الدرس 177: أحكام عامة تتعلق بإقامة الحدود

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2216 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

س: هل يجوز إقامة الحدود في غياب السلطان المسلم ؟
ج: لا يقيم الحدود إلا السلطان المسلم أو من ينوب عنه من أجل ضبط الأمن ومنع التعدي والأمن من الحيف وعلى العاصي الاستغفار والتوبة إلى الله والإكثار من العمل الصالح وإذا أخلص لله في التوبة تاب الله عليه وغفر له بفضله وإحسانه

وقال النبي صلى الله عليه وسلم "الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها" وقال عليه الصلاة والسلام: التائب من الذنب كمن لا ذنب له

ومن وقع في الزنا وجب عليه أن يتوب إلى الله توبة نصوحا وينبغي أن يستر نفسه بستر الله عز وجل ولا يطالب بإقامة الحد عليه ولا يقيم الحدود إلا الحاكم المسلم أو من يقوم مقام الحاكم ولا يجوز لأفراد المسلمين أن يقيموا الحدود لما يلزم على ذلك من الفوضى والفتنة

ولا يجوز إقامة القصاص إلا بعد ثبوته شرعا لدى المحكمة الشرعية ويقيمه الحاكم أما الأفراد فليس لهم إقامة القصاص على أحد لما يترتب على ذلك من الضرر والفوضى

فالحدود منوطة بالإمام أو من ينيبه وليس للوالد ولا غيره أن يقيم الحد

وكذا الزاني المحصن ليس له أن يقتل نفسه ولكن عليه التوبة ومثله السارق وشارب الخمر

وجميع ما ذكرته آنفاً رداً على أسأله وردت من مسلمين في بلاد غير إسلامية وليس لديهم محاكم شرعية

الاستمناء باليد المعروف بالعادة السرية محرم شرعا لعموم قوله تعالى "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" ولما في ذلك من الضرر وعلى السائل أن يتوب إلى الله توبة صادقة عسى الله أن يتوب عليه ويغفر ذنبه

واللواط من كبائر الفواحش وعقوبته الشرعية القتل ومن ثبت عليه ذلك عند ولي الأمر بالإقرار أو بأربعة شهود وجب إقامة الحد عليه ومن ستر الله عليه فليتب إليه سبحانه ويستغفره ويجتنب هذه الفاحشة الممقوتة عسى أن يتوب الله عليه

ومن زنا بعد الطلاق فهذا الأمر راجع إلى ولي الأمر والقضاء الشرعي ولا يخفى أن من مقاصد الإسلام الجليلة الحث على الستر والتوبة فيما بين العبد وربه

ولا يجوز للإنسان أن يقطع يده تنفيذا لحد السرقة على نفسه ولا أن يقتل نفسه عند وجود ما يبيح قتله والواجب أن يتوب إلى الله تعالى ويستغفره ويندم على ما فات ويعزم على عدم العودة لمثله وأن يرجع الأموال التي سرقها إلى أصحابها مع ستره على نفسه وعدم إعلانه أنه كان سارقا فإن لم يجد أصحابها أو لم يعرفهم فإنه يتصدق بها بالنية عنهم

أما من أجري عليه الحد ففي الصحيحين وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب شيئا من ذلك فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه" فمن هذا الحديث يتبين أن الحدود كفارات لمن أقيمت عليه

والحدود إذا بلغت الحاكم الشرعي وثبتت بالأدلة الكافية وجب إقامتها ولا تسقط بالتوبة بالإجماع فقد جاءت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة إقامة الحد عليها بعد أن تابت وقال في حقها "لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم" ومع ذلك قد أقام عليها الحد الشرعي وليس ذلك لغير السلطان

أما إذا لم تبلغ العقوبة السلطان فعلى العبد المسلم أن يستتر بستر الله ويتوب إلى الله توبة صادقة عسى الله أن يقبل منه

ولا يجوز لولي المجني عليه أن يعفو لأن إقامة الحكم في ذلك حق الله تعالى ويتولى التنفيذ الحاكم

وهذا إجابة لسؤال عن شاب أعتدي عليه وأمره الآن عند الشرطة للتحقيق في ذلك

ولا يجوز تقويم عقوبات الحدود بمبالغ نقدية لأن الحدود توقيفية ولا يجوز تغييرها عما حده الشارع

مثل ما قال السائل يقوم قطع يد السارق بمبلغ معين فهذا لا يجوز

الزنا حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين سواء أدركت علة التحريم فيه وهي حفظ الأنساب وحفظ أعراض النساء وأوليائهن من النيل بسوء أم لم تدرك والأصل في الأمور الشرعية قبولها معللة أو غير معللة ولحكم كثيرة قد يخفى بعضها على بعض الناس وليس حفظ الأنساب هو العلة الوحيدة

ومن شرب الخمر أو زنى أو فعل شيئا من المعاصي مستحلا لها فقد كفر ولا يصح مع الكفر عمل ومن كان يفعل المعصية وهو مقر بتحريمها ولكن تغلبه نفسه ويرجو الله أن يعصمه منها فهذا مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته والواجب على العبد إذا اقترف شيئا من المعاصي أن يتوب ويرجع إلى الله عز وجل ويعترف بذنبه ويعزم على أن لا يعود إليه ويندم على فعله ولا يتلاعب في دين الله ويستتر بستر الله وإمهاله له فإن الله جل وعلا أخرج إبليس من رحمته وطرده مؤبدا وجعله شيطانا رجيما بسبب ذنب واحد أمره الله بالسجود لآدم فامتنع وأهبط الله آدم من الجنة بسبب أنه عصى الله جل وعلا بمعصية واحدة ولكن آدم تاب فتاب الله عليه وهداه إلى صراط مستقيم فلا يجوز للعبد أن يكون مسلكه مع ربه مسلك المخادع الماكر بل الواجب عليه أن يقف مع الله موقف خائف يفعل ما أمره به ويترك ما نهاه عنه

وثبت في شريعة الإسلام رجم من زنى وهو محصن من الرجال والنساء قولا وفعلا أما العمل فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية واليهودي واليهودية لزنا هؤلاء وهم محصنون وأما القول فقد ثبت من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب جلد مائة والرجم" رواه مسلم

قلت: آخر ما استقر عليه الأمر أن الثيب يرجم فقط وهو المعمول به اليوم

وثبت من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما قالا "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي قال قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنا بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني مائة جلدة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكم بكتاب الله المائة شاة والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها" متفق على صحته

ولا يصح إثبات جريمة الزنا بالتقرير الفاحص الكيماوي وتقرير أخصائي في بصمات الأصابع وشهادة ظرفية فإن ذلك إنما يفيد اجتماعا ومخالطة ويثير التهمة ويبعث ريبة في النفوس ولا ينهض لإثبات الجريمة الموجبة للحد حتى يقام الحد على مرتكبيها كما لا تنهض لدفع حد القذف عمن رمى المحصنين والمحصنات بجريمة الزنا

ومن زنى وهو متزوج فهو فاسق وعلى ولي الأمر إقامة الحد عليه بالرجم حتى الموت عقوبة له إذا ثبت ذلك

ومن ابتعد عن زوجته أو طلقها لا يزول إحصانه بذلك إذا كان قد دخل بها

ومن تزوج بزوجة ثم زنا أقيم عليه حد الرجم سواء كانت زوجته باقية في عصمته أم كانت مطلقة أم كانت ماتت لأنه صار بوطئه زوجته محصنا وكذا الحكم في المرأة

ويحرم مجامعة الخادمة التي تستأجر من أجل العمل لأن ذلك زنى وهو من أكبر الكبائر التي حذرت الشريعة منها وأما المملوكة التي أباحت الشريعة وطأها فهي المرأة التي استرقت رقا شرعيا

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وحمى الله المسلمين من الزنا

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين

1435-3-10هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر