الدرس الحادي والعشرون: باب إزالة النجاسة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 21 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2401 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الخبث: عين مستقذرة شرعاً

قولنا: عين أي ليست وصفاً ولا معنى

وقولنا شرعاً أي الشرع الذي استقذرها وحكم بنجاستها وخبثها

والنجاسة إما حكمية وإما عينية

والمراد بهذا الباب النجاسة الحكمية: وهي التي تقع على شيء طاهر فينجس بها

وأما العينية: فإنه لا يمكن تطهيرها أبداً

فلو أتيت بماء البحر لتطهير روثة حمار ما طهرت أبداً لأن عينها نجسة

والعينية: هي كل عين جامدة يابسة أو رطبة أو مائعة

وسميت عينية لأنها تدرك بحاسة البصر وتطلق على الإدراك بالشم والذوق

وسميت الحكمية حكمية لأنها لا تدرك بحاسة من الحواس الخمس

فلا يشاهد لها عين ولا يدرك لها طعم ولا رائحة مع وجود ذلك فيها تحقيقاً أو تقديراً

والنجاسة تنقسم إلى ثلاثة أقسام

القسم الأول: مغلظة مثل نجاسة الكلب

القسم الثاني: متوسطة مثل سائر النجاسات

القسم الثالث: مخففة مثل نجاسة الغلام الذي لم يأكل الطعام

وإذا طرأت النجاسة على أرض فإنه يشترط لطهارتها أن تزول عين النجاسة أياً كانت ولو من كلب بغسلة واحدة وإن لم تزل إلا بغسلتين فغسلتان وبثلاث فثلاث والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما بال الأعرابي في المسجد" أريقوا على بوله ذنوباً من ماء " ولم يأمر بعدد

وإن كانت النجاسة ذات جرم فلا بد أولاً من إزالة الجرم كما لو كانت عذرة أو دماً جف ثم يتبع بالماء

فإن أزيلت بكل ما حولها من رطوبة كما لو أجتث اجتثاثاً فإنه لا يحتاج إلى غسل لأن الذي تلوث بالنجاسة قد أزيل

ونجاسة الكلب لا بد من غسلها سبع مرات إحداهن بالتراب كل غسلة منفصلة عن الأخرى فيغسل أولاً ثم يعصر وهكذا إلى سبع إحداهن بالتراب

والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعبد الله بن المغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر إذا ولغ الكلب في الإناء أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب ، وفي رواية أولاهن بالتراب ولهذا قال العلماء رحمهم الله الأولى أن يكون التراب في الأولى لما يلي

أولاً: ورود النص بذلك

ثانياً: إنه إذا جعل التراب في الأولى خفت النجاسة

وجمهور الفقهاء قالوا إن روثه وبوله كولوغه بل هو أخبث ، والنبي صلى الله عليه وسلم نص على الولوغ لأن هذا هو الغالب

إذ أن الكلب لا يجعل بوله وروثه في الأواني بل يلغ فيها فقط

والفرق أن لعاب الكلب فيه دودة شريطية ضارة بالإنسان فإذا انفصلت من لعابه في الإناء ثم استعمل فإنها تتعلق بمعدة الإنسان ولا تهضمها ولا يتلفها إلا التراب

ولكن هذه العلة إذا ثبتت طبياً فهل هي منتفية عن بوله وروثه يجب النظر في هذا

فإذا ثبت أنها منتفية فيكون لهذا القول وجه من النظر وإلا فالأحوط ما ذهب إليه الفقهاء

والفقهاء رحمهم الله الحقوا نجاسة الخنزير بنجاسة الكلب لأنه أخبث من الكلب فهو حيوان معروف بفقد الغيرة والخبث وأكل العذرة وفي لحمه مكروبات ضارة لا تؤثر النار في قتلها ولذا حرمه الشارع فالفقهاء قالوا إنه أخبث من الكلب فيكون أولى بالحكم منه وهذا هو المذهب شرح الزركشي

وهذا قياس ضعيف لأن الخنزير مذكور في القرآن وموجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد إلحاقه بالكلب فالصحيح أن نجاسته كنجاسة غيره لا يغسل سبع مرات إحداها بالتراب

قال النووي في شرح مسلم أما الخنزير فحكمه حكم الكلب هذا مذهبنا

وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يفتقر إلى غسله سبعاً وهو قول للشافعي وهو رواية لأحمد

والكلب إذا صاد أو مسك الصيد بفمه فلا يغسل سبع مرات

قال شيخ الإسلام إن هذا مما عفا عنه الشارع وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ ولم يقل إذا عض فقد يخرج من معدته عند الشراب أشياء لا تخرج عند العض وظاهر حال الصحابة أنهم لا يغسلون اللحم سبع مرات إحداها بالتراب

وإذا كان معفواً عنه شرعاً زال ضرره قدراً فمثلاً الميتة نجسة ومحرمة

وإذا اضطر الإنسان إلى أكلها لم يتضرر

والحمار الأهلي لا الوحشي قبل أن يحرم طيب الأكل ولما حرم صار خبيثاً نجساً

والشمس تطهر المتنجس إذا زال أثر النجاسة بها وذهب إلى هذا القول أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام وابن القيم وصوب هذا القول ابن عثيمين

أما بالنسبة لحديث أنس أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصب عليه الماء لأجل المبادرة بتطهيره لأن الشمس لا تأتي عليه مباشرة حتى تطهره بل يحتاج ذلك إلى أيام والماء يطهره في الحال والمسجد يحتاج إلى مبادرة بتطهيره لأنه مصلى الناس

مسألة: نجاسة الخمر

جمهور العلماء ومنهم الأئمة الأربعة واختيار شيخ الإسلام أنها نجسة واستدلوا بقوله تعالى: يا أيها الذين ءامنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان

والرجس النجس

والصحيح أنها ليست بنجسة وهو قول ربيعة والليث والمزني وجمع من العلماء المعاصرين والدليل

أولاً: حديث أنس أن الخمر لما حرمت خرج الناس وأراقوها في الأسواق وأسواق المسلمين لا يجوز أن تكون مكاناً للنجاسة ولهذا يحرم على الإنسان أن يبول في الأرض أو يصب فيها النجاسة والرسول لم ينكر ذلك

ثانياً: الأصل الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ولا دليل

والجواب عن الآية أنه يراد بالنجاسة النجاسة المعنوية لا الحسية لوجهين

أولاً: أنها قرنت بالأنصاب ونجاسة هذه معنوية

ثانياً: أن الرجس هنا قيد بقوله " من عمل الشيطان" فهو رجس عملي وليس رجساً عينياً

والدماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام

القسم الأول: نجس لا يعفى عن شيء منه مثل الخارج من أحد السبيلين

القسم الثاني: نجس يعفى عن يسيره

القسم الثالث: طاهر وهذا أنواع

الأول: دم السمك

الثاني: الدم اليسير الذي لا يسيل كدم البعوضة والذباب والصراصير وربما يستدل على ذلك بأن ميتة هذا النوع من الحشرات طاهرة لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء " ويلزم من غمسه الموت إذا كان الشراب حاراً أو دهناً ولو كانت ميتته نجسه لتنجس بذلك الشراب لا سيما إذا كان الإناء صغيراً

الثالث: الدم الذي يبقى في المذكاة بعد تذكيتها كالدم الذي يكون في العروق والقلب والطحال والكبد فهذا طاهر سواء كان قليلاً أو كثيراً

الرابع: دم الشهيد عليه طاهر ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الشهداء من دمائهم إذ لو كان نجساً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله فعلى رأي الجمهور أن دم الآدمي نجس لكنه من الدماء التي يعفى عن يسيرها

والأصوب أن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين

والدليل على ذلك

أولاً: أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ولا نعلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الدم إلا دم الحيض مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة فلو كان نجساً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم

ثانياً: أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم في القتال وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلاً للعفو ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بغسله ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزاً شديداً بحيث كانوا يحاولون التخلي عن ثيابهم متى وجدوا غيرها

ثالثا: من القياس وهو أن أجزاء الآدمي طاهرة فلو قطعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دماً وربما يكون كثيراً فإذا كان الجزء من الآدمي يعتبر ركناً في بنية البدن طاهراً فالدم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى

رابعاً: أن الآدمي ميتته طاهرة والسمك ميتته طاهرة فما دام أن دم السمك طاهر لأن ميتته طاهرة فكذا يقال إن دم الآدمي طاهر لأن ميتته طاهرة

والحيوان قسمان

طاهر ونجس

فالطاهر كل حيوان حلال كبهيمة الأنعام والخيل والضباء والأرانب والحمار الوحشي ونحوها فهي طاهرة في الحياة

الثاني كل ما ليس له دم سائل فهو طاهر في الحياة وبعد الموت

والنجس كل حيوان محرم الأكل إلا الهرة وما دونها في الخلقة على المذهب فطاهر بدليل حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه قدم إليه ماء ليتوضأ به فإذا بهرة فأصغى لها الإناء حتى شربت ثم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهرة إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم

والراجح أن ما شق التحرز منه فهو طاهر

وعلى هذا فالبغل والحمار على المذهب نجس وعلى ما يدل عليه الحديث وهو أن العلة التطواف يكونان طاهريين لمشقة التحرز منهما

الفتاوى

سئل شيخ الإسلام عن الكلب إذا ولغ في اللبن أو غيره ما الذي يجب في ذلك ؟

الجواب: شعره طاهر وريقه نجس وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهذا أصح الأقوال فإذا أصاب الثوب أو البدن رطوبة شعره لم ينجس بذلك وإذا ولغ في الماء أريق الماء وإن ولغ في اللين ونحوه فمن العلماء من يقول يؤكل ذلك الطعام لقول مالك وغيره ومنهم من يقول يراق كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد

فأما إن كان اللبن كثيراً فالصحيح أنه لا ينجس

سئل عن الجبن الافرنجي والجوخ هل هما مكروهان ؟

فأجاب: الحمد لله، أما الجبن المجلوب من بلاد الإفرنج فالذين كرهوه ذكروا لذلك سببين

أحدهما: أنه يوضع بينه شحم الخنزير إذا حمل في السفن

الثاني: أنهم لا يذكرون ما تصنع منه الأنفحة بل يضربون رأس البقر ولا يذكونه

وسئل عن المني ما حكمه ؟

فأجاب: الصحيح أن المني طاهر كما هو مذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنه وأما كون عائشة تغسله تارة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفركه تارة

فهذا لا يقتضي تنجيسه فإن الثوب يغسل من المخاط والبصاق والوسخ وهذا قاله غير واحد من الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عباس وغيرهما

وسئل عن بول ما يؤكل لحمه هل هو نجس ؟

فأجاب: أما بول ما يؤكل لحمه وروث ذلك فإن أكثر السلف على أن ذلك ليس بنجس

وهو مذهب مالك وأحمد وغيرهما ويقال إنه لم يذهب أحد من الصحابة إلى تنجيس ذلك

قلت: الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الإبل: اشربوا من ألبانها وأبوالها

وسئل سؤر البغل والحمار هل هو طاهر ؟

أجاب: أكثر العلماء يجوزون التوضؤ به كمالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه

وسئل إذا بال الفأر في الفراش هل يصلي فيه ؟

فأجاب: غسله أحوط ويعفى عن يسيره في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد

وسئل عن ريش القنفذ هل هو نجس ؟

فأجاب: طاهر وإن وجد بعد موته عند جمهور العلماء وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه

وسئل مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن الحكم في مس عورة المريض من قبل الطبيب ؟

فأجاب: لا حرج أن يمس الطبيب عورة الرجل للحاجة وينظر إليها

لكن من مس الفرج من دون حائل يعني مس اللحم فإنه ينتقض وضوئه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما ستر فقد وجب عليه الوضوء " قلت في إسناده يزيد بن عبد الملك وهو ضعيف وصححه الحاكم

وهكذا الطبيبة إذا مست فرج المرأة للحاجة فإنه ينتقض وضوءها بذلك إذا كانت على طهارة كالرجل

وسئل عن الصراصير إذا سقطت في الماء هل ينجس ولا سيما وأنها تعيش في البالوعات والحمامات ؟

الجواب: الأصل الطهارة ولا يعدل عنها إلا بوجود آثار النجاسة يقيناً في الماء بتغير طعمه أو لونه أو ريحه وهذه الصراصير يبتلى بها الناس في بيوتهم فلا ينبغي التشديد فيها ومن قواعد الشرع المطهر أن المشقة تجلب اليسر والأصل في هذا قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -20

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر