الدرس 138: خيار في البيع بتخبير الثمن

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 27 ذو القعدة 1438هـ | عدد الزيارات: 2528 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

القسم السادس من أقسام الخيار

خيار في البيع بتخبير الثمن

أي خيار يثبت فيما إذا أخبره بالثمن

مثال ذلك

رجل عرض سلعة للبيع فجاءه رجل وقال اشتريها منك برأس مالك فبكم اشتريتها فقال البائع بمائة ريال فاشتراها منه بنفس رأس المال فإذا تبين أن رأس المال خمسون ريال فحينئذ يثبت له الخيار لأن إخباره بالثمن غير صحيح لأنه قال بمائة ثم تبين أنه اشتراها بخمسين
فسبب ثبوت الخيار للمشتري التخبير الكاذب بالثمن؛ وهو نوع من الغش والتدليس، فإنه أظهر السلعة بثمن كثير وهي في الواقع بثمن قليل، وهذا حرام، ولهذا جعل للمشتري الخيار

والبيع بالتخبير يقابله البيع بالمساومة، وفي كل منهما سهولة من وجه وخطورة من وجه آخر، والغالب أن التخبير أشد طمأنينة للمشتري

مثال ذلك: عرض رجل أرضاً للبيع فقال المشتري بكم اشتريتها فأطلعه على صك التمليك لها وفيه ثمن الشراء فقال له بعني إياها برأس مالك فوافق على ذلك وتم الشراء

قول مؤلف كتاب زاد المستقنع (متى بان أقل أو أكثر) أي يثبت له الخيار إذا اتضح له أن الشراء أقل مما ذكر له ففيه الغبن وله خيار الفسخ، لكن إذا بان له الشراء أكثر مما ذكر له فالحظ في جانب المشتري فكيف يثبت له الخيار ولهذا في أصل الكتاب (المقنع) لا توجد كلمة أو أكثر فلعلها سبق قلم من الشارح

قوله (ويثبت في التولية، والشركة، والمرابحة، والمواضعة) فالبيع بالتخبير يمكن في هذه الصور الأربع

والتولية هي أن يبيعه برأس ماله، وسميت تولية؛ لأن المشتري صار بدلاً عن البائع، كأنه يقول له وليتك ما توليت

والشركة أن يبيع عليه بعضه بقسطه من الثمن، مثل أن يبيع عليه النصف فيكون على المشتري الثاني نصف الثمن

والمرابحة أن يبيعه برأس ماله وربح معلوم، فيقول: بعتك برأس ماله وربح ألف ريال

والمواضعة أن يضع من الثمن، فيقول: بعتك إياه بخسارة عشر ريالات، أو العُشر

قوله (ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال) لأنه إذا لم يعرفه صار مجهولاً، ومن شرط صحة البيع العلم بالثمن هذا قول المؤلف لكن الصحيح أنه يجوز إذا كان المشتري معروفاً بالحذق في البيع والشراء وإن كان الأحسن والأولى أن يعلم الثمن

مثاله

اشتريتُ أرضاً بمائة ألف ريال، وأنا ممن يتجر في الأرضين ولا يُغبن فيها، فجاءني رجل وقال: بعني الأرض التي اشتريتها برأس مالها، فقلت: بعتها عليك، وهو لا يدري بكم اشتريتها، لكنه يعرف أنني رجل تاجر حاذق لا أُغبن في الشراء فيجوز والأولى بيان الثمن للمشتري لأنه أطيب لقلبه

قوله (وإن اشترى بثمن مؤجل) مثل أن يقول: بعتك هذا الكتاب برأس ماله، وهذا بيع تولية، فقال: كم رأس ماله؟ قال: رأس ماله ثلاثون درهماً، فقال: اشتريته، وكان هذا الذي باعه قد اشتراه بثلاثين درهماً مؤجلاً ولم يخبر المشتري، ومعلوم أن الثمن المؤجل يكون أكثر، فاشتراه المشتري وصدقه وأخذه بثلاثين، ثم تبين أن هذا الثمن مؤجلاً، فهو صادق في أنه اشتراه بثلاثين، لكنه مؤجل،

فإذا علمنا أن البائع قد خدعه يقيناً فإنه في هذه الحالة نقطع عليه الطريق ونقول للمشتري أنت بالخيار إن شئت خذه بأجله ابتداءاً فإذا قدر أنه باعه بعد أن اشتراه بثلاثة أشهر والأجل ستة أشهر يستأنف ستة لأن هذا هو الثمن

قوله (أو ممن لا تقبل شهادته له) أي اشترى البائع بتخبير الثمن ممن لا تقبل شهادته له، ثم باعه على آخر ولم يخبره فللثاني الخيار؛ لأن الغالب أن الإنسان مع من لا تقبل شهادته له، لا يستقصي في الثمن، ولا يماكس

والذي لا تقبل شهادته له أصوله وفروعه، الآباء والأمهات والأجداد والجدات، والأبناء والبنات وأبناء الأبناء وأبناء البنات، وكذلك الزوجان لا تقبل شهادة أحدهما للآخر

فائدة: رجل أراد أن يعقد عقد نكاح وطلب المأذون الشرعي اثنين شهود، فلا تقبل شهادة الأب مع ابنه ولا الابن مع أبيه فنرد شهادة الأصل مع الفرع والفرع مع الأصل

مثال على المسألة

رجل اشترى من أبيه سلعة بمائة، ثم باعها على آخر برأس مالها، ثم تبين للمشتري أن الذي باع عليه قد اشترى من والده، فعلى قول المؤلف له الخيار سواء غبن أم لم يغبن

ووجه الخيار للمشتري أن البائع لو اشترى من أجنبي لماكسه، أما أبوه فيستحي منه

والصحيح أنه لا يثبت له الخيار إلا إذا ظهر في ذلك غبن، فله الخيار وإلا فلا

قوله (أو بأكثر من ثمنه حيلة) أي إذا اشترى البائع الذي باعه بتخبير الثمن بأكثر من الثمن حيلة

مثاله: رجل يطلب من آخر ألف ريال، والمطلوب منه يماطل، كلما جاءه قال انتظر، وفي يوم من الأيام اشترى منه سلعة تساوي ثمان مائة بألف، فلما اشتراها، قال المشتري الذي هو الطالب للبائع المطلوب الذي يماطل إذاً مقاصة، فهذا الشراء ليس لرغبة في السلعة؛ بل حيلة على استخلاص حقه؛ فإذا جاء رجل آخر، وقال له بعني هذه السلعة، فقال أبيعها عليك برأس المال ألف، ثم تبين بعد ذلك أنه اشتراها بألف حيلة، ليخلص دينه من هذا المماطل وهي تساوي ثمان مائة فللمشتري الخيار

وكذلك إذا كان بأكثر من ثمنه محاباة، أي أن الذي باع بالتخبير اشترى هذه السلعة من شخص صديق له، وهي لا تساوي خمس مائة، لكن اشتراها بخمس مائة؛ لأنه صديقه، أو لأنه رأى أن هذا الرجل فقير، فقال أزيد الثمن محاباة له وجبراً لخاطره، ثم إن هذا المشتري باعها بالتخبير بالثمن، وقال إن ثمنها خمس مائة ريال، فنقول للمشتري الذي اشترى بالتخبير بالثمن لك الخيار إذا تبين أنها أكثر من ثمنها من أجل المحاباة؛ لأن الإنسان إذا حابى أحداً لا يهمه أن يزيد عليه ريالين أو ثلاثة أو عشرة، وأنه إذا باع عليه أيضاً لا يهمه أن ينقص ريالين أو ثلاثة أو عشرة

قال في الروض مع حاشية ابن قاسم (أو لرغبة تخصه) أي الذي باع بتخبير الثمن، اشترى هذه السلعة لرغبة تخصه ليس لأنها زادت في السوق، بل لرغبة تخصه

مثاله: رجل اشترى أرضاً إلى جنب بيته، فالأرض تساوي مائة ألف، واشتراها بمائة وعشرين؛ لأنها إلى جانب بيته فهذه رغبة تخص المشتري، فلو لم تكن بجوار بيته له لم يشتريها بمائة وعشرين، ثم إنه طابت نفسه من هذه الأرض وباعها على إنسان بالتخبير بالثمن، فقال المشتري الآخر بكم اشتريتها قال بمائة وعشرين، فقال أخذتها برأس مالها، وتبين أن المائة والعشرين أكثر من الثمن، وأن ثمنها مائة، وزاد العشرين لرغبة تخص المشتري، وهي كونها إلى جنبه ومداخلة بيته

مثال آخر: اشترى شاة حلوباً بمائة وعشرين؛ لأن عنده خروفاً من الغنم يحتاج إلى لبن، فاشتراها بمائة وعشرين؛ من أجل أن ترضع هذا الخروف، ثم انتهى رضاعه، وجاء إنسان وقال: اشتريها منك برأس المال مائة وعشرين، ثم تبين أنه اشتراها بمائة وعشرين من أجل إرضاع الخروف

قال في الروض مع حاشية ابن قاسم (4/461) أي: اشتراه في أيام الموسم

مثاله: اشترى شاة في عيد الأضحى، وعادة أن الغنم في عيد الأضحى ترتفع قيمتها، فاشترى هذه الشاة بمائة وفي غير الموسم تساوي ثمانين، ثم إنه بعد أن فات الموسم باعها برأس مالها مائة، وهو أكثر من الثمن؛ لأنه اشتراها في موسم، والموسم قد فات فللمشتري الآخر الخيار

إذاً متى بان الثمن أكثر لسبب من الأسباب يتعلق بالمشتري أو بالمبيع، فإن للمشتري الآخر الخيار

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

27-11-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة