الدرس الرابع عشر: مسائل في المسح على الخفين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 15 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 2319 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

سئل شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله عن أقوال العلماء في المسح على الخفين هل من شرطه أن يكون الخف غير مخرق حتى لا يظهر شيء من القدم وهل للتخريق حد وما القول الراجح بالدليل ؟

الجواب: مذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير مع اختلافهم في حد ذلك واختار هذا بعض أصحاب أحمد . وهذا هو الصحيح

وهو قياس أصول أحمد ونصوصه في العفو عن يسير العورة وعن يسير النجاسة ونحو ذلك فإن السنة وردت بالمسح على الخفين مطلقاً قولاً من النبي صلى الله عليه وسلم وفعلاً

وقد استفاض عنه في الصحيح أنه مسح على الخفين وتلقى أصحابه عنه ذلك فأطلقوا القول بجواز المسح على الخفين ومعلوم أن الخفاف في العادة لا يخلو كثير منها عن فتق أو خرق لا سيما مع تقادم عهدها وكان كثير من الصحابة فقراء لم يكن يمكن تجديد ذلك

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد فقال أو لكلكم ثوبان ؟! وهذا كما أن ثيابهم كان يكثر فيها الفتق والخرق حتى يحتاج لترقيع فكذلك الخفاف والعادة في الفتق اليسير في الثوب والخف أنه لا يرقع وإنما يرقع الكثير

وكان أحدهم يصلي في الثوب الضيق حتى أنهم كانوا إذا سجدوا تقلص الثوب فظهر بعض العورة

وكانت النساء نهين عن أن يرفعن رؤوسهن حتى يرفع الرجال رؤوسهم لئلا يرين عورات الرجال من ضيق الأزر مع أن ستر العورة واجب في الصلاة وخارج الصلاة بخلاف ستر الرجلين بالخف

فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب وجب حمل أمره على الإطلاق

ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي

وكان مقتضى لفظه أن كل خف يلبسه الناس ويمشون فيه فلهم أن يمسحوا عليه وإن كان مفتوحاً أو مخروقاً من غير تحديد لمقدار ذلك

فإن التحديد لا بد له من دليل

وأيضاً فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا سنته وعملوا بها ولم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود بل أطلقوا المسح على الخفين مع علمهم بالخفاف وأحوالها فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم جواز المسح على الخفين مطلقاً

وخلاصة القول أن جمهور العلماء يعفون عن ظهور يسير العورة وعن يسير النجاسة التي يشق الاحتراز عنها

فالخرق اليسير في الخف كذلك

وسئل عن قلع الجبيرة بعد الوضوء هل ينقض الوضوء أم لا ؟

فأجاب: الحمد لله هذا فيه نزاع والأظهر أنه لا ينتقض الوضوء كما أنه لا يعيد الغسل لأن الجبيرة كالجزء من العضو والله أعلم

قلت: قال الشيخ عبد العزيز بن باز أن الوضوء ينتقض

وسئل عن المسح فوق العصابة ؟

فأجاب: الحمد لله إن خافت المرأة من البرد ونحوه مسحت على خمارها فإن أم سلمه كانت تمسح على خمارها

وينبغي أن تمسح مع هذا بعض شعرها وأما إذا لم يكن بها حاجة إلى ذلك ففيه نزاع بين العلماء

وسئل مفتي المملكة سابقاً الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله

هل المسح يبدأ من أول حدث أو من أول مسح بعد الحدث وهل ينتهي بمجرد نهاية المدة مع بقاء الطهارة أو من أول حدث بعد نهاية المدة ؟

الجواب: يبدأ المسح على الخف من أول مسح بعد الحدث في أصح قولي العلماء وينتهي بمجرد نهاية المدة

وسئل عن شخص مسح على الخفين لصلاة الفجر وهو مقيم فهل يمسح لصلاة الفجر من عذر أم لا ؟

الجواب: المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وتبدأ مدة المسح من المسح بعد الحدث فإذا كان مسحه للفجر بدأ به عن حدث لم يمسح في الفجر الثاني لأن المدة قد انتهت

وسئل عن حكم المسح على الجوارب (الشراب) الشفافة ؟

الجواب: من شرط المسح على الجوارب أن يكون صفيقاً ساتراً فإن كان شفافاً لم يجز المسح عليه لأن القدم والحال ما ذكر في حكم المكشوفة

وسئل عن حكم لبس الجورب اليمنى قبل غسل الرجل اليسرى ؟

الجواب: الأحوط أن لا يلبس الشراب حتى يغسل رجله اليسرى

وسئل عن حكم من لبس الجوربين على غير طهارة وصلى بها ؟

الجواب: صلاته باطلة وعليه إعادة جميع الصلوات التي صلاها

وسئل عن المسح على الجبيرة واللزقة إذا أصابته جنابه وفيه جرح ؟

فأجاب: إذا احتلم الإنسان أو جامع زوجته وفيه جرح وعليه جبيرة أو جبس فإنه يغسل بقية بدنه عن الجنابة والجبيرة التي عليها اللفافة يمسح عليها مسحاً رافقاً لا يصل إلى الجرح فإذا لم يكن على الجرح لفافة أو كانت اللفافة غير سميكة فلو جاءها الماء أضر بالجرح فإنه لا يمسح عليها بل يتيمم بعد الفراغ من الغسل وبعد أن يتجفف وذلك بأن يضرب التراب بيديه ويمسح وجهه وكفيه بالنية عن محل الجرح

وهكذا من كان عليه لزقة في جسده بسبب المرض إذا أصابته جنابة يكفيه مرور الماء على اللزقة وليس عليه تيمم ويكفيه المسح

وسئل عن رجل دخل المستشفى لعلاج عينه وأجريت لعينه عملية وعصبة وتعذر حصوله على التراب فتوضأ وترك العين فما الحكم ؟

الجواب: الصلاة صحيحة من أجل العذر لعدم وجود التراب وعدم القدرة على غسل العين

لكن إذا أمكن مسح الجرح والجبيرة التي عليه عند غسل العضو كفى ذلك عن التيمم

فإن لم يتيسر ذلك خوفاً من مضرة الماء وجب التيمم مع القدرة

وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

عن حكم مسح المرأة على لفة الرأس ؟

فأجاب: يجوز أن تمسح المرأة على رأسها سواء كان ملفوفاً أو نازلاً ولكن لا تلف شعر رأسها فوق وتبقيه على الهامة لأني أخشى أن يكون داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ونساء كاسيات عاريات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا

وسئل هل يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها ؟

فأجاب: المشهور من مذهب أحمد أنها تمسح على الخمار إذا كان مداراً تحت حلقها لأن ذلك قدر ورد عن بعض نساء الصحابة رضي الله عنهن

وعلى كل حال إذا كانت هناك مشقة إما لبرودة الجو أو لمشقة النزع واللف مرة أخرى فالتسامح في مثل هذا لا بأس به وإلا فالأولى ألا تمسح

وسئل عن حكم خلع الجوربين عند كل وضوء احتياطاً للطهارة ؟

فأجاب: هذا خلاف السنة وفيه تشبه بالروافض الذين لا يجيزون المسح على الخفين والنبي صلى الله عليه وسلم قال للمغيرة حينما أراد نزع خفيه قال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما

وسئل عن شروط المسح على الخفين ؟

فأجاب: أربعة شروط

أولاً: أن يلبسها على طهارة

ثانياً: أن تكون الخفاف والجوارب طاهرة

ثالثاً: أن يكون مسحها في الحدث الأصغر لا الأكبر

رابعاً: أن يكون المسح في الوقت المحدد شرعاً وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر

وسئل هل يشترط لجواز المسح على الخفين أن ينوي المسح عليها وكذلك نية المدة ؟

الجواب: النية هنا غير واجبة لأن هذا عمل علق الحكم عن مجرد وجوده فلا يحتاج إلى نية كما لو لبس الثوب فإنه لا يشترط أن ينوي به ستر عورته في صلاته مثلاً

وسئل عن المسح على الشراب الذي فيه صورة حيوان ؟

الجواب: لا يجوز المسح عليه

وسئل عن حكم المسح على النعل ؟

فأجاب: بأنه لا يجوز

وسئل هل يدخل في معنى الخف اللفائف ؟

الجواب: نعم

وسئل عن المسح على العمامة وهل لها توقيت ؟

فأجاب: المسح على العمامة مما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيجوز المسح عليها فيمسح على العمامة كلها أو كثرها ويسن أيضاَ أن يمسح ما ظهر من الرأس كالناصية وجانب الرأس والأذنين ولا يشترط لها توقيت لأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه وقتها ولأن طهارة العضو التي هي عليه أخف من طهارة عضو الخف فلا يمكن إلحاق هذا بهذا

فمتى كانت عليك فامسح وإذا لم تكن عليك فامسح الرأس ولا توقيت فيها

لكن لو سلكت سبيل الاحتياط فلم تمسحها إلا إذا لبستها على طهارة وفي المدة المحددة للخفين كان حسنا

وسئل هل يدخل في حكم العمامة الشماغ والطاقية والقبع الشامل للرأس والأذنين ؟

فأجاب: قائلاً أما ما يلبس في أيام الشتاء من القبع الشامل للرأس والأذنين والذي قد يكون في أسفله لفة على الرقبة فإن هذا مثل العمامة لمشقة نزعه فيمسح عليه

وسئل عن حكم المسح على الطربوش ؟

فأجاب: الظاهر أن الطربوش إذا كان لا يشق نزعه فلا يجوز المسح عليه لأنه يشبه الطاقية من بعض الوجوه والأصل وجوب مسح الرأس حتى يتبين للإنسان أن هذا مما يجوز المسح عليه

س: إذا لبدت المرأة رأسها بالحناء ونحوه هل تمسح عليه ؟

فأجاب: إذا لبدت المرأة رأسها بالحناء فإنها تمسح عليه ولا حاجة إلى أنها تنقض الرأس وتحت الحناء لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في إحرامه ملبدا رأسه فما وضع على الرأس من التلبيد فهو تابع له

وهذا يدل على أن تطهير الرأس فيه شيء من التسهيل

وسئل هل يشترط للجبيرة أن لا تكون زائدة عن الحاجة ؟

الجواب: الجبيرة لا يمسح عليها إلا عند الحاجة

ويجب أن تقدر بقدرها وليست الحاجة هي موضع الألم أو الجرح فقط بل كل ما يحتاج إليه في تثبت هذه الجبيرة أو هذه اللزقة مثلاً فهو حاجة

فلو كان الكسر في الأصبع ولكن احتجنا أن نربط كل الراحة لتستريح اليد فهذه حاجة

وسئل هل يجمع بين التيمم والمسح على الجبيرة أم لا ؟

الجواب: لا يجب الجمع بين المسح والتيمم لأن إيجاب طهارتين لعضو واحد مخالف لقواعد الشريعة لأننا نقول يجب تطهير هذا العضو إما بكذا وإما بكذا أما أن نوجب تطهيره بطهارتين فهذا لا نظير له في الشريعة ولا يكلف الله عبداً بعبادتين سببها واحد

وسئل هل يجب أن يعم الإنسان الجبيرة عند المسح عليها ؟

الجواب: نعم يعمها كلها لأن الأصل أن البدل له حكم المبدل ما لم ترد السنة بخلافه فهنا المسح بدل عن الغسل فكما أن الغسل يجب أن يعم العضو كله فكذلك المسح يجب أن يعم جميع الجبيرة

وأما المسح على الخفين فهو رخصة وقد وردت السنة بجواز المسح على بعضه

وسئل إذا تطهر الإنسان بالتيمم ولبس الخفين هل يجوز له أن يمسح عليها إذا وجد الماء ؟

الجواب: لا يجوز

وسئل إذا مسح الإنسان وهو مقيم ثم سافر فهل يتم مسح مسافر ؟

الجواب: يتم مسح مسافر على القول الراجح

وسئل إذا مسح الإنسان وهو مسافر ثم أقام فهل يتم مسح مقيم ؟

الجواب: يتم مسح مقيم على القول الراجح إن كان بقي من مدته شيء وإلا خلع عند الوضوء وغسل رجليه

س: إذا شك الإنسان في ابتداء المسح ووقته فماذا يفعل ؟

الجواب: يبني على اليقين

فإذا شك هل مسح لصلاة الظهر أو لصلاة العصر فإنه يجعل ابتداء المدة من صلاة العصر لأن الأصل عدم المسح

وسئل إذا مسح الإنسان على الكنادر ثم خلعها ومسح على الشراب فهل يصح مسحه ؟

الجواب: المعروف عند أهل العلم أنه إذا مسح أحد الخفين الأعلى أو الأسفل تعلق الحكم به ولا ينتقل إلى ثاني ومنهم من يرى أنه يجوز الانتقال إلى الثاني إذا كان المسموح هو الأسفل ما دامت المدة باقية وهذا هو القول الراجح

وعلى هذا فلو توضأ ومسح على الجورب ثم لبس عليها جوارب أخرى أو كنادر ومسح العليا فلا بأس به على القول الراجح ما دامت المدة باقية لكن تحسب المدة من المسح على الأول لا من المسح على الثاني

وسئل عن حكم مسح أسفل الخف ؟

فأجاب: مسح أسفل الخف ليس من السنة

وسئل عن حكم إذا أدخل الإنسان يده من تحت الشراب ؟

الجواب: لا يضر إلا أن خلعها وإن كان الخلع يسيراً لا يضر فإن خلع أكثر القدم بطل المسح

وخلاصة القول أن يحتاط المسلم في أمور دينه ويأخذ بالأقوى دليلاً فمثلاً الخروق اليسيره يعفى عنها، ومن مسح على الجبيرة ثم خلعها فإنه يعيد الوضوء، وكذا إذا مسح على الشراب ثم لبس شراب آخر فوقه فالحكم يتعلق بالأول فيمسح على الأول، وخمار المرأة أو العمامة يصح المسح عليهما أو على أحدهما إلا إذا كان محكم لا يخلعه أحياناً وإلا لا يصح المسح ومن خلع جزء من الشراب بطل المسح

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -14

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر