الدرس 176: العدد والاستبراء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 7 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1901 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

إحداد المرأة التي توفي زوجها مدة عدة الوفاة فرض عليها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها

وعلى المسلم أن يطيع الله ورسوله في كل أمر ونهي علم الحكمة أم لم يعلمها فإن الله عليم بما يصلح عباده وبما تستقيم عليه أحوالهم فيشرع لهم ما يحقق ذلك ومن الحكمة في الحداد تطييب نفس أقارب الميت ومراعاة شعورهم وكمال المحافظة على حق الميت مدة العدة

لا يعتد الرجل مثل المرأة ولكنه يمنع أحيانا من الزواج بأخرى ومن ذلك فيما إذا كان متزوجا أربع زوجات وطلق إحداهن طلقة رجعية فليس له أن يتزوج رابعة مكانها حتى تنقضي عدتها

والزوجة التي لم يدخل بها زوجها إذا طلقها قبل دخوله بها وقبل المسيس فليس له عليها عدة تعتدها قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا

والمرأة المتوفى عنها زوجها تجب عليها العدة سواء كان مدخولاً بها أو لا وهي أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

وتنقضي عدة التي وضعت حملها وينقضي حدادها على زوجها المتوفى بولادتها

فعدة الحامل وضع حملها سواء كانت مطلقة أم متوفى عنها زوجها

أما إذا كانت مطلقة بعد الدخول فعدتها ثلاث حيض إن كانت ممن تحيض فإن كانت لا تحيض لصغرها أو يأسها من الحيض فعدتها ثلاثة أشهر

وللفائدة: فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية بخروجها من عدة الوفاة بوضع الحمل. رواه البخاري ومسلم

والأدلة على الأصناف المذكورة آنفاً كالآتي

الصنف الأول: الحامل وعدتها من موت زوج أو طلاق هي: وضع كامل الحمل لقوله تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ

الصنف الثاني: المتوفى عنها زوجها من غير حمل فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من حين موته لقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا

الصنف الثالث: المرأة ذات الحيض وعدتها من طلاق وفسخ هي ثلاثة قروء لقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ

الصنف الرابع: المرأة التي لا تحيض إما لصغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى: "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ" ومثلها المستحاضة

الصنف الخامس: المرأة التي ارتفع حيضها ولم تدر ما رفعه فعدتها سنة لقول الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر علمناه

الصنف السادس: امرأة المفقود وتعتد بعد مدة التربص أربعة أشهر وعشرا عدة الوفاة

شرع الله سبحانه العدة على النساء لحكم كثيرة ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "إعلام الموقعين" وهذا نص كلامه فأما المقام الأول: ففي شرع العدة عدة حكم منها: العلم ببراءة الرحم وأن لا يجتمع ماء لواطئين فأكثر في رحم واحد فتختلط الأنساب وتفسد وفي ذلك من الفساد ما تمنعه الشريعة والحكمة

ومنها: تعظيم خطر هذا العقد ورفع قدره وإظهار شرفه

ومنها: تطويل زمان الرجعة للمطلق إذ لعله يندم ويفيء فيصادف زمنا يتمكن فيه من الرجعة

ومنها: قضاء حق الزوج وإظهار تأثير فقده في المنع من التزين والتجمل ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد

ومنها: الاحتياط لحق الزوج ومصلحة الزوجة وحق الولد والقيام بحق الله الذي أوجبه أ.هـ

فإذا توفي الرجل عن زوجة فعليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشر ليال وإذا كان لها صداق مسمى فلها ما سمي فإن لم يسم فلها مهر مثلها وترث زوجها فإن كان له ولد فلها الثمن إن لم يكن لها مشارك فإن كان معها مشارك زوجة أو أكثر فهي مع من شاركها شركاء في الثمن فإن لم يكن له ولد فلها الربع إن لم يكن معها مشارك

والمرأة المتوفى عنها بعد العقد عليها وقبل الدخول بها في حكم الزوجات فلها المهر كاملا ولها الميراث وعليها العدة لقضاء النبي صلى الله عليه وسلم بذلك

وإذا توفي رجل عن امرأة وهي غائبة عنه بدأت عدتها من تاريخ الوفاة فإن لم تعلم بوفاته إلا بعد انقضاء العدة فلا يلزمها ابتداء عدة أخرى ولا يجب عليها الإحداد

والعدة على العجوز التي لا حاجة لها إلى الرجال وعلى الصغيرة السن التي لم تبلغ الحلم

والإحداد واجب على زوجة المتوفي وتأثم بتركه ولا يجب عليها بترك الإحداد كفارة فعليها الإكثار من التوبة والاستغفار وفعل الخيرات

ولا تخرج المعتدة من بيت زوجها إلا بعد نهاية العدة إلا لضرورة

والعدة تبدأ من تاريخ صدور الطلاق من الزوج لا من وصول ورقة الطلاق

وإذا طلق الرجل امرأته طلقة واحدة وأثناء العدة أوقع الطلقة الثانية فإنها تحرم عليه زوجته بانتهاء العدة من الطلقة الأولى

وعدة المرأة المتوفى عنها وإحدادها يبدآن من وفاة زوجها لا من دفنه

والمرأة المعتدة عدة وفاة تكمل مدة العدة ولا تخرج للحج إلا بعد انتهاء مدة العدة

وتجتنب المرأة في الإحداد جميع أنواع الطيب وكل أنواع الزينة ونحوهما ولا تخرج من بيتها لزيارة جيرانها الأقربين

والأصل أن تحد المرأة في بيت زوجها الذي مات وهي فيه ولا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى عند المرض وشراء حاجتها من السوق كالخبز ونحوه إذا لم يكن لديها من يقوم بذلك

وعلى المعتدة عدة الوفاة أن تجتنب الملابس الجميلة وتلبس ما سواها وأن تجتنب جميع أنواع الطيب ونحوها وتجتنب التحلي بالذهب والفضة ونحو ذلك وأن تجتنب الكحل في عينيها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى المحدة عن هذه الأمور وأما كونها لا تنظر إلى زوجها إذا مات أو إلى صورته فهذا ليس بصحيح بدليل غسل أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر له حين توفي

ولا مانع من خروج المرأة المحدة من منزلها إلى حضيرة الأغنام القريبة منه أو إلى المزرعة كذلك
فالمرأة المعتدة من وفاة يحرم عليها التزين في بدنها بالخضاب والكحل ومواد التجميل ويجوز لها الخروج لحاجتها نهارا لا ليلا ويجوز لها الكلام في الهاتف إذا كان لا يترتب عليه فتنة

لا يجوز للمحدة الخروج من بيتها لصلاة التراويح والتهجد ويجوز لها أن تذهب إلى بيت ابنها إذا كان يجمعها مع بيتها سور واحد لأنها في حكم البيت الواحد ويجوز لها وضع الكحل للعلاج على أن تضعه في الليل وتزيله في النهار ويجوز لها أن تصلح شعر رأسها بوضع السدر ونحوه مما يصلحه دون الحناء

ولا مانع من استعمال الطيب أو البخور عند الطهر من الحيض واغتسالها منه ولا بأس أن تستعمل الشامبوا أثناء التنظيف ويجوز لها الانتقال إلى جهة تأمن على نفسها فيها ويجوز ذهابها للمستشفى للعلاج ولها مراجعته إذا قرر الطبيب ذلك

ولا مانع من السفر للعلاج ولا يجوز لها الخروج لزيارة أقربائها ولا يجوز لها الذهاب إلى بيت أخيها لتمريض أمها لكنه يجوز لها زيارة أمها التي تحتاج إلى زيارة ولا يملك الزوج أن يسقط عن زوجته الحداد عليه إذا توفي قبلها

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وفقهنا في أمور ديننا

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين

1435-3-7 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة