الدرس76 باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح; 2

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

قال المصنف ، رحمه الله ، " ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال :" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك "

جاء الحديث في صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله بهذا اللفظ "سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قَبْلَ أنْ يَمُوتَ بخَمْسٍ، وهو يقولُ: إنِّي أبْرَأُ إلى اللهِ أنْ يَكونَ لي مِنكُم خَلِيلٌ، فإنَّ اللهِ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كما اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا مِن أُمَّتي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، ألَا وإنَّ مَن كانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ وصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، ألَا فلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أنْهَاكُمْ عن ذلكَ.".

قوله : " عن جُنْدَب بن عبد الله" هو جُنْدَبُ بنُ عبد الله بن سُفيان البَجَلي العَلقي، ويقال له: جندب الخيْر، وجندب الفاروق، وجندب بن أم جندب. يُكْنَى أَبا عبد الله، صحابي سكن الكوفة ثم انتقل إلى البصرة؛ قدمها مع مصعب بن الزبير ، وله عدة أحاديث ، وكان يقول :" كنا غلمانا حزاورة مع رسول الله فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانًا." ، عاش إلى حدود سنة 70هـ

يقول جندب رضي الله عنه :" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس".

قوله "بخمس" أي خمس ليال.
قوله صلى الله عليه وسلم "أبرأ" أي أتخلى أن يكون لي منكم خليل، والخليل : هو الذي يبلغ في الحب غايته، والخلة أعظم أنواع المحبة وأعلاها، ولم يثبتها الله عز وجل إلا لاثنين من خلقه، الأول: إبراهيم في قوله تعالى َواتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ، (النساء 125) .

الثاني : نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا" هذا تعليل لقوله "إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل" فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس في قلبه خلّة لأحد إلا لله عز وجلَّ.
قوله "ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" وهذا نص صريح على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو أفضل الصحابة جميعا.

قوله ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا.

قوله "لو" حرف امتناع لامتناع فيمتنع الجواب لامتناع الشرط، وعلى هذا امتنع صلى الله عليه وسلم من اتخاذ أبي بكر خليلا لأنه يمتنع أن يتخذ من أمته خليلا
قوله صلى الله عليه وسلم " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك " .

قوله صلى الله عليه وسلم " ألا وإن من كان قبلكم" ، "ألا" للتنبيه، وهذه الجملة في أثناء الحديث لكنه ابتدأها بالتنبيه لأهمية المقام.

قوله "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد" هذا تنبيه آخر للنهي عن اتخاذ القبور مساجد، وهذا عام يشمل قبره وقبر غيره.
قوله "إني أنهاكم عن ذلك" هذا نهي باللفظ دون الأداة تأكيدا لهذا النهي لأهمية المقام.

قوله:"فقد نهى عنه في آخر حياته" أي كما في حديث جندب.

قوله:"ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله"، كما في حديث عائشة.

قوله " والصلاة عندها من ذلك وإن لم يُبنَ مسجد"عندها أي القبور ، وقوله "من ذلك" أي من اتخاذها مساجد، وعلى هذا فلا تجوز الصلاة عند القبور.

قوله"وهو معنى قولها : خشي أن يُتخذ مسجدا"، الضمير في(قولها) يرجع إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

قوله:"فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا"، أي لِمَا علموا من تشديده في ذلك ، وتغليظه ، ولعن من فعله.

قوله:"وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا" ، أي وإن لم يبن مسجدا

قوله:"بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا"أي الأمكنة المعدة للصلاة ، وإن لم يُبنَ فيها مسجد.

قوله:"كما قال صلى الله عليه وسلم : جُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، "أراد أن أهل الكتاب لم تبح لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم، وأباح الله لهذه الأمة الصلاة حيث كانوا تخفيفا عليهم وتيسيرا.وقوله "طهورا" أراد به التيمم

وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434-3-8هـ