الدرس 139: خيار لاختلاف المتبايعين

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 28 ذو القعدة 1438هـ | عدد الزيارات: 1312 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

القسم السابع من أقسام الخيار

خيار لاختلاف المتبايعين

الخلاف بين المتبايعين يختلفان في الجنس أو في القدر أو في الصفة أو في العين، أو في أجل أو شرط

والاختلافات لا حصر لها

وجزئيات المسائل لا يمكن الإحاطة بها، وليس كل اختلاف يوجب الخيار، بل الاختلاف الذي دلت السنة على ثبوت الخيار في مثله

ولهذا يقول في الروض مع حاشية ابن قاسم 4/465 والفقهاء إذا قالوا (في الجملة) فالمعنى أكثر الصور، وإذا قالوا بالجملة، فالمعنى جميع الصور

والفرق أن (في) للظرفية و (الباء) للاستيعاب

قوله (فإذا اختلفا في قدر الثمن) بأن قال البائع بعته بعشرة، وقال المشتري اشتريته بتسعة، ولم توجد بينة، فإن وجدت بينة تشهد بقول أحدهما فالأمر ظاهر، يحكم بما قالت البينة

القرينة تنفع فلو قيل إن ما ادعاه المشتري أقرب إلى الثمن في السوق مما ادعاه البائع

الجواب إذا كان ما ادعاه أحدهما بعيداً لا يمكن، فهذا لا يقبل، ولا يلتفت إليه، ولا تُسمع دعواه، وإن كان محتملاً فعلى ما قال المؤلف تحالفاً

مثال ذلك

باع شخص سيارة على آخر تساوي في السوق ستين ألفاً، ثم اختلفا في الثمن، فقال البائع: بعتها بستين ألفاً، وقال المشتري: اشتريتها بعشرة آلاف، فهذا لا يمكن إلا لسبب من الأسباب، والأصل عدم السبب، ولذلك لو أن أحداً عرض هذه السيارة التي تساوي ستين ألفاً بعشرة آلاف، لقيل: إن هذا سارقها، أو فيها بلاء، وإذا لم يحتمل إلا قول أحدهما قبل بلا يمين

قوله (تحالفا) أي: كل واحد يحلف وهذا قول مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهذا مشروط بما إذا لم يكن بينة أو قرينة تكذب قول أحدهما

ونُلزمهما بالحلف، والنبي صلّى الله عليه وسلّم قال (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) أخرجه البخاري ومسلم لأن كل واحد منهما مدع ومنكر، فتلزم اليمين كل واحد منهما، فالبائع مدعٍ أن الثمن مائة ومنكر أنه ثمانون، والمشتري مدع أنه ثمانون ومنكر أنه مائة، ولهذا ألزمنا كل واحد منهما بالحلف، فيتحالفان

قوله (فيحلف بائع أولاً ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا) لأنه هو الذي انتقل الملك عنه، فكان جانبه أقوى؛ لأن الأصل عدم خروج الملك من يد صاحبه، ولأن البائع يريد أن يثبت والمشتري يريد أن ينفي، والنفي لا يكون إلا بعد الإثبات، فيحلف البائع أولاً، فيقول والله ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا، وعلى المثال الذي ذكرته آنفا والله ما بعته بثمانين وإنما بعته بمائة، فيبدأ بالنفي أولاً كما هي العادة أن التخلية قبل التحلية، ولدفع دعوى المشتري

قوله (ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا) فيحلف المشتري والله ما اشتريته بمائة وإنما اشتريته بثمانين، فإذ تمت المحالفة ولم يرض أحدهما بقول الآخر فلكل واحد منهما الفسخ

فعلى كلام المؤلف لا بد من أمور ثلاثة

الأول: أن يحلف البائع أولاً

الثاني: أن يجمع بين النفي والإثبات

الثالث: أن يقدم النفي

وكذلك يقال بالنسبة لحلف المشتري لا بد من أمور ثلاثة

الأول: أن يكون هو الثاني في اليمين

الثاني: أن يبدأ بالنفي قبل الإثبات

الثالث: أن يجمع بين النفي والإثبات

وهذا القول فيه نظر إذ قال بعض أهل العلم إن القول قول البائع وهذا هو القول الصحيح لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال البائع أو يترادان) أخرجه أحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي

الثاني: أن الملك خرج من يده، ولا يمكن أن يخرج إلا بما يرضى به هو ما لم توجد بينة

ويقال للمشتري إن رضيت بما قال البائع وإلا فملكه باقٍ، إلا إذا ادعى البائع ثمناً خارجاً عن العادة فحينئذٍ لا يقبل، بأن قال: بعتها بمائة وهي لا تساوي خمسين في السوق

أما قول المؤلف بأنهما يتحالفان مع الجمع بين النفي والإثبات فالصحيح أنه لا يحتاج إلى الجمع بين النفي والإثبات إذ المقصود هو نفي ما ادعاه صاحبه فقط أو اثبات ما اعاده هو وهذا يحصل بإفراد النفي أو الإثبات من غير الجمع بينهما

قوله (فيحلف بائع أولاً ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا) المراد هذا اللفظ أو معناه، فلو قال والله لست بائعاً له بثمانين بل أنا بائع إياه بمائة، فإن ذلك كافٍ

قوله (ولكلٍ الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر) أي بعد التحالف لكل واحد منهما الخيار، فإن رضي أحدهما بقول الآخر فلا فسخ

قوله (فإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها)

مثاله: اشترى شاة ثم ذبحها وأكلها، ولما أراد أن يسلم الثمن للبائع قال البائع الثمن مائة، وقال الذي اشترى الشاة وذبحها بل الثمن سبعون، فلو فسخنا العقد فالمبيع تالف، فنرجع إلى قيمة المثل

وقوله (قيمة مثلها) وقت العقد هذا قول المؤلف، وقال بعض أهل العلم إذا صارت القيمة أكثر مما قال البائع فإنه لا يستحق أكثر مما ادعى، وإن كانت القيمة أقل مما قال المشتري ألزم بما أقر به، ولا شك أن هذا هو الورع ألا يأخذ البائع أكثر مما ادعى أنه باع به، والمشتري يدفع ما أقر أنه اشترى به وهذا قول وجيه نأخذ به ولا نظلم فيه أحد الطرفين

قوله (فإن اختلفا في صفتها فقول مشتر) أي: صفة السلعة التالفة فالقول قول المشتري

مثاله: أن يقول البائع إن العبد الذي هلك كان كاتباً، وقال المشتري بل كان غير كاتب، فهنا إذا رجعنا إلى القيمة فبينهما فرق عظيم فالكاتب أغلى، فالقول قول المشتري، وذلك بناء على القاعدة أن كل غارم فالقول قوله) فتقدر قيمته غير كاتب والعلة أنه غارم، والغارم لا يلزم بأكثر مما أقر به لأن الأكثر مما أقر به دعوى تحتاج إلى بينة

وكذا إذا اختلفا في قدر المبيع فالقول قول المشتري

مثال ذلك: قال البائع إني قد بعت عليك شاتين وقال المشتري بل واحدة وقد تلفت الشاتان فالقول قول مشتر بناءً على القاعدة لأن البائع يدعي أن المبيع اثنتان والمشتري لم يقر باثنتين بل أقر بواحدة وأنكر الثانية والبينة على المدعي واليمن على من أنكر، إذاً القول قول المشتري

قوله (وإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً) أي ردت السلعة إلى البائع يتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم، ورجع الثمن إلى المشتري يتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، سواء كان أحدهما صادقاً أم كاذباً، حتى الكاذب ينفسخ العقد في حقه هذا على قول المؤلف

وقوله (ظاهراً وباطناً) ظاهراً في الدنيا والحكم، وباطناً عند الله وفي الآخرة، فلا حق لأحدهما على الآخر ولو كان كاذباً، وهذا على المذهب

مثاله: اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن، فقال البائع بعت عليك هذه الشاة بمائة، وقال المشتري بل بثمانين، ولا بينة فتحالفا وتفاسخا، فترجع الشاة إلى البائع، والقيمة المدفوعة للمشتري

إذاً انفسخ العقد ظاهراً وباطناً، أما ظاهراً فواضح، فلو ترافعا إلى الحاكم، لحكم برد السلعة إلى البائع، ورد الثمن إلى المشتري

وأما باطناً فلو فرضنا أن البائع كاذب، وأن المبيع بثمانين، والسلعة ردت إليه، نقول له تصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم، فكل العقود التي تكون بعد فسخ العقد الأول تكون نافذة صحيحة، حتى وإن كنت كاذباً، هذا قول المؤلف لكنه قول ضعيف جداً

والصواب أن الكاذب منهما لا ينفسخ العقد في حقه باطناً، وأنه لا يحل له أن يتصرف فيه، أي فيما رجع إليه من ثمن إن كان مشترياً، أو من سلعة إن كان بائعاً، كما قالوا ذلك في الصلح فيمن ادعي عليه بدين وأنكر، وهو كاذب، وجرى الصلح بينه وبين المدعي، فإنهم قالوا هناك: من كذب لم يصح الصلح في حقه باطناً، فيقال أي فرق بين هذا وهذا

فالصواب أن الكاذب منهما ينفسخ العقد في حقه ظاهراً فقط، أما باطناً فلا

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

28-11-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة