الدرس 295 إنفاق المال في طرق الخير

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1398 القسم: الفوائد الكتابية

أيها الأحبة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

بالشكر تدوم النعم فاشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا فلقد أرسل الله إليكم رسولًا يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة فبقي دينه متلوًّا في كتاب الله غير مبدل ولا مغير ومأثورًا فيما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفاض عليكم المال لتستعينوا به على طاعته وتتمتعوا به في حدود ما أباحه لكم فهو قيام دينكم ودنياكم فاعرفوا حقه وابذلوه على مستحقه

" وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا"(المزمل 20)
عباد الله: إن مالكم في الحقيقة ما قدمتموه لأنفسكم ذخرًا لكم عند ربكم ليس مالكم ما جمعتموه فاقتسمه الوارث بعدكم فإنكم سوف تخلفونه وتدعونه كما قال الله تعالى:" وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ " (الأنعام 94)
فسوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر" وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: أنهم ذبحوا شاةً فتصدقوا بها سوى كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم "بقيت كلها غير كتفها"
إن من إنفاق المال في طرق الخير أن يتصدق به المرء صدقةً منجزةً على الفقراء والأقارب فيملكونها ويتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة لما نزل قوله تعالى "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ" (آل عمران 92) جاء أبو طلحة - وكان له حديقة قِبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تسمى بيرحاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب - فقال يا رسول الله إن الله أنزل هذه الآية وإن أحب مالي إليَّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذاك مال رابح ذاك مال رابح وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه "
ومن إنفاق المال في طرق الخير أن يصرفه في بناء المساجد والمشاركة فيها فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من بنى لله مسجدًا يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له بيتًا في الجنة" فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنة رسوله والفقه في دينه وفي كل ذلك أجر لبانيها والمشارك فيها
ومن إنفاق المال في طرق الخير أن ينفقه في المصالح العامة كإصلاح الطرق وتأمين المياه فإن الصحابة حين قدموا المدينة كان فيها بئر تسمى بئر رومة لا يحصلون الماء منها إلا بثمن فاشتراها عثمان رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم من حفر رومة فله الجنة فحفرها رضي الله عنه
ومن إنفاق المال في طرق الخير تحبيسه وإنفاق غلته فيما يقرب إلى الله عز وجل وهو الوقف والسبيل ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضًا بخيبر لم يصب مالًا أنفس عنده منه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره فيها ويستأمره فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها وللبخاري تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره وللنسائي احبس أصلها وسبل ثمرتها فتصدق به عمر في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذي القربى
فإذا سبل الإنسان ملكه صار وقفًا محبوسًا لا يباع ولا يوهب ولا يورث وإنما يصرف فيما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثمًا والمقصود بالوقف أمران عظيمان أولهما التقرب إلى الله عز وجل وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلة الوقف فيما يرضيه تعالى وثانيهما نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم وإذا كان المقصود به التقرب فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصية لله ورسوله إذ لا يتقرب إلى الله إلا بطاعته

فلا يجوز الوقف على بعض الأولاد دون بعض لأن الله أمر بالعدل "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" والوقف على بعض الأولاد دون بعض مناف للعدل إلا أن يكون التخصيص بصفة استحقاق فتوجد في أحدهم دون الآخر مثل أن يوقف على الفقير من أولاده أو على طالب العلم منهم فلا بأس

فإذا أوقفه على الفقير منهم فلاحظ فيه للغني حال غناه وإذا أوقفه على طالب العلم فلاحظ فيه لغير طالب العلم حال تخليه عن طلبه
ولا يجوز أن يوقف شيئًا من ماله وعليه دين لا وفاء له من غير ما وقفه حتى يوفي دينه لأن ذلك إضرار بغريمه ووفاء الدين أهم لأنه واجب والوقف تطوع، ولا يجوز أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض لأن الله قسم المال بين الورثة وقال " فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ" وفي الآية "وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ" وبين أن ذلك من حدوده وتوعد من عداها وقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" وإذا كان المقصود بالوقف هو التقرب إلى الله عز وجل ونفع الموقوف عليهم فالذي ينبغي أن ينظر الإنسان فيما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده ولينظر في النتائج المترتبة على وقفه وليتجنب ما يكون سببًا للعداوة والقطيعة وليعلم أن إنفاق المال في حال الحياة والصحة خير وأفضل وأعظم أجرًا لا سيما إذا كان في صالح مستمر كبناء المساجد وإصلاح الطرق وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على من ينتفع بها وإعانة في زواج فقير يحصنه ويحصن زوجته وربما يولد بينهما صالح ينفع المسلمين فهو مصلحة وأجر لمن أعانه على زواجه ولو قدر أنه ولد بينهما فاسد لم يضر المعين شيئًا لأنه لم يعنه من أجل طلب مثل هذا الولد وفي صحيح مسلم "أن رجلًا قال يا رسول الله أي الصدقة أفضل وفي لفظ أعظم أجرًا قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان" وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصدقة في حالة الصحة أفضل لأنها صدقة من شخص يخاف الفقر ويأمل طول البقاء فهو شحيح المال بخلاف من جعل تنفيذ المال بعد يأسه من الحياة وانتقال المال للوارث وقد تصدق الله على عباده بثلث أموالهم يوصون بها بعد موتهم لأقاربهم غير الوارثين أو للفقراء أو لبناء المساجد أو غيرها من طرق الخير والبر وإذا أوصى بشيء من ماله فله الرجوع في وصيته وله إبطالها وله أن يغير تنفيذها وينقصها ويزيدها في حدود ثلث المال فالوصية أوسع من الوقف من هذه الناحية لأن الإنسان يستطيع إبطالها وتغييرها ومن ناحية جوازها ولو كان على الإنسان دين لأنها لا تضر أهل الطلب لأن الموصي إذا مات وعليه دين قدم قضاء الدين على الوصية أما الوقف فينفذ في الحال وليس للواقف إبطاله ولا تغييره ولا الزيادة في تنفيذه أو النقص

اللهم ارزقنا قلباً خاشعاً وعلماً نافعاً وإيماناً صادقاً ودعوة مستجابة

وبالله التوفيق

1435-5-3هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي