الدرس 163: تحديد النسل

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1822 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

يختلف حكم استعمال الأدوية والحبوب لمنع الحمل باختلاف الغرض منه وباختلاف طبيعة الحبوب ومدى تأثيرها على الزوجة وموقف الرجل في ذلك والوقت الذي تستعمل فيه هذه الحبوب

فأما بالنسبة للغرض فقد يكون المقصود هو البقاء على نضارة المرأة وهذا فيه معارضة لحكمة الله جل وعلا فإنه تبارك وتعالى شرع النكاح وحث عليه ومن المقاصد الشرعية من مشروعية النكاح حصول الأولاد فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك ثم أتاه الثالثة فقال له تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم" رواه أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد

فهذه المرأة التي تستعمل الحبوب والأدوية من أجل البقاء على نضارة جسمها هي بمنزلة المرأة العقيم وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن نكاحها لأنها لا تلد فهذه المرأة منهية بعموم هذا الحديث عن تعاطي الموانع التي تمنع الحمل وإذا كان الغرض من استعمال الحبوب والأدوية منع الحمل في حالة تكون المرأة واقعة فيها وهي وجود إجهاد بدني كالمرأة التي تلد كل سنة ويكون جسمها نحيفا فلا تتحمل متاعب الحمل والولادة بحيث لو استمرت غلب على ظنها وقوع ضرر عظيم عليها وترى استعمال الحبوب والأدوية لمنع الحمل وقتا محدودا بقدر ما يدفع الضرر فيجوز ذلك بشرط أن لا يترتب على استعماله ضرر يماثل الضرر الذي يراد فعله أي لا يكون ضرر حبوب المنع مثل ضرر الحمل ذلك أن استعمال بعض حبوب منع الحمل ينشأ عنها أحيانا اضطراب في العادة الشهرية وتليف الرحم وحصول ضغط في الدم وخفقان في القلب وغير ذلك من الآثار السيئة التي يعرفها الأطباء

ويدل لجواز الاستعمال في هذه الحالة عموم أدلة الشريعة الدالة على اليسر والسهولة ودفع المشقة قال تعالى "مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ" وقال صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار" وقد أخذ العلماء من هذه الآية وما جاء في معناها من القرآن وكذلك ما جاء في معنى الحديث من السنة قاعدة "المشقة تجلب التيسير" وأما اختلاف الحكم باختلاف طبيعة الحبوب والأدوية فبيانه أن يقال هذه الأدوية والحبوب التي يراد استعمالها لمنع الحمل إن كانت خالية من المؤثرات السيئة المماثلة للضرر المراد دفعه فيجوز استعمالها كما سبق بيانه وإن اشتملت على ضرر يماثل الضرر المراد دفعه لم يجز لأن الضرر لا يدفع بالضرر والمرجع في تقدير ما تشتمل عليه من أضرار إلى أهل المعرفة في ذلك وذلك بتحليل هذه الحبوب والأدوية وتشخيص ما تشتمل عليه من أضرار ومدى تأثيرها.

وأما اختلاف الحكم باختلاف حال الزوج من جهة الإذن أو عدمه فقد يأذن وقد يمنع وقد لا يعلم عن استعمال المرأة للحبوب والأدوية المانعة للحمل فاستئذان الزوجة لزوجها مطلوب شرعا وذلك في حالة ما إذا دعا لاستعمالها مسوغ شرعي كما سبق وعليه أن يأذن وأما إذا لم يكن فيه مسوغ شرعي فليس لها أن تستعمل الحبوب أصلا فضلا عن أنها تستأذن من زوجها ولو استأذنته فليس له أن يأذن لها وأما الوقت الذي تستعمل فيه المرأة هذه الحبوب أو الأدوية فإنه يختلف وبناء على اختلافه فإنه يختلف الحكم ذلك أن المرأة قد تستعملها قبل المواقعة مع الفم أو مع غيره وقد تستعملها بعد الوقاع وذلك في وقت وجود النطفة أو العلقة أو المضغة أو بعد نفخ الروح وذلك للإجهاض أي اسقاط الحمل فأما بعد نفخ الروح فلا يجوز مطلقا لعموم قوله تعالى "وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ" والموءودة هي التي دفنت وهي حية وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية ذكر ذلك الطبري والقرطبي وغيرهما فإذا كانت المضغة قد نفخت فيها الروح ثم ألقيت ميتة بسبب استعمال الحبوب وأدوية منع الحمل كان ذلك وأدا لها فستدخل في عموم الآية وأما قبل نفخ الروح فعلى التفصيل الذي سبق عنه الكلام على اختلاف الحكم باختلاف الغرض وأما كون المرأة تستعمل الحبوب لئلا يكثر أولادها فهذا لا ينبغي الالتفات إليه لأنه ما من نفس تخرج إلى هذه الحياة إلا وقد كتب الله رزقها وأجلها وعملها وعلى الإنسان أن يحسن ظنه بالله والله تعالى عند ظن عبده به.

وسبق أن بحث مجلس هيئة كبار العلماء مسألة تحديد النسل وأصدر قراراً مضمونه ما يأتي: نظرا إلى أن الشريعة الإسلامية ترغب في انتشار النسل وتكثيره وتعتبر النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة من الله بها على عباده فقد تضافرت بذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله لذلك كله فإن المجلس يقرر بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق لأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين

أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره عملا بما جاء في الأحاديث الصحيحة وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل وتمشيا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب الدواء لإلقاء النطفة قبل الأربعين بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة أ.هـ

وتعاطي حبوب منع الحمل والعزل لا يمنعان ما قدر الله خلقه من بني الإنسان والأصل في ذلك ما رواه جابر رضي الله عنه "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" رواه مسلم وما رواه أبو سعيد رضي الله عنه قال "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المصطلق فأصبنا سبايا من العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا الغربة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة" متفق عليه فهذان الحديثان وما في معناهما دالة على جواز العزل وتعاطي حبوب منع الحمل في معنى العزل.

س: امرأة ربطت المبايض منذ عشرة أعوام بسبب حالة الكمس تحدث لها أثناء الحمل وهي عبارة عن تسمم في الدم وارتفاع في ضغط الدم وزيادة في الزلال وهذا بالإضافة إلى مرض السكر وكل هذا يحدث لها أثناء الولادة عبارة عن حالة صرع ؟

ج: إذا كان الواقع ما ذكر فلا حرج على المرأة المذكورة فيما حصل من ربط المبايض وفي بقائه

ولا حرج في وضع اللولب لمنع الحمل أثناء رضاعة الطفل وفي حال وفاتها لا إثم في بقاء اللولب بها

ولا يجوز منع الحمل إلا إذا ترتب عليه خطر على حياة الأم لأن الحمل مطلوب شرعا ومنعه يفوت خيرا كثيرا على الفرد والمجتمع ولكن إذا وجدت ضرورة يقررها جمع من الأطباء المهرة المأمونين جاز منعه من أجلها

ولا يجوز للزوجة أن تستعمل حبوب منع الحمل كراهية كثرة الأولاد أو خشية الفقر من كثرة الإنفاق عليهم لمنافاة ذلك لمقاصد الشرع من الترغيب في كثرة النسل ولما فيه من سوء الظن بالله

ويجوز لها أن تأخذها لمنع الحمل من أجل مرضها مرضا يضرها معه الحمل أو لأنها لا تلد ولادة عادية بل تحتاج إلى عملية جراحية عند الولادة ونحو هذا من الضرورة فلها في مثل هذه أن تتناول الحبوب لمنع الحمل إلا إذا عرف من الأطباء المختصين أن تناولها يضر بها من جهة أخرى

س: عندي زوجة قريبة لي جداً انجبت منها أولاداً معاقين فقال الأطباء بعد الكشف على الأولاد هذا نتيجة قرابة بينك وبين زوجتك ؟

ج: لا يجوز لك أن تعتمد ما ذكر الأطباء في هذا الشأن لأنهم يبنون تقاريرهم على الظنون فلا يجوز لك أن توقف النسل بل توكل على الله "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا" بل اسألا الله أن يرزقكما ذرية سليمة

اللهم اجعل عملنا في رضاك.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1435-3-4 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر