تحريم أذية المسلمين

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 22 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 7815 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي حرم أذية المسلمين وأمرنا بأن نكون أخوة متحابين

أحمده على نعمه التي لا تحصى وأجلها نعمة الإسلام وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلام وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حثنا على التآخي في الدين وحذرنا من أذية المسلمين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الذين ضربوا الأمثلة في الأخوة الصادقة فكانوا غرة في جبين الزمان وقدوة لأهل الإيمان وسلم تسليماً كثيراً

أما بعد

عباد الله: اتقوا الله تعالى واستمعوا إلى قوله القائل في كتابه العزيز "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا"الأحزاب:58. في هذه الآية الكريمة تحريم أذية المسلمين والوعيد عليها فقد عظم الله حرمة المسلم وحرم أذيته بالقول أو الفعل كأن ينسب إليه ما هو بريء منه وذلك هو البهتان أو يساء إليه بأي نوع من الإساءة التى يتأذى بها

والمؤمنون عرضة للأذى فى كل مكان وزمان على أيدي أعدائهم من الكافرين والمنافقين بنشر قالة السوء عنهم وتدبير المؤامرات ضدهم ولكن الله سبحانه يتولى الرد عنهم وينتقم ممن آذاهم قال صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب "رواه البخاري . وقال عليه الصلاة والسلام " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " رواه مسلم .

هكذا حرم الله أذية المسلمين ومضايقتهم سواء في طرقاتهم وفي بيوتهم وفي معاملاتهم وغير ذلك فقد رغب صلى الله تعالى عليه وسلم في إماطة الأذى عن الطريق قال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم "الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان"رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم "لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى المسلمين"رواه مسلم. وقال عليه السلام "من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفيه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء" رواه مسلم.

عباد الله: إن الطرقات حق مشترك للمارة ينبغي افساحها وإزالة الأذى والعراقيل عنها لكن مع الأسف نرى العكس من ذلك فقد صارت طرقات المسلمين مجمعات للقاذورات والنجاسات والمستنقعات المؤذية كل يلقى فيها ما عنده من زبالة وقمامة بل إن البعض من الناس إذا ماتت عنده دابة فأفضل مكان يلقى فيه جيفته هو طريق المسلمين وإذا أراد أحدهم أن يقيم بناية استولى على طريق المسلمين فوضع فيه الحجارة وأكوام التراب والحديد وعمق فيه الحفر ومنع المسلمين من طريقهم الذي جعله الله حقاً لهم على حد سواء لا يمنعهم منه إلا ظالم مستحق للعنتهم

ومن يفعل ذلك لا يبالي أو يظن أن البلدية إذا سمحت له أو تساهلت معه أو تصالح مع بعض المسؤلين فيها بطرق غير مشروعة يظن أن ذلك يسقط حق المسلمين عنه إن حق المسلم لا يسقط إلا إذا سمح هو به ولو سمعت دعاء المارة وتسخطهم على من سد عليهم طريقهم لأفزعك ما تسمع وهذه الدعوات لا تذهب سدى لأنها دعوات المظلومين ودعوة المظلوم مستجابة وإذا تركنا أصحاب البنايات إلى أصحاب السيارات وجدنا جماعات كالوحوش الضاربة همها ازعاج المسلمين وإلحاق الضرر بهم فهذا يوقف سيارته في ممر الناس فيسد الطريق على هذا ويعرض الآخر للاصطدام به وفريق آخر من أصحاب السيارات يروق لهم أن يرفعوا أصوات أبواق السيارات فيزعجوا من حولهم من المارة وأًصحاب البيوت وربما يصادف غافلاً فيصيح به بغتة فيتأثر وقد يصاب في عقله وفريق آخر من أًصحاب السيارات تبلغ به السفاهة أن يجعل سيارته أداة للعبث فيأخذها في اللف والدوران

والتفحيط في الشوارع وإيذاء المسلمين في مساجدهم وبيوتهم وتعريضهم وتعريض أولادهم للخطر إن مثل هذا العابث الهابط سفيه طائش العقل ملحق بالمجانين فيجب الأخذ على يده ونزع السيارة من تصرفه وتأديبه التأديب الرادع حتى يرجع إليه عقله ويذوق وبال أمره وإن كان الذي مكنه من السيارة وليه فيجب أن يؤدب وليه معه لأنه لا يقل جرماً عنه حتى يعلم الجميع أن للمسلمين حرمة وأن للعابثين عقوبة وأن لكل مجرم جزاء وأن هناك سلطة عادلة تنتصر للمظلوم من الظالم، وفريق آخر من أًصحاب السيارات إذ سار في الطريق لا يرى لغيره حقاً فيه فيهاجم المارة ويحاول الاستيلاء على الطريق ليدرك من سبقه ويحجزه على من خلفه ويعطي لسيارته الحرية وأقصى حد في السرعة ولو ترتب على ذلك أزهاق من أرواح بريئة وإتلاف أموال محترمة

ما هكذا أيها المسلمون تكون معاملة المسلم لأخيه المسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دفع من عرفة إلى مزدلفة ومعه الجمع العظيم من المسلمين جعل يقول السكينة السكينة وشنق الزمام لراحلته حتى كاد رأسها يلامس رحله خشية أن يشق على المسلمين في سيرهم ويضايقهم في طريقهم وهو أفضل الخلق على الإطلاق ولو شاء أن يفسح له الطريق حتى يمر وحده لفعل ولكنه كما وصفه الله "عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم"التوبة:128. وقد أمره الله أن يخفض جناحه للمؤمنين

فاقتدوا به أيها المسلمون

" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " الأحزاب 21

هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد

عباد الله: إن من أذية المسلمين محاولة الإطلاع على عوراتهم وإلقاء النظر عليهم في بيوتهم من خلال شقوق الجدران أو الاطلاع عليهم من الشرف أو من فتحات النوافذ أو من خلال المكبر كما يفعل بعض الوقحين السفلة وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب البيت في هذه الحالة أن يدفع هذا الصائل الخائن ولو أدى ذلك إلى فقأ عينه وإتلافها ولا ضمان عليه في ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه " رواه مسلم

فانظروا يا عباد الله: العين التي إذا جني عليها بغير حق وجب فيها القصاص أو نصف الدية تذهب هدراً إذا تعدت في النظر إلى حرمات الآخرين لأنها آثمة ظالمة مما يدلكم على عظمة حرمة المسلم

ومثل النظر الاستماع فلا يجوز للإنسان أن يستمع إلى أسرار الناس التي يسرونها فيما بينهم ولم يبيتوا فيها أذية لأحد أو ظلماً لمسلم

عباد الله: ومن أذية المسلمين خديعتهم في معاملاتهم وغشهم في بيعهم وشرائهم فمن حق المسلم على المسلم أن يصدقه وينصح إذا استنصحه وأن يحب له ما يحب لنفسه وليس من الدين في شيء غش المسلمين وخيانتهم قال صلى الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا " رواه مسلم . لكن مع الأسف صار الغش اليوم عند بعض من الناس هو التجارة الرابحة والطريقة الناجحة حتى إن الذي لا يحسن الغش ولا يتقن المكر لا يصلح للبيع والشراء في هذا الزمان وكأن البيع والشراء أصبح وسيلة لسلب أموال الناس ونهبها فبدل أن كانت تسلب الأموال بالقوة والقهر صارت الآن تسلب بالحيلة وتحت شعار المعاملة فالمعيب يباع بثمن السليم والرخيص يباع بثمن الغالي والردئ يباع بثمن الجيد والناقص في مقداره يباع بصورة الوافي وإذا أراد المشتري أن يستوثق لنفسه فالبائع لا يجد حرجاً في آن يحلف بالله وهو كاذب ولا أن يتفوه بكلمات الدين والأخوة وكل ما يغرر بالسامع ويزيل الشك من نفسه فلدى البائع رصيد كبير من الكلمات المعسولة والتستر باسم الدين وما يسحر به سمع المشتري وبصره حتى يخيل إليه أنه أمام أرحم الناس به وأصدقهم له فإذا أفرغ ما في جيبه من النقود وذهب بسلعته المهزولة وتكشفت له الخديعة بعد ذلك وبانت له الحقيقة وانقشع عنه ضباب الكذب والدجل وجد نفسه أمام سراب خادع فحينئذ لا تسأل عن ندامته وكيف يكون شعوره نحو هذا الظالم الذي سلب ماله بغير سيف ولا رمح إنه حينئذ أصبح مظلوماً لا يملك أن يرفع يديه إلى من ينتصر للمظلوم من الظالم يجأر إلى ربه بالدعوات الصارخة التي هي أشد من القذائف المدمرة والتي لا بد أن تصيب هذا الظالم إما عاجلاً وإما آجلاً

وإن من أذية المسلمين الأذية والعبث بالمرافق الحكومية فما وجدت هذه المرافق إلا لخدمة المسلمين فإلحاق الضرر والعبث بهذه المرافق يعيق استفادة المسلمين منها ولو أن الناس اهتموا بالمرافق الحكومية كاهتمامهم بممتلكاتهم لما كانت أسرع من غيرها في الحاجة إلى الترميم فالمرافق الحكومية أمانة لدى الجميع لأنها تخدمهم جميعاً والعبث بها لا يجوز شرعاً كما أنه لا يجوز أذية المسلمين بأي حال من الأحوال كما أشرنا إلى ذلك آنفا

اللهم لا تجعلنا مؤذِين ولا مؤذَين اللهم احفظنا من أذية الغير واجعلنا من الملتزمين بآداب الإسلام واجعلنا قدوة للآخرين في تعاملنا معهم وصلى الله على نبينا محمد

ملحوظة : ألقيت هذه الخطبة أول مرة في عام 1405هـ

1435-3-22 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي