الدرس الخامس عشر: باب نواقض الوضوء

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 17 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2526 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

درس اليوم هو الدرس الخامس عشر كتاب الطهارة باب نواقض الضوء

تحدثنا في الدرس الماضي عن المسح على الخفين وهو حكم يتعلق بأحد أعضاء الوضوء ونتحدث اليوم عن نواقض الوضوء

والنواقض جمع ناقض

والوضوء بالضم الطهارة التي يرتفع بها الحدث وبالفتح الماء الذي يتوضأ به كما يقال: طهور بالفتح لما يتطهر به وبالضم لنفس الفعل وسحور بالفتح لما يتسحر به وبالضم لنفس الفعل الذي هو الأكل

ونواقض الوضوء مفسداته أي التي إذا طرأت عليه أفسدته

والنواقض نوعان

النوع الأول: مجمع عليه وهو المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

النوع الثاني: فيه خلاف وهو المبني على اجتهادات أهل العلم رحمهم الله وعند النزاع يجب الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونبدأ بالقول

الناقض الأول: الخارج من سبيل والسبيل مطلق يتناول القبل والدبر وسمي سبيلاً لأنه طريق يخرج منه الخارج

فهو عام يشمل المعتاد كالبول والغائط

والريح من الدبر قال تعالى" أو جاء أحد منكم من الغائط" وفي حديث صفوان بن عسال " ولكن من بول وغائط ونوم" وفي حديث أبي هريرة وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً

وتنقض الحصاة إذا خرجت من القبل أو الدبر لأنه قد يصاب بحصوة في الكلى ثم تنزل من ذ كره بدون بول ولو ابتلع خرزة فخرجت من دبره فإنه ينتقض وضوؤه والخارج من السبيل يشمل الطاهر كالمني والنجس ما عداه من بول ومذي وودي ودم

مسألة: لو أجري للإنسان عملية يخرج الخارج من جهة العملية فإذا خرج منها البول أو الغائط انتقض وضؤه

استثناء: ويستثنى مما سبق من حدثه دائم فإنه لا ينتقض وضوؤه بخروجه كمن به سلس بول أو ريح أو غائط وله حالة خاصة في التطهير

مسألة: القيء والدم والقيح ونحوها لا ينقض الوضوء ولو كثر ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وغيرهما وقال البغوي هو قول أكثر الصحابة والتابعين

والراجح أن القيء والدم والرعاف لا ينقض الوضوء

والدم الذي لا ينقض الوضوء هو الخارج من غير السبيلين أما ما خرج من أحد السبيلين فهو ينقض الوضوء كدم الاستحاضة وهو دم فساد لا دم حيض لحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق

الناقض الثاني: زوال العقل وهو على نوعين

النوع الأول: زواله بالكلية وهو رفع العقل وذلك بالجنون

النوع الثاني: تغطيته بسبب يوجب ذلك لمدة معينه كالنوم والإغماء والسكر وما أشبه ذلك

وزوال العقل بالجنون والإغماء والسكر هو في الحقيقة فقد له وعلى هذا فيسيرها وكثيرها ناقض فلو صرع ثم استيقظ أو سكر أو أغمي عليه يلزمه استئناف الطهارة بخلاف النوم فإنه يخالف هذه الأشياء بأن يسيره لا ينقض الوضوء وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح

أن النوم مظنة الحدث فإذا نام بحيث لو انتقض وضوؤه أحس بنفسه فإن وضوؤه باق

ولحديث أنس رضي الله عنه أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينتظرون العشاء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون

الخلاصة: أن فقهاء الأمصار والجمهور أن النوم القليل الخفيف لا ينقض والكثير المستثقل ينقض

فائدة: الفرق بين النوم والنعاس

أن النوم فيه غلبة على العقل وسقوط حاسة البصر

والنعاس لا يغلب على العقل وإنما تفتر فيه الحواس بغير سقوط

والمراد باليسير من النوم اليسير عرفاً لعدم حد الشارع له

وقيل في حد النوم اليسير هو ما لم يتغير عن هيئته كسقوطه ونحوه وقيل قدر صلاة ركعتين

وقال الموفق ابن قدامه رحمه الله: لا حد لليسير

وتارة يكون يسيراً في زمنه بحيث يغفل غفلة كاملة وربما يرى في منامه شيئاً لكنه شيء يسير لأنه استيقظ سريعاً ولو خرج منه شيء لشمه

وتارة يكون يسيراً في ذاته بحيث لا يغفل كثيراً في نومه فمثلاً يسمع المتكلمين أو إذا كلمه أحد انتبه بسرعة أو لو حصل له حدث أحس به

إيضاح: لو أن رجلاً نام وهو ساجد يصلي نوماً خفيفاً فالراجح أنه لا ينقض إلا في حال لو أحدث لم يحس بنفسه

الثالث: أكل لحم الإبل

لحديث جابر سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت. أخرجه مسلم

وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الوضوء بالمشيئة في لحم الغنم فدل هذا على أن لحم الإبل لا مشيئة فيه ولا اختيار

ثانياً: حديث البراء وفيه " توضؤوا من لحوم الإبل" أخرجه أحمد والأصل في الأمر للوجوب

قال الإمام أحمد فيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وهما ما ذكرتهما آنفا ولا فرق بين الهبر وبقية الأجزاء

والحكمة من وجوب الوضوء من لحم الإبل

أولاً: أن الحكمة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما أتى به صلى الله عليه وسلم من الأحكام فهو حكمة ولأننا نؤمن ولله الحمد أن الله لا يأمر بشيء إلا والحكمة تقتضي فعله ولا ينهى عن شيء إلا والحكمة تقتضي تركه

ثانياً: أن بعض العلماء التمس حكمة فقال إن لحم الإبل شديد التأثير على الأعصاب فيهيجها ولهذا الطب الحديث ينهى الإنسان العصبي من الإكثار من لحم الإبل والوضوء يسكن الأعصاب ويبردها. انظر كلام ابن القيم في ذلك في إعلام الموقعين وأيضاً في زاد المعاد

كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء عند الغضب لأجل تسكينه وسواء كانت هذه الحكمة أم لا فإن الحكمة هي أمر النبي صلى الله عليه وسلم لكن إن علمنا الحكمة فهذا من الله وزيادة علم وإن لم نعلم فعلينا التسليم والانقياد

الفتاوى

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن يرى أن ألقيء ينقض الوضوء واستدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء مرة وتوضأ وروى حديثاً آخر أنه قاء مرة فغسل فمه وقال: هكذا الوضوء من القيء فهل يعمل بالحديث الأول أم الثاني ؟

فأجاب: أما الحديث الثاني فما سمعت به

وأما الأول فهو في السنن لكن لفظه أنه قاء فأفطر فذكر ذلك لثوبان فقال صدق أنا صببت له وضوءه ولفظ الوضوء لم يجيء في كلام النبي صلى الله عليه وسلم إلا والمراد به الوضوء الشرعي ولم يرد لفظ الوضوء بمعنى غسل اليد والفم إلا في لغو اليهود فإنه قد روي أن سلمان الفارسي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نجد في التوراة أن من بركة الطعام الوضوء قبله فقال من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده . والله أعلم

وسئل عن الرعاف هل ينقض الوضوء أم لا ؟

فأجاب: إذا توضأ منه فهو أفضل ولا يجب عليه في أظهر قولي العلماء

وسئل هل ينقض الوضوء النوم جالساً أم لا ؟

فأجاب: الحمد لله أما النوم اليسير من المتمكن بمقعدته فهذا لا ينقض الوضوء عند جماهير العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم فإن النوم عندهم ليس بحدث في نفسه لكنه مظنة الحدث ويدل على هذا ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ لأنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه فكان يقظان فلو خرج منه شيء لشعر به

وهذا يبين أن النوم ليس بحدث في نفسه إذ لو كان حدثاً لم يكن فيه فرق بين النبي صلى الله عليه وسلم وغيره كما في البول والغائط وغيرهما من الأحداث

وسئل هل لمس كل ذكر ينقض الوضوء من الآدميين والحيوان وهل باطن الكف هو ما دون باطن الأًصابع ؟

فأجاب: لمس فرج الحيوان غير الإنسان لا ينقض الوضوء حياً ولا ميتاً باتفاق الأئمة

وسئل عن رجل وقعت يده بباطن كفه وأصابعه على ذكره فهل ينتقض وضوؤه أم لا ؟

فأجاب إذا لم يتعمد ذلك لم ينتقض وضوؤه

وسئل عن لمس النساء هل ينقض الوضوء أم لا ؟

فأجاب: الحمد لله أما نقض الوضوء بلمس النساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال طرفان ووسط

أضعفها أنه ينقض اللمس وإن لم يكن لشهوة إذا كان الملموس مظنة للشهوة وهو قول الشافعي تمسكاً بقوله تعالى" أو لامستم النساء " وفي القراءة الأخرى أو لمستم

القول الثاني أن اللمس لا ينقض بحال وإن كان لشهوة كقول أبي حنيفة وغيره

والفقهاء السبعة عبد الله وعروة وقاسم وسعيد وأبو بكر وسليمان وخارجه أن اللمس إن كان لشهوة نقض وإلا فلا

فأما تعليق النقض بمجرد اللمس فهذا خلاف الأصول وخلاف إجماع الصحابة وخلاف الآثار وليس مع قائله نص ولا قياس

وقال وأيضاَ فمن المعلوم أن مس الناس نسائهم مما تعم به البلوى ولا يزال الرجل يمس امرأته فلو كان هذا مما ينقض الوضوء لكان النبي صلى الله عليه وسلم بينه لأمته ولكان مشهوراً بين الصحابة ولم ينقل أحد أن أحداً من الصحابة كان يتوضأ بمجرد ملاقاة يده لامرأته أو غيرها

ولا نقل أحد في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أن ذلك قول باطل والله أعلم

وسئل في موضع آخر نفس السؤال ؟

فأجاب: فيه ثلاثة أحوال

أحدها: لا ينقض بحال كقول أبي حنيفة وغيره

الثاني: أنه إن كان له شهوة نقض وإلا فلا وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة

الثالث: ينقض في الجملة وإن لم يكن بشهوة وهو قول الشافعي وغيره

وعن أحمد ثلاث روايات كالأقوال الثلاثة لكن المشهور عنه قول مالك

والصحيح في المسألة أحد قولين الأول وهو عدم النقض مطلقاً والقول الثاني وهو النقض إذا كان بشهوة وأما وجوب الوضوء من مجرد مس المرأة لغير شهوة فهو أضعف الأقوال

ولا يعرف هذا القول عن أحد من الصحابة

وسئل أيضاً نفس السؤال ؟

فأجاب: إن توضأ من ذلك المس فحسن وإن صلى ولم يتوضأ صحت صلاته في أظهر قولي العلماء

وسئل إذا مس يد الصبي الأمرد فهل هو من جنس النساء في نقض الوضوء ؟

فأجاب: الحمد لله إذا مس الأمرد لشهوة ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره

أحدهما أنه كمس النساء لشهوة ينقض الوضوء وهو المشهور من مذهب مالك ذكره القاضي أبو يعلى في شرح المذهب

الثاني: أنه لا ينقض الوضوء وهو المشهور من مذهب الشافعي

والقول الأول أظهر

وسئل هل يجوز مس المصحف بغير وضوء أم لا ؟

فأجاب: مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس المصحف إلا طاهر كما قال في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزام " أن لا يمس القرآن إلا طاهر " قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له وهو أيضاً قول سلمان الفارسي وعبد الله بن عمر وغيرهما ولا يعلم لها من الصحابة مخالف وقال في موضع آخر إذا حمل الإنسان المصحف بكمه فلا بأس ولكن لا يمسه بيده

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -16

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر