الدرس 289 أهمية عيد الأضحى

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1520 القسم: الفوائد الكتابية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الدين الذي شرع لنا العيد لم يجعل منه مناسبة يتحلل فيها المؤمن من قيود العبادة فالمؤمن عبد الله في جميع ظروفه وسائر أحواله والدين لا يريد للعبد أن يفقد الصلة بربه لحظة من ليل أو نهار وإنما تجري الأمور في تصور الدين على أن الحياة رحلة يضع المؤمن بعد كل مرحلة من مراحلها رحاله ريثما يلتقط أنفاسه ويهدئ أعصابه المشدودة ثم هو يسـتأنف بعد راحته القصيرة مرحلة أخرى من مراحل الجهاد الروحي والحياة الخاشعة النقية من أجل هذا حفل العيد في نظر الدين بالكثير من الوصايا والشعائر والمناسك التي تجعل له رسالة اجتماعية إلى جانب أنه مناسبة إسعاد وبهجة لأبناء الأمة الإسلامية على اختلاف الأعمار والمستويات وقد ربط الدين العيد بقيمة من القيم الاجتماعية هي التضحية والتضحية في أبسط معانيها تنازل الفرد عما يملك مما لا يحتاج إليه لمن لا يملك شيئاً وهو في حاجة إليه ولكنها في ثوبها الإسلامي المنشود تعني أن يذبح القادر أضحية يوزع منها قدراً على الفقراء ويهدي قدراً لذوي الأرحام والأصدقاء ويوسع على عياله يطعمهم ويدخر إذا شاء فالعلاقات الاجتماعية في يوم العيد كما يريد لها الدين علاقات ود وعطاء وحب وصفاء علاقات سخاء نفسي ومادي يتمثل في توزيع قدر محدد من الأضحية على الأحباب من الفقراء والأقرباء وعلاقات رضا نفسي ومادي لدى أولئك الآخذين وتلك حالة من التواصل الاجتماعي المحمود تضفي على العيد معنى اجتماعياً وتمنحه طاقة من الحيوية مصدرها التضحية الكريمة في يوم شاء الله له أن يكون كريماً فالأضاحي شعيرة من شعائر الله بالنسبة إلى الحجيج في مكة وغير الحجيج في سائر البلاد يتقرب بها المضحون إلى الله متى قدروا عليها إلى جانب ما يصيبهم بفضلها من خير حين تتقارب قلوب الفقراء والأغنياء وحين تنتفي من المجتمع صورة العوز والفاقة فيشبع من لم يكن يشبع كما تختفي تبعاً لذلك صورة الحقد الاجتماعي الذي يتجلي في أبشع صوره عندما يحس المحتاج أن القادر لم يبال به ولم يلتفت إلى حاجته فشبع وتركه بائساً وتلك هي اللحمة التي عبر عنها الله سبحانه بقوله "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" فاللحوم والدماء تنالكم أنتم وتتعاطونها فيما بينكم أما ما ينتج عن هذه التضحية فإن أعظم ما فيه صلة العبد بربه والتقوى التي تشع من تصرفه على نحو يرضي الله سبحانه فالعطاء من الجانب المادي دون مقابل ولكنه في ضوء الإيمان بالجزاء الأخروي تقابله سعادة النفس بالتعامل مع الله وأي سعادة تعدل إحساس المرء بالأمن يتخلل أعماق قلبه فينطلق لسانه مكبراً شاكراً لله أن هداه إلى معرفته وأفاض عليه نعمته وسخر له ما في البر والبحر جميعاً منه "كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين" والمسلم يحاول أن يدنوا بسلوكه من المستوى الذي تحقق للحجيج فإذا تذكر ما هم عليه من طهارة وعفاف وتنزه عن الاسفاف وتشاغلوا بالذكر والتقرب حاول أن يتأسى بحالهم وعمل على تنقية سلوكه من العادات والأحوال السيئة وربما كان أبسط أداب الحجيج ما فرضه الله سبحانه عليهم من أنه "فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ " (البقرة 197) فالمسلم الحق يجد نفسه مندوباً إلى أن يلتزم بهذا الأدب الإلهي الذي يتقيد به الحجيج غير أن هنالك معنى آخر أشمل من ذلك وأكمل هو إحساس المؤمن بالصفاء الداخلي الذي يسقط الأحقاد ويتناسى ألوان التنازع والتخاصم على شئون الحياة وأنسب وقت لتصفية هذه التركة الدنيوية الثقيلة هو العيد فجدير بمن أقبل على الله ونفذ أمره في التضحية التي حتمت عليه من قبل أن يخاصم فلاناً أو أن يبغض فلاناً فالمال أهون ما يضحي به الإنسان غير أن التضحية بالأهواء وبالنوازع هي أعسر شيء يتكلفه المسلم في العيد ولكنه ليس عسيراً على من يسره الله عليه والمهم أن هذا الاستعداد للتضحية بالخصومات يجد في مناسبة العيد موسماً من مواسم التآلف فالخصوم في العيد متحابون والأباعد متقاربون وعواطف الخير تقود الناس إلى حيث يكون اجتماعهم وتعاونهم على البر والتقوى حتى تكتمل في العيد تلك الصورة المثالية التي عبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم فيما حدث به النعمان بن بشير "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"

أعزائي إن واجبكم نحو أبنائكم هو واجبكم نحو أنفسكم وإهمالكم لهم إهمال لأنفسكم التي دعاكم الله ورسوله إلى العناية بها في قوله سبحانه "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا " (الشمس 7-10 )فلا تتركوا أبنائكم في الشوارع كالسوائم الضالة ولكن إصحبوهم إلى المساجد ليرفعوا أصواتهم بالتكبير واصحبوهم في توزيع لحوم الأضاحي ليتدربوا على الإحسان العملي

اللهم تقبل من المضحين أضاحيهم

وبالله التوفيق

1435-5-3 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 5 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي