قبل هذه المقالة ، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وترك ما كنا نعبده من الأنداد ، والعدول عن دين الآباء والأجداد ؛ ولهذا قالوا : {أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير} وهذا تلطف منه لهم في العبارة ولين الجانب ، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير أي فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم ، وأدعوكم إليه ؟ ماذا عذركم عند الله ؟ وماذا يخلصكم بين يديه ؟ وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم إلى طاعته ؟ وأنا لا يمكنني هذا ؛ لأنه واجب علي ، ولو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ، ولا ينصرني فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له حتى يحكم الله بيني وبينكم ، وقالوا له أيضا : {إنما أنت من المسحرين} أي من المسحورين يعنون مسحورا لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده ، وخلع ما سواه من الأنداد وهذا القول عليه الجمهور أن المراد بالمسحرين المسحورون، وقولهم : {فأت بآية إن كنت من الصادقين} سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم به {قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم عظيم } وقال:

{ قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} وقال تعالى :{ وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها}
وقد ذكر المفسرون : أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم ، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم وأمرهم ، فقالوا له : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت ، وذكروا أوصافا سموها ونعتوها وتعنتوا فيها ، وأن تكون عشراء طويلة من صفتها كذا وكذا فقال لهم النبي صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به قالوا : نعم فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك ، ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له ، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة كوماء عشراء على الوجه المطلوب الذي طلبوا وعلى الصفة التي نعتوا ، فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما ، ومنظرا هائلا ، وقدرة باهرة ، ودليلا قاطعا ، وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم ؛ ولهذا قال :{ فظلموا بها } أي جحدوا بها ، ولم يتبعوا الحق بسببها أي أكثرهم ، وكان رئيس الذين آمنوا جندع بن عمرو بن مخلاة بن لبيد بن جواس ، وكان من رؤسائهم ، وهم بقية الأشراف بالإسلام فصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد ، والحباب صاحب أوثانهم ، ورباب بن صمعر بن جلهس ، ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة ، وكان من أشرافهم فهم بالإسلام فنهاه أولئك فمال إليهم، ولهذا قال لهم صالح عليه السلام : {هذه ناقة الله لكم آية} أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم ، كقوله : بيت الله ، وعبد الله لكم آية أي دليلا على صدق ما جئتكم به {فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب} فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم ، وترد الماء يوما بعد يوم ، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم ، ويقال إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم ؛ ولهذا قال :{ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } ولهذا قال تعالى :{ إنا مرسلو الناقة فتنة لهم} أي اختبارا لهم أيؤمنون بها أم يكفرون ؟ والله أعلم بما يفعلون : {فارتقبهم} أي انتظر ما يكون من أمرهم ، واصطبر على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية {ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر} فلما طال عليهم الحال هذا اجتمع ملؤهم ، واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها ، ويتوفر عليهم ماؤهم ، وزين لهم الشيطان أعمالهم، قال الله تعالى : {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين } [الأعراف : 77] وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم قدار بن سالف بن جندع ، وكان أحمر أزرق قصيرا ، وكان يقال : إنه ولد زانية ، ولد على فراش سالف وهو من رجل يقال له : صيبان ، وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ؛ فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم.

وذكر ابن جرير ، وغيره من علماء المفسرين : أن امرأتين من ثمود اسم إحداهما صدوف بنت المحيا بن زهير بن المحيا ، وكانت ذات حسب ومال ، وكانت تحت رجل من أسلم ، ففارقته فدعت ابن عم لها يقال له : مصدع بن مهرج بن المحيا ، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة ، واسم الأخرى عنيزة بنت غنيم بن مجلز ، وتكنى أم عثمان ، وكانت عجوزا كافرة ، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الرؤساء ، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء ، فانتدب هذان الشابان لعقرها ، وسعوا في قومهم بذلك فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة ، وهم المذكورون في قوله تعالى : {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون} وسعوا في بقية القبيلة ، وحسنوا لهم عقرها فأجابوهم إلى ذلك ، وطاوعوهم في ذلك فانطلقوا يرصدون الناقة ، فلما صدرت من وردها كمن لها مصدع فرماها بسهم فانتظم عظم ساقها ، وجاء النساء نساء القبيلة في قتلها ، وحسرن عن وجوههن ترغيبا لهم ، فابتدرهم قدار بن سالف فشد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها ، فخرت ساقطة إلى الأرض ، ورغت رغاة واحدة عظيمة ، تحذر ولدها ، ثم طعنها في لبتها فنحرها ، وانطلق سقبها ، وهو فصيلها فصعد جبلا منيعا ، ورغا ثلاثا .

وقال الله تعالى :{ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر} وقال تعالى :{إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها} أي احذروها {فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها}.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن زمعة :" أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ، وذَكَرَ النَّاقَةَ والذي عَقَرَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {إِذِ انْبَعَثَ أشْقَاهَا} [الشمس: 12] انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ، مَنِيعٌ في رَهْطِهِ، مِثْلُ أبِي زَمْعَةَ "، أي:هو رجُلٌ شَديدٌ قَويٌّ عِندَه ما يَحْمِيه في قَومِه، مِثلُ أبي زَمْعةَ، جَدُّ الصَّحابيِّ عبْدِ اللهِ بنِ زَمْعةَ رَضيَ اللهُ عنه؛ في عِزَّتِه ومَنَعَتِه في قَومِه، وقدْ مات كافرًا بمَكَّةَ.


وقال تعالى : {فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} [الأعراف: 77] ، فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه ؛ منها أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية ، ومنها أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين ؛ أحدهما : الشرط عليهم في قوله : {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب} وفي آية " عظيم " وفي الأخرى " أليم " والكل حق والثاني : استعجالهم على ذلك ومنها أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه ، وهم يعلمون ذلك علما جازما ، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ، ووقوع العذاب بهم قال الله تعالى :{ فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف لعنه الله فعرقبها فسقطت إلى الأرض ، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها ، فلما عاين ذلك سقبها ، وهو ولدها شرد عنهم فعلا أعلى الجبل هناك ، ورغا ثلاث مرات ؛ فلهذا قال لهم صالح : {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام } أي غير يومهم ذلك ، فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الأكيد ، بل لما أمسوا هموا بقتله ، وأرادوا فيما يزعمون أن يلحقوه بالناقة{ قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله} أي لنكبسنه في داره مع أهله فلنقتلنه ، ثم نجحدن قتله ، وننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه ؛ ولهذا قالوا : {ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون}.

وقال الله تعالى :{ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون* فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين* فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون* وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} [النمل 50-53] ، وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم سلفا وتعجيلا قبل قومهم ، وأصبحت ثمود يوم الخميس ، وهو اليوم الأول من أيام النظرة ، ووجوههم مصفرة ، كما أنذرهم صالح عليه السلام ، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم : ألا قد مضى يوم من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل ، وهو يوم الجمعة ، ووجوههم محمرة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى يومان من الأجل ، ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع ، وهو يوم السبت ، ووجوههم مسودة ، فلما أمسوا نادوا : ألا قد مضى الأجل ، فلما كان صبيحة يوم الأحد تحنطوا وتأهبوا ، وقعدوا ينظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنكال والنقمة لا يدرون كيف يفعل بهم ، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب ، فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم ، ورجفة شديدة من أسفل منهم ، ففاضت الأرواح وزهقت النفوس ، وسكنت الحركات ، وخشعت الأصوات ، وحقت الحقائق ، {فأصبحوا في دارهم جاثمين }أي: جثثا لا أرواح فيها ، ولا حراك بها قالوا : ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة ، واسمها : كلبة بنت السلق ، ويقال لها: الزريعة وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام ، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها ، فقامت تسعى كأسرع شيء فأتت حيا من العرب فأخبرتهم بما رأت وما حل بقومها ، واستسقتهم ماء ، فلما شربت ماتت قال الله تعالى : {كأن لم يغنوا فيها} أي لم يقيموا فيها في سعة ، ورزق ، وغناء : {ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود} أي نادى عليهم لسان القدر بهذا.

وقوله تعالى :{فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} إخبار عن صالح عليه السلام أنه خاطب قومه بعد هلاكهم ، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلا لهم : {يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم} أي جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني ، وحرصت على ذلك بقولي وفعلي ونيتي {ولكن لا تحبون الناصحين} أي لم تكن سجاياكم تقبل الحق ولا تريده ، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم المستمر بكم المتصل إلى الأبد ، وليس لي فيكم حيلة ، ولا لي بالدفع عنكم يدان، والذي وجب علي من أداء الرسالة والنصح لكم قد فعلته وبذلته لكم ، ولكن الله يفعل ما يريد وهكذا خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر بعد ثلاث ليال ، وقف عليهم ، وقد ركب راحلته ، وأمر بالرحيل من آخر الليل ، فقال : " ... يا فُلَانُ ابنَ فُلَانٍ، ويَا فُلَانُ بنَ فُلَانٍ، أيَسُرُّكُمْ أنَّكُمْ أطَعْتُمُ اللَّهَ ورَسولَهُ؛ فإنَّا قدْ وجَدْنَا ما وعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهلْ وجَدْتُمْ ما وعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟! ... فَقَالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما تُكَلِّمُ مِن أجْسَادٍ لا أرْوَاحَ لَهَا! فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، ما أنتُمْ بأَسْمَعَ لِما أقُولُ منهمْ. قَالَ قَتَادَةُ: أحْيَاهُمُ اللَّهُ حتَّى أسْمعَهُمْ قَوْلَهُ؛ تَوْبِيخًا، وتَصْغِيرًا، ونَقِيمَةً، وحَسْرَةً، ونَدَمًا." [صحيح البخاري].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :" أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَمَّا نَزَلَ الحِجْرَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَمَرَهُمْ أَنْ لا يَشْرَبُوا مِن بئْرِهَا، ولَا يَسْتَقُوا منها، فَقالوا: قدْ عَجَنَّا منها واسْتَقَيْنَا، فأمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذلكَ العَجِينَ، ويُهَرِيقُوا ذلكَ المَاءَ، ويُرْوَى عن سَبْرَةَ بنِ مَعْبَدٍ، وأَبِي الشُّمُوسِ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَ بإلْقَاءِ الطَّعَامِ، وقالَ أَبُو ذَرٍّ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَنِ اعْتَجَنَ بمَائِهِ." [صحيح البخاري] فينا

وبالله التوفيق

1436/12/18 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 328سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 327سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 326سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 325سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 324سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر
 الدرس 323سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ، تهذيب د. مبارك العسكر - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني -- تهذيب الشيخ د. مبارك بن ناصر العسكر