الدرس 75 باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح; فكيف إذا عبده ؟!

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 9 ربيع الأول 1434هـ | عدد الزيارات: 1944 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعدُ:

قول المصنف: باب ما جاء في التغليظ فيمَنْ عبدَ اللهَ عند قبرِ رجلٍ صالحٍ فكيف إذا عبده"

هذا الباب باب عظيم يوضح حقيقة الأمر الذي وقع فيه الناس حتى غيروا دينهم.

قوله:"باب ما جاء في التغليظ" يعني باب ما جاء من أدلة في الكتاب والسنة من التشديد فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده، فإذا كان التشديد إذا عبد الله عند قبره، كأن صلى عند قبره، أو جلس عند قبره يدعو الله ويقرأ فهذا منكر، فكيف إذا عبده واتخذ قبره إله من دون الله ، يكون التغليظ أشد وأكبر؛ لأن الفعل الأول وسيلة والثاني شرك أكبر.

قول المصنف:" في الصحيح عن عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وما فيها من الصور، فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة "

فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل. "

ورد الحديث في الصحيحين :" عَنْ عائشة أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: إنَّ أُولَئِكَ إذَا كانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا علَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وصَوَّرُوا فيه تِلكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَومَ القِيَامَةِ. "

قول عائشة رضي الله عنها (أنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وأُمَّ سَلَمَةَ) أُمَّ حَبِيبَةَ هي: رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (قريش) بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بعد وفاة زوجها عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، ولها منه ابنتها حبيبة . وأم حبيبة من بنات عم الرسول -Mohamed peace be upon him.svg - ، ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها، ولا في نسائه من هي أكثر صداقا منها.


و أم سلمة : هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومية القرشية كانت ممن هاجر مع زوجها إلى أرض الحبشة، ولما توفي زوجها أبو سلمة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة 4هـ ماتت سنة 62 هـ .

قولهما :" كنيسة " الكنيسة هي معبد النصارى الذي يجتمعون فيه يوم الأحد لعبادتهم .
قولهما : "من التصاوير" أي من الصور .
قوله : ، صلى الله عليه وسلم ، "إن أولئك" المشار إليهم نصارى الحبشة .

وقوله عليه الصلاة والسلام " إذَا كانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمات بنوا على قبرِهِ مَسجداً " .

أي بنوا على قبر ذلك الرجل الصالح مصلى .
قوله وصوروا فيه تلك الصور" الإشارة بتلك الصور إلى ما ذكرت أم حبيبة وأم سلمة من التصاوير التي في الكنيسة .

قوله عليه الصلاة والسلام " فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة " ؛ لأن عملهم هذا وسيلة إلى الكفر والشرك، وهذا أعظم الظلم وأشده، فما كان وسيلة إليه فإن صاحبه جدير بأن يكون من شرار الخلق عند الله سبحانه وتعالى

ثم ساق المصنف قول شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، في كتاب إغاثة اللهفان لابن القيم (287/1) " هؤلاء جمعوا بين الفتنتين فتنة القبور، وفتنة التماثيل."

قول ابن تيمية "فتنة القبور" لأنهم بنوا المساجد عليها.وقال في موضع آخر :" أول من بنى على القبور في الإسلام هم الشيعة الفاطميون ثم قلدهم من قلدهم من المنتسبين لأهل السنة من الصوفية وغيرهم "
و "فتنة التماثيل" لأنهم صوروا فجمعوا بين فتنتين، وإنما سمي ذلك فتنة لأنها سبب لصد الناس عن دينهم، وكل ما كان كذلك، فإنه من الفتنة، قال تعالى الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ،(العنكبوت 2) وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ،(البروج 10) أي صدوهم ، عن دين الله .

وقوله:"ولهما عنها قالت : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك " لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد - يُحَذِّرُ ما صَنَعُوا ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خَشِيَ أن يتخذ مسجدا " أخرجاه .

جاء الحديث في الصحيحين واللفظ للبخاري : أنَّ عَائِشَةَ، وعَبْدَ اللَّهِ بنَ عَبَّاسٍ، قالَا: " لَمَّا نَزَلَ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً له علَى وجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بهَا كَشَفَهَا عن وجْهِهِ، فَقالَ وهو كَذلكَ : لَعْنَةُ اللَّهِ علَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ، - يُحَذِّرُ ما صَنَعُوا-".

قولهما:" لمَّا نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم" ، يعني نزل به صلى الله عليه وسلم الموت،

قوله :"طفق يطرح"، أي جعل يطرح خميصة له على وجهه



و(الخميصة): هي كساء مربع له أعلام كان يطرحه النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه، وتارة يرفعه؛ لأنه يغمه فيرفعه عن وجهه في سكرات الموت.
قولهما: " فإذا اغتم بها " أي أصابه الغمُّ بسببها، وقد احتضر صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم وهو في هذه الحال عند الاحتضار :" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" ، يقول هذا في سياق الموت .

و" لعنة الله " اللعن من الله : الطرد والإبعاد من رحمته ، فالنبيُّ ، صلى الله عليه وسلم ، دعا عليهم وهو في سياق الموت بسبب هذا الفعل.
قوله "اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" الجملة هذه تعليل لقوله "لعنة الله على اليهود والنصارى"، كأن قائلا يقول لماذا لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم فكان الجواب : أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد أي أمكنة للسجود، سواء بنو مساجد أم لا، يصلون ويعبدون الله تعالى فيها مع أنها مبنية على القبور

قول عائشة رضي الله عنها "يحذر ما صنعوا" أي إنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك في سياق الموت ؛ تحذيرا لأمته مما صنع هؤلاء لأنه علم أنه سيموت وأنه ربما يحصل هذا ولو في المستقبل البعيد .

وبالله التوفيق

وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-3-8هـ



التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر